ويتساءل " علاء أبو بكر " هل نسى الله خطية داود عندما أحصى بني إسرائيل إحساسًا منه بالكبرياء حتى يستطيع أن يفتخر بقوة جيشه (1أي 21: 1 - 14) وكان نتيجة هذه الخطية انتقام الرب من 70 ألف رجلًا من بني إسرائيل..؟ وهل نسى الرب أن داود حاد عن الشريعة عندما عفا عن ابنة أمنون الذي زنا بأخته ثامار (2صم 13: 14) وهذا ضد ما جاء في (لا 18: 9 - 11، 20: 17، تث 22: 22 - 27) فكان يجب أن يقتل ابنه ولكنه لم يفعل..؟ وهل نسى الرب قتل داود لمائتي فلسطيني وقطع غُلفهم مهرًا لميكال ابنة شاول (1صم 18: 27)..؟ وهل نسى الرب نوم داود في حضن امرأة عذراء (1مل 1: 1 - 4)..؟ وهل نسى الرب خطية داود عندما قتل خمسة من أولاد زوجته ميكال لإرضاء الرب (2صم 21: 8، 9)..؟ فكيف لم يدرك الرب علام الغيوب كل هذه المخالفات الشرعية من نبيه داود ويصفه أنه لم يقترف إثمًا إلاَّ زناه مع امرأة أوريا الحثي(2)؟
ج: أ - هل نسى الله خطية داود عندما أحصى بني إسرائيل إحساسًا منه بالكبرياء (1أي 21: 1 - 14)؟
لم يتساهل الله مع خطايا داود، وعندما تكبَّر وأحصى الشعب عاقبه الله عقوبة شديدة، إذ ضرب شعبه الذي أفتخر به بالوباء، فمات منهم سبعون ألفًا (2صم 24: 15) وأعترف داود بخطئه الشخصي: "وقال هاأنا أخطأت وأنا أذنبت وأما هؤلاء الخراف فماذا فعلوا. فلتكن يدك عليَّ وعلى بيت أبي" (2صم 24: 17) وسيأتي الحديث عن هذا الأمر في حينه.
ب - هل حاد داود عن الشريعة عندما عفىَ عن ابنه أمنون الذي زنا بأخته ثامار (2صم 13: 14)؟
نعم حاد داود عن الشريعة ولم ينفذ حكم الشريعة في الزاني، ويرجع ذلك لضعف إرادته بعد سقوطه في الخطية مع بثشبع، فكيف يمكن لزاني أن يحاسب زانيًا..؟!! كما أنه كان يعلم أن هذه العقوبة سمح بها الله لتأديبه شخصيًا، فأنصب كل اهتمامه على تبكيت نفسه أكثر من الانتقام من ابنه أمنون الذي أجرم في حق أخته وحق أبيه، وحق الشريعة أولًا، وربما ترأف داود بابنه البكر أمنون ولي العهد الذي سيملك بعده، ولا أحد يستطيع أن ينكر أن داود رغم نجاحه الخارجي كقائد حربي وملك، لكنه فشل في تربية أولاده، ولم يتعامل في قضية أمنون وثامار بعدالة كاملة كأب وملك... أن منظر ثامار البريئة التي فقدت بكوريتها فمزقت ثوبها الملون وعفَّرت رأسها بالتراب، ووضعت يدها على رأسها وراحت تصرخ منظر يمزق الأحشاء، وكان يوجب توقيع العقوبة على الجاني، ولكن كل ما فعله داود أنه " أغتاظ جدًا"، وبعد سنتين عندما رأى أبشالوم أن الملك لم يعاقب أخيه أمنون على جريمته دبر مكيدة اغتياله ليقتص ممن أغتصب أخته، وأيضًا ليضمن أن يؤول العرش إليه بعد أبيه.
جـ- هل أخطأ داود عندما قتل مائتي فلسطيني وقطع غلفهم (1صم 18: 27)؟
سبق الحديث عن هذا الأمر فيُرجى الرجوع إلى س 1134 هنا في موقع الأنبا تكلا هيمانوت.
د - هل أخطأ داود عندما نام في حضن فتاة عذراء (1مل 1: 1 - 4)؟
لم يفعل داود هذا من أجل الشهوة، إنما إذ فقد قوته ونضارته وطاقته، أفتقر للدفء، وكان ما فعله داود بحسب مشورة من حوله أمر متعارف عليه، وسيأتي الحديث عن هذا الأمر بالتفصيل في حينه.
هـ - هل أخطأ داود عندما دعى ابنه " بعلياداع " تيمنًا بالبعل؟
كما رأينا من قبل في الحديث عن " بعل فراصيم" (2صم 5: 20) فأن معنى كلمة " بعل " أي " رب " أو " سيد " أو "مالك" وعندما دعى داود ابنه "بعلياداع" لم يقصد البعل الإله الوثني، أنما قصد الرب الإله الحقيقية سيد كل أحد ومالك الكل.
و - هل أخطأ داود عندما قتل خمسة من أولاد ميكال (2صم 21: 8، 9)؟
فعل داود هذا إرضاء للجبعونيين الذين قطع لهم يشوع بن نون عهدًا، فجاء شاول ونكل بهم، فغضب الله على شعبه، وأمتنع المطر لمدة ثلاث سنوات، وطالب الجبعونيين بسبعة رجال من نسل شاول يُقتَلوا، وسيأتي الحديث عن ذلك في حينه.
والآن يأتي السؤال الرئيسي: هل تغاضى الله عن جميع هذه الخطايا ولم يذكر لداود غير خطية الزنا والقتل؟
قال الكتاب: "لأن داود عمل ما هو مستقيم في عيني الرب ولم يَحد عن شيء مما أوصاه به كل أيام حياته إلاَّ في قضية أوريا الحثي" (1مل 15: 5).. فلماذا ركز الكتاب المقدَّس على هذه الخطية هكذا؟
1- جسامة هذه الخطية التي بها حطم داود ثلاث وصايا من الوصايا العشر وهي " لا تشته امرأة قريبك" (خر 20: 17) و" لا تزن" (خر 20: 14) و" لا تقتل" (خر 20: 13).
2- لقد نالت هذه الخطايا من كيان داود وشخصيته وتركت وصمتها على حياته فلا أحد ينكر بشاعة اشتهاء امرأة القريب، وعندما يرتكب هذه الخطية ليس إنسانًا عاديًا محرومًا، بل الملك ذاته، الذي له عدة زوجات، ويستطيع أن يزيد من النساء زوجات كان يشاء، فأن الخطية تزداد بشاعة، ولا أحد ينكر بشاعة خطية الزنا: "أهربوا من الزنى. كل خطية يفعلها الإنسان هي خارجة عن الجسد. لكن الذي يزني يخطئ إلى جسده" (1كو 6: 18) وعندما تمتزج هذه الخطية بالقتل فأنها تزداد بشاعة، ولا أحد ينكر بشاعة خطية القتل، وعندما تُوجَه إلى جندي برئ وفيّ مُخلص مُطيع شجاع بطل من أبطال الحرب فأنها تزداد بشاعة، وبعد أن أرتكب داود هذه الخطية المركَّبة التي تعكس عدم أمانة الراعي تجاه قطيعه، وإطلاق العنان للشهوة، والاستهانة بمشاعر الغير، ومصادرة حق الحياة، وهدم كيان الأسرة، وقل ما شئت في هذه الخطية المركَّبة، فأن داود أجتهد أن يصرف نظره عن هذه الخطية متحاشيًا التطلع إلى بشاعتها، مجتهدًا أن يحتفظ بها في طي الكتمان، ولمحبة الله لداود أرسل إليه ناثان النبي وضرب له مثل النعجة والمائة نعجة، وداود كراعي يدرك جيدًا مدى قيمة النعجة الوحيدة لصاحبها، فأنفعل داود جدًا وأصدر حكمه بالموت على هذا المغتصب ورد النعجة أربعة أضعاف، متجاوزًا حكم الشريعة التي أمرت برد الشاه المسروقة بأربعة أضعاف (خر 22: 1) ولم تأمر بقتل السارق، وبهذا حكم من داود ذاته على مقدار بشاعة هذه الخطية.
3- ربما نلتمس الأعذار لخطايا داود الأخرى، فعندما أحصى الشعب كان الدافع لهذا معرفة عدد وقوة جيشه، وعندما تخاذل عن معاقبة أمنون كان ذلك بسبب ما أصابه من ضعف الشخصية وبدافع العطف الخاطئ على ابنه البكر، وعندما قتل مائتي فلسطيني فطالما فعل الفلسطينيون ما هو أشنع مع شعبه، والمبدأ الذي كان يحكمهم حينذاك " عين بعين وسن بسن".. إلخ لكن من يجرؤ أن يتلمس لداود العذر في خطيته مع أسرة أوريا الحثي..؟!!
ويقول " القص مكسيموس وصفي": "إن كان داود حسب الظاهر قد أخفى عمله القبيح وظن أن الأمر اختفى في طيات الزمن، ولم يدرك أن صوت دم أوريا المظلوم يصرخ (تك 4: 10) وليس من يسأل عن ظلمه. أن امرأته قد ندبته ثم انضمت إلى بيت الملك فمن ذا الذي يتجاسر أن يستذنب الملك. ولكن هل يسكت الله والخطية موجهة ضد الله نفسه وهو ما قاله الرب على فم النبي: "لأنك احتقرتني" (2صم 12: 10)؟ أن الله هو الذي يستذنب داود وقد جاء وقت التأديب، فلو سكت الرب لظهر أنه لا فرق عنده بين الأمانة والشر. وجاء الوقت الذي يقف فيه داود في مواجهة الحقيقة التي ظن أن الستار قد أُسدل عليها بمرور الزمن... وانكشفت الحقيقة ولأول مرة يواجه داود إدانته أنه سقط وأخفى فعلته الدنيئة الدنسة وأحس داود بعظم خطيته وأنها موجهة ضد الله نفسه، فانسحق وأعترف بها أمام النبي وهو يقول: "أخطأت إلى الرب " وأنفجر من قلبه صرخات الندم وانهمرت الدموع من عينيه ونطق رجل الله بأروع صلوات التوبة التي تعبر عن مشاعر الانسحاق والندم"(1).
_____
(1) دراسة في سفر صموئيل الثاني ص 102.
(2) راجع البهريز جـ 1 س 489.
الكتاب المقدس: بحث، تفاسير | القراءات اليومية | الأجبية | أسئلة | طقس | عقيدة | تاريخ | كتب | شخصيات | كنائس | أديرة | كلمات ترانيم | ميديا | صور | مواقع
https://st-takla.org/books/helmy-elkommos/biblical-criticism/1195.html
تقصير الرابط:
tak.la/z8z7kdk