ج: 1- بالرغم من أن شاول كان يبذل قصارى جهده لقتل داود، حتى أنه كان يقود الآلاف للقبض عليه، وبالرغم من أن شاول وقع تحت يد داود وكان يمكنه الخلاص منه، ولكن كان داود مصرًا على أن لا يمد يده إلى مسيح الرب قائلًا: "فمن الذي يمد يده إلى مسيح الرب ويتبرأ" (1صم 26: 9) أما أيشبوشث بن شاول فقد كان مسالمًا مسلوب الإرادة تجاه أبنير، ولم يفكر في قتل داود، وبعد اغتيال أبنير بيد يوآب، ارتخت يد أيشبوشث (2صم 4: 1) فكان يستحق الرثاء، وجاء ركاب وأخيه بعنة ابنا رمُّون البئيروتي ودخلا بيت أيشبوشث، ولا أدري أين كان الحرس حينذاك..؟! كان أيشبوشث نائم في الظهيرة، فقتلاه وقطعا رأسه دون ذنب اجتناه، وحملا رأسه وسارا الليل كله حتى وصلا إلى داود " وقالا للملك هوذا رأس أيشبوشث بن شاول عدوك الذي كان يطلب نفسك" (2صم 4: 8) وتظاهرا بالتقوى وأن الذي دفعهما لهذا العمل هو الله فقالا لداود: "قد أعطى الربُّ لسيدي الملك انتقامًا في هذا اليوم من شاول ومن نسله" (2صم 4: 8) وهذا تزييف للحقيقة فلم يكن أيشبوشث عدوًا لداود، بل كان داود يعتبره " صديقًا " وبكل تأكيد أن الله برئ من هذا العمل الوحشي، فهو لا يرضى بالخيانة والغدر وسفك الدماء البريئة، وداود كملك كان لا بُد أن يجازيهما بحسب أعمالهما، فأصدر حكمه موضحًا أسباب هذا الحكم، حيث برأ الله من هذا العمل الخسيس قائلًا: "حي هو الرب الذي فدى نفسي من كل ضيق" (2صم 4: 9) لقد كان اعتماد داود أولًا وأخيرًا على الرب الذي ينجيه، ولم يعتمد على مساعدة البشر ولا سيما الأشرار مثل ركاب ويعنة، ثم قال داود أن الذي أخبرني بموت شاول وكان في عيني نفسه كمبشر قبضت عليه وقتلته في صقلغ وأنا لم أتولى المُلك بعد، وعندما قُتل شاول رثاه الملك وكذلك أبنير بن نير: "فكم بالحري أذا كان رجلان باغيان يقتلان رجلًا صديقًا في بيته على سريره. فالآن أما أطلب دمه من أيديكما وأنزعكما من الأرض" (2صم 4: 11) ونُفذ الحكم فيهما إذ قُتلا وقُطعت أيديهما التي أعتدت على هذا الرجل البريء، وقُطعت أرجلهما التي سعت لهذا الشر العظيم، وعُلق جسديهما ليكونا عبرة للجميع، فداود يعرف أن أيشبوشث رجلًا بريئًا، ولم يخطئ عندما صار ملكًا لأنه أبن شرعي لملك شرعي، ولم يكن لدى داود نية للخلاص من أيشبوشث وقتله، ولم يرد داود مطلقًا أن يؤسس مُلكه على الدماء الذكية، بل كان واثقًا أن الذي أختاره سيتمم اختياره، ولهذا رفع داود راية العدل عالية خفاقة، ووضع حدًا للاغتيالات السياسية ولا سيما الخاصة بالملوك، وأمر بدفن أيشبوشث بكرامة في قبر أبنير، وإن كان أبنير أنقلب على أيشبوشث في حياتهما، فأن القبر جمعهما معًا.
2- يقول " الأرشيدياكون نجيب جرجس": "وصف داود أيشبوشث بأنه (رجل صديق) أي بار، لأنه لم يسئ إلى هذين الرجلين، ولأنه في نظر داود وربما في نظر الكثيرين كان طيبًا بطبيعته، ولعل داود في نقاوة قلبه رأى أن منافسة أيشبوشث له في المُلك لم يكن شرًا ولا اعتداء ولكنه أمر طبيعي إذ هو الوارث لشاول أبيه... على أي حال امتداح داود له يعتبر موقفًا جميلًا، وقد أمتدح من قبل شاول عدوه الأكبر وأمتدح أبنير، وهكذا المحبة دائمًا عينها بسيطة وتستر كثرة الخطايا... وأمرهم فقطعوا (أيديهم) التي قتلت إنسانًا بريئًا كان يأتمنهما على حياته وعلى ماله وعلى خدمته، و(أرجلهم) التي تجاسرت ودخلت بيت الرجل الذي أكرمهم بقصد قتله، وتجاسرت ودخلت مخدعه لتنفيذ غرضهما الدنيء، ثم سارت مسرعة إلى داود... علَّقوا الجسدين اللذين بترت منهما الأيدي والأرجل، وكانت البركة في حبرون، وتعتبر موضعًا عامًا يأتي إليه جميع الناس ليستقوا، حتى يرى الناس عاقبة البغي والعدوان، ويكونا عبرة للناظرين، ولكي يرى الشعب أيضًا صورة جديدة حيَّة عن محبة داود لشاول ولنسله ونقاوة قلبه حتى نحو الرجل الذي كان ينافسه. ولم يفت داود أن يكرم أيشبوشث بعد موته كملك وابن ملك فأمر بأن يُدفن رأسه في قبر قائده أبنير في حبرون عاصمة داود وقتئذ"(1).
_____
(1) تفسير الكتاب المقدَّس - سفر صموئيل الثاني ص 50، 51.
الكتاب المقدس: بحث، تفاسير | القراءات اليومية | الأجبية | أسئلة | طقس | عقيدة | تاريخ | كتب | شخصيات | كنائس | أديرة | كلمات ترانيم | ميديا | صور | مواقع
https://st-takla.org/books/helmy-elkommos/biblical-criticism/1172.html
تقصير الرابط:
tak.la/7rhky47