يقول " ليوتاكسل": "أن ابن يسَّى جعل نفسه زعيمًا لعصابة من اللصوص والقتلة والنصابين، كما تقول التوراة نفسها، فقد جمع داود حوله 600 قاتل، وقادهم ليعيثوا فسادًا في الجبال والوديان، ولم يرحموا صديقًا أو عدوًا، فكانوا يسلبون كل من يقع لهم في طريق... لم يترك يهوه مناسبة تمر دون أن يُظهِر فيها حمايته لداود ووقوفه معه، فقد كان هذا الأخير يناسب رغباته كلها... لنفترض أننا أردنا أن نكتب قصة لص شهير، فهل نستطيع أن نكتب قصة مغايرة لهذه القصة؟ ففي الوقت الذي تفخر فيه التوراة بداود تقدم لنا نابال رجلًا فظًا وقاسيًا. بيد أن الحقيقة هي الحقيقة، فسلوك داود يثير الاشمئزاز وحسب، ولكن يهوه نفسه شارك في موت الزوج الذي تكرهه زوجته، وبتدخله الشرير هذا، يكون يهوه قد بارك في الوقت نفسه بغاء داود"(1).
ج: 1- لا ينبغي أن نقارن العصر الذي عاش فيه داود منذ ثلاثة آلاف عام بهذا العصر، وإن كنا في هذا العصر وبعد ثورة يناير 2011 م بأكثر من سنتين نعيش في مصر الفوضى، فما أكثر التعديات الصارخة على الثوار، وما أكثر الشباب العاطل الذي يستقل الدراجات البخارية ويخطف ما يمكن خطفه، بل وما أكثر الذي يختطفون الأطفال، بل الرجال، ويطالبون بفدية ضخمة، وما أكثر الإشاعات التي تُطلق على تعدي شاب مسيحي على فتاة غير مسيحية، أو هروب فتاة غير مسيحية واتهام المسيحيين باختطافها، وما يترتب على ذلك من اعتداءات صارخة على المسيحيين وممتلكاتهم وكنائسهم، فيسلبون ما يسلبون ويحرقون ما يحرقون... ناهيك عن كل المآسي التي يعاني منها المصريون عامة والأقباط خاصة في ظل الحكم الإخواني... فكم وكم كانت الحياة منذ آلاف السنين. لقد كانت الحروب بالنسبة لهم نوعًا من التريض، والغزوات وما أدراك ما الغزوات، وما يترتب عليها من قتل وسلب ونهب وحرق، تكاد تكون أمرًا مشروعًا... أما داود النبي فلم يكن يغزو غير الأعداء الذين طالما غزوا بني شعبه.
2- عندما كان رعاة نابال يرعون أغنامهم كانوا معرضين للغزو من العمالقة أو الفلسطينيين أو غيرهما، كما كانوا معرضين لهجمات الوحوش، ولكنهم استظلوا بحماية داود ورجاله، فأمضوا أوقاتهم ليل نهار في طمأنينة وراحة بال، ولم تُفقد لهم شاة واحدة، وهم اعترفوا بفضل داود ورجاله عليهم: "والرجال محسنون إلينا جدًا فلم نُؤذَ ولا فُقد منا شيء كل أيام تردُّدنا معهم ونحن في الحقل. كانوا سورًا لنا ليلًا ونهارًا كل الأيام التي كنا فيها معهم نرعى الغنم" (1صم 25: 15، 16).. والفاعل مستحق أجرته، فإن كان داود ورجاله قاموا بواجب الحراسة لرعاة نابال وأغنامه فإنهم يستحقون المقابل لهذه الحراسة. إذًا فهم طلبوا ما يستحقونه من مكافأة، ولا يعد عملهم هذا من قبيل البلطجة وفرض الإتاوات.
3- مناسبة جز الأغنام تعتبر من أسعد المناسبات، فالصوف يمثل مصدر دخل لصاحب القطيع، ولذلك فإنه يقيم الولائم ويدعوا الأصدقاء، ولاسيما أن نابال " كان الرجل عظيمًا جدًا وله ثلاثة آلاف من الغنم وألف من المعز" (1صم 25: 2)، كما ذكرنا أيضًا هنا في موقع الأنبا تكلا هيمانوت في أقسام أخرى. فأرسل داود بعض الغلمان في هذه المناسبة السعيدة ولم يفرض على نابال طلبًا معينًا، إنما أرسل إليه رسالة تفيض بالرقة معتبرًا نفسه كابن له، وقال للغلمان بعد أن تسألوا عن سلامته باسمي " قولوا هكذا... حييت وأنت سالم وكل مالك سالم... حين كان رعاتك معنا لم نؤذهم ولم يُفقد لهم شيء كل الأيام التي كانوا فيها في الكرمل. اسأل غلمانك فيخبرونك. فليجد الغلمان نعمة في عينيك لأننا قد جئنا في يوم طيب. فأعطِ ما وجدته يدك لعبيدك ولابنك داود" (1صم 25: 5 - 8) أما نابال الذي اتصف بالحماقة فإنه لم يكتفِ بأنه لم يعطِ شيئًا، إنما تفوَّه بكلمات جارحة لمن أحسنوا إليه، فقال: "من هو داود ومن هو ابن يسَّى. قد كثر اليوم العبيد الذين يفحصون كل واحد من أمام سيده. أآخذ خبزي ومائي وذبيحي الذي ذبحت لجازّيَّ وأعطيه لقوم لا أعلم من أين هم" (1صم 25: 10، 11).
ويقول "الأرشيدياكون نجيب جرجس": "من هو داود ومن هو ابن يسَّى... والاستفهام يفيد التحقير والاستهزاء. يا للعجب ومن الذي لا يعرف داود الذي كان أشهر من نار على عَلَمْ واسمه على كل لسان؟ أليس هو الذي قتل جليات الجبار الفلسطيني وغنت له الفتيات والنساء أغاني وأناشيد رن صداها في كل أنحاء اليهودية..؟ أو ليس هو الذي خاض حروب الرب وانتصر على الفلسطينيين وغيرهم وخلَّص شعبه ومن بينهم نابال من اعتداءاتهم؟ وأليس هو صهر ملك البلاد؟ هل أصبح داود رجلًا نكرة لا أصل له ولا وجود له؟ وهل من الأدب أن يدعوه متهكمًا (ومن هو ابن يسَّى؟!).. ويزداد نابال تهورًا فيلقب داود وأتباعه بالعبيد... ولعله تطرق إلى ذهنه في هذه اللحظة أن داود خارج عن طاعة الملك، وخائن له، فشبهه هو ورجاله بالعبيد الذي يخرجون عن طاعة سادتهم ويخونونهم، وتجاهل نابال أن داود مظلوم، ومطارد من الملك بدون وجه حق"(2).
4- نابال هذا الذي استهان بداود واحتقره وسخر منه، عندما بلغ أذانه أن داود أصطحب رجاله للقضاء عليه هو وكل بيته لولا تدخل زوجته أبيجايل " وفي الصباح عند خروج الخمر من نابال أخبرته امرأته بهذا الكلام فمات قلبه داخله وصار كحجر. وبعد عشرة أيام ضرب الرب نابال فمات" (1صم 25: 37، 38) وقد تبدلت شجاعة نابال إلى خوف ورُعب وجُبن أمام سيف داود، ولم يفكر أن يقدم أي نوع من الاعتذار ولم يُظهر أي نوع من الندم، وانحدار حالته النفسية أثر على حياته الصحية فمرض ومات.
ويقول "القمص تادرس يعقوب": "إذ عرف داود بموت نابال أدرك أن يد الله قد امتدت لتعمل وتضرب من أساء إليه دون أن يخطئ هو إليه. طلب أبيجايل زوجة، فقبلت في الحال بغير حوار وفي اتضاع، إذ قامت وسجدت على وجهها إلى الأرض أمام رسل داود، وقالت {هوذا أمتك جارية لغسل أرجل عبيد سيدي}. قبلته وهو وسط الضيق لترافقه أيام مجده"(3).
وجاء في " كتاب السنن القويم": "فلما سمع داود أن نابال قد مات قال مبارك الرب الذي انتقم نقمة تعييري من يد نابال... علينا أن نسلم النقمة للرب:
(1) لأنه يعرف قلوب جميع الناس وربما نكون نحن المخطئين.
(2) لأنه خلق الإنسان فله أن يأخذه من هذا العالم حينما يريد وكما يريد.
(3) لأنه عادل فلا يبرئ الخاطئ، ومُحب لكل بني البشر وليس عنده محاباة، فنقدر أن نتكل عليه أن يعمل كل شيء حسنًا"(4).
_____
(1) التوراة كتاب مقدَّس أم جمع من الأساطير ص 318، 324.
(2) تفسير الكتاب المقدَّس - سفر صموئيل الأول ص 242، 243.
(3) تفسير سفر صموئيل الأول ص 180.
(4) السنن القويم في تفسير أسفار العهد القديم جـ 4 (أ) ص 120.
الكتاب المقدس: بحث، تفاسير | القراءات اليومية | الأجبية | أسئلة | طقس | عقيدة | تاريخ | كتب | شخصيات | كنائس | أديرة | كلمات ترانيم | ميديا | صور | مواقع
https://st-takla.org/books/helmy-elkommos/biblical-criticism/1150.html
تقصير الرابط:
tak.la/n44qf6d