يقول " ليوتاكسل": "سبق شاول إلى الكهف ليعفو داود عنه وهو يتخلص من نفايات أمعائه؟ ألم يكن بمقدور " الروح القدس " أن يخلق ظرفًا أكثر جمالية لتجلي رحمة داود ورأفته بعدوه؟ ولكن يهوه أراد أن يكون الأمر كما كان، ولتكن مشيئته!.. ومن المعروف أن الإكليروس يصرخ ضد بعض أعمال الروائي المعروف، ذي النزعة الطبيعية " إميل زولا"، التي يصف فيها الرائحة الكريهة التي يطلقها الرجال. ولكن روايات زولا ليست كتبًا مقدَّسة، ولن يخطر لأحد أن يجعلها أساسًا لديانة ما، في أي يوم من الأيام"(1).
ج: 1- يقول الكتاب: "فدخل شاول لكي يغطي رجليه وداود ورجاله كانوا جلوسًا في مغابن الكهف... فقام داود وقطع طرف جبة شاول سرًا" (1صم 24: 3، 4) فقد كان الكهف متسعًا وممتدًا وفي مثل هذه الأماكن التي لا يتوقع أحد أن يكون فيها إنسان، كان يختبئ داود ومعه عدد قليل من رجاله الأخصاء، وفي بداية الكهف يظهر الضوء إما داخل الكهف فتكاد الظلمة أن تكون دامسة، وعندما يكون الإنسان في ضوء النهار يدخل فجأة إلى مكان شبه مظلم لا يرى شيئًا، بينما الجالس في هذه الظلمة يرى الداخل إليه لأن عينيه تكونا قد اعتادتا الضوء الخافت جدًا، وهذا ما حدث بالضبط إذ كان داود ورجاله في الكهف، وإذ شعروا بحركة خارج الكهف أدركوا اقتراب شاول حاملًا معه رسل الموت، فلابد أنهم التصقوا بأرضية الكهف من الداخل وكتموا الأنفاس، أما شاول فكان يخشى الدخول إلى مغابن الكهف لئلا يكون هناك ثعبانًا سامًا أو حيوانًا مفترسًا كامن بالداخل، وإذ كان شاول مجهدًا نام بالقرب من باب الكهف، على الفور استسلم للنعاس، فتسلل داود وقطع طرف جبته وهو في منتهى الحرص، وعاد أدراجه إلى موقعه.
2- معنى " مغط رجليه " هو تعبير مهذب عن قضاء الحاجة كما حدث في قصة عجلون ملك موآب إذ اغتاله أهود بن جيرا وأغلق الباب خلفه، أما رجال عجلون فظنوا أنه " مغطٍ رجليه " أي أنه يقضي حاجته، أو أنه نائم " فقالوا أنه مغط رجليه في مخدع البرود" (قض 3: 24) ومخدع البرود هو سقيفة تلطيف الحرارة، وهي صالة على القصر تتميز بالنوافذ المتسعة مما يسمح لتيارات الهواء بالدخول إليها، فقد كان عجلون ينام في هذه الصالة في ساعة القيلولة، وأيضًا في قصة شاول يُفهم من سياق القصة أن شاول كان يغط في النوم، لأنه لو كان يقضي حاجته جالسًا القرفصاء لكان يقظًا يرفع رداءه ويلملم ملابسه، وفي هذا الوضع يصعب على داود التسلل إليه دون أن ينتبه له. إذًا نحن أمام المعنيين قد يكون شاول لجأ إلى الكهف ليقضي قسطًا من الراحة فاستسلم للنوم وهذا هو الاحتمال الغالب، أو أنه دخل ليقضي حاجته، وهذا الاحتمال أقل من سابقه.
3- ذكر الكتاب المقدَّس ما حدث بالضبط، فلماذا يعيب " ليوتاكسل" و"فولتير " على صراحة الكتاب المتناهية، ويضعون مسئولية كل تصرف خاطئ أو شبه خاطئ أو غير مقبول على الكتاب نفسه، ويتغافلون أن كل إنسان مسئول عن تصرفه، وكل إنسان يحمل وزر نفسه، أم أنهم كانوا ينتظرون من الكتاب أن يُعلّق على كل تصرف ويحكم عليه، متغاضين أن الله خلق الإنسان عاقلًا يستطيع أن يميز بين ما هو صواب وما هو خطأ. أما القصة التي نحن بصددها فإنها قصة حقيقية واقعية لا يعيبها شيئًا، أما " ليوتاكسل " فإنه ينظر إليها على أنها رواية خيالية، وأن المؤلف لم يحسن اختيار المكان الذي وقعت فيه فصول القصة، وهذا أمر وارد ومتوقع من ليوتاكسل الذي لا يؤمن بقدسية الكتاب ولا بوحيه.
_____
(1) التوراة كتاب مقدَّس أم جمع من الأساطير ص 320.
الكتاب المقدس: بحث، تفاسير | القراءات اليومية | الأجبية | أسئلة | طقس | عقيدة | تاريخ | كتب | شخصيات | كنائس | أديرة | كلمات ترانيم | ميديا | صور | مواقع
https://st-takla.org/books/helmy-elkommos/biblical-criticism/1145.html
تقصير الرابط:
tak.la/hqs5sz2