يقول " علاء أبو بكر": "أيدعي نبي الله الجنون؟ ما هذه المسرحية الرخيصة؟ وأن تبقى عصمة الأنبياء؟ وكيف سيصدقه أتباعه طالما ثبت عليه الكذب أو الجنون"(1).
أما " زينون كوسيدوفسكي": فيضخم من حادثة تظاهر داود بالجنون ويدعي أنه كان يتسكع في شوارع المدينة ويرسم على أبواب البيوت رموزًا وإشارات سحرية، فيقول: "سمع داود من أناس صادفهم أن شاول يقود بنفسه حملة لمطاردته، لذلك حث الخطى إلى المدينة الفلسطينية جت، حيث الملك أخيش، لكنه عبثًا أمل ألاَّ يعرفه هناك أحد، إذ أن المارين في الطريق عرفوا فورًا في وجه داود، قاتل جليات. ولكي ينجو من انتقام الفلسطينيين تصنَّع داود الجنون، فالمجانين كانوا يتمتعون هناك بحصانة ويُحرَم على أحد التعرض لهم. تسكع في الشوارع يتمتم بكلام لا معنى له، فالزبد يسيل من فمه بشكل مقرف، وهو غير مبالٍ يرسم على أبواب البيوت رموزًا وإشارات سحرية. لاحَقه سكان جت خطوة خطوة، وفي نهاية المطاف قيدوه وأحضروه إلى الملك، نظر إليه أخيش وكاد يتقيأ من منظره، ولما لم يعرف ماذا يفعل به أمر بإطلاق سراحه"(2).
ج: 1- لا مانع من التكرار وتأكيد الحقيقة، إننا لا نؤمن بعصمة الأنبياء إلاَّ في حالة تسجيلهم لكلمات الوحي الإلهي في الأسفار المقدَّسة، أما تصرفاتهم الشخصية فلا عصمة لها على الإطلاق، فهم من نفس عجينة البشرية، لهم ضعفاتهم ولهم سقطاتهم " فالجميع زاغوا وفسدوا معًا ليس من يعمل صلاحًا ليس ولا واحد" (رو 3: 12). ثم أن داود النبي جاز في ظروف قاسية للغاية إذ كان مطاردًا من قِبل ملك البلاد الذي يصر على اقتناص روحه، لأنه يرى فيه المنافس على عرش إسرائيل، وعندما ذهب إلى أبيمالك اضطرب أبيمالك لأن داود كان بمفرده، فقال له داود: "الملك أمرني بشيء وقال لي لا يعلم أحد شيئًا من الأمر الذي أرسلتك فيه وأمرتك به" (1صم 21: 2) وبذلك طمأن داود أخيمالك الذي أعطاه خبز الوجوه وسيف جليات، وربما لو علم أخيمالك أنه مُطارد من الملك لامتنع عن معونته، وهذا ما أوضحه أخيمالك لشاول عندما عاب عليه معاونته لداود " فأجاب أخيمالك الملك وقال ومَن من جميع عبيدك مثل داود أمين وصهر الملك وصاحب سرك ومكرَّم في بيتك" (1صم 22: 14) ومع هذا فلا أحد يستطيع أن يبرر داود من الكذب، فقط نحن نلتمس له الأعذار الحقيقية ولا نبرره، ولاسيما أنه ترتب على هذه الكذبة مذبحة راح ضحيتها خمسة وثمانين من كهنة الرب، مما جعل داود يعض بنان الألم: "فقال داود لأبياثار... أنا سبَّبت لجميع أنفس بيت أبيك" (1صم 21: 22).
ويقول " القمص تادرس يعقوب": "خارت قوى داود فاستخدم الخداع والمواربة ونوعًا من الكذب ليبرر موقفه أمام أخيمالك، إذ قال له: أن الملك أمرني بشيء وقال لي... كان داود رجلًا حسب قلب الله، لكنه في ضعفه كان يخطئ، وقد أدى ضعفه هذا وكذبه إلى عواقب وخيمة (1صم 22: 18، 19)"(3).
2- تضايق داود جدًا من مطاردة شاول إياه وشعر أنه قاب قوسين أو أدنى من الموت، كما ذكرنا أيضًا هنا في موقع الأنبا تكلا هيمانوت في أقسام أخرى. ففكر في النجاة بنفسه بأن يلجأ إلى الأعداء، فذهب إلى مدينة جت، ولكن أُكتشف أمره وعرفوه، وقادوه إلى أخيش ملك جت قائلين: "أليس هذا داود ملك الأرض. أليس لهذا كنَّ يغنين في الرقص قائلات ضرب شاول ألوفه وداود ربواته. فوضع داود هذا الكلام في قلبه وخاف جدًا... فغيَّر عقله في أعينهم وتظاهر بالجنون بين أيديهم وأخذ يخربش على مصاريع الباب ويسيل ريقه على لحيته" (1صم 22: 11 - 13) والقول واضح أن داود الذي لم يخشَ الأسد ولا الدب ولا جليات، في هذا الموقف " خاف جدًا".. خاف لأنه شعر أنه وحيد بمفرده في قبضة الموت، إذ التجأ إلى الأعداء دون أن يستشير الرب في الأمر، وكاد يفقد إيمانه في حماية الله وحفظه.
3- ما تخيله كوسيدوفسكي من أن داود أخذ يدور على أبواب بيوت المدينة يرسم رموزًا وإشارات سحرية، وأن سكان المدينة كانوا يلاحقونه خطوة خطوة، وفي النهاية قيدوه وقادوه للملك، فهذه مجرد تخيلات ليس لها صلة بالحدث، والكتاب المقدَّس الذي عوَّدنا على الصراحة الكاملة لم يذكر هذا ولم يشر إليه من قريب أو من بعيد.
_____
(1) البهريز في الكلام اللي يغيظ جـ 1 س394 ص 276، 277.
(2) الأسطورة والحقيقة في القصص التوراتية ص 239.
(3) تفسير سفر صموئيل الأول ص 149.
الكتاب المقدس: بحث، تفاسير | القراءات اليومية | الأجبية | أسئلة | طقس | عقيدة | تاريخ | كتب | شخصيات | كنائس | أديرة | كلمات ترانيم | ميديا | صور | مواقع
https://st-takla.org/books/helmy-elkommos/biblical-criticism/1143.html
تقصير الرابط:
tak.la/3z48t9d