يقول " علاء أبو بكر": "هل تأتي روح الرب الكريم العطوف الحنَّان المنَّان بخير؟ أستنبط أنت الإجابة: "وكان روح الله على شاول فخلع هو أيضًا ثيابه وتنبأ هو أيضًا وانطرح عريانًا ذلك النهار كله وكل الليل" (1صم 19: 24) مرة أخرى نبيًا عاريًا، ولا تظهر عليه علامات النبوءة إلاَّ بعد أن يخلع ملابسه ويظل عريانًا!! كيف تصدقون هذا في دينكم؟"(1).
يقول " زينون كوسيدوفسكي": "أن قوات الملك متجهة نحو رامتايم للقبض على الهارب، فخرج صموئيل للقائها مع الأنبياء الآخرين راقصين ومغنيين وصارخين حين بلغوا نشوتهم الدينية، نظر الجنود إلى الأنبياء بخوف في البداية، ثم لم يلبثوا أن انضموا إليهم يرقصون ويغنون فاستطاع داود الاختفاء وعاد الجنود فاشلين. عاد شاول وأرسل جنوده مرتين إلى رامتايم ولكنهم كانوا يكررون ما فعلوه في المرة الأولى ويعودون دون الهارب، فقرَّر الملك الذهاب بنفسه إلى رامتايم للقبض على منافسه الخطير، لكنه ما كاد يدخل المدينة حتى خرج إليه صموئيل بزمرة الأنبياء يرقصون ويغنون ويقرعون الطبول، فنظر إليهم الملك في البداية دون إكتراث، ثم أخذ ينجذب شيئًا فشيئًا نحو لذة أيام شبابه الدينية وانتهى به الأمر إلى الرقص والغناء، صار يدور مدمدمًا بكلام غامض، مزَّق ثيابه، ووقع عاريًا على الأرض، وبقى طوال النهار فاقدًا وعيه، ولما تاب إلى رشده كان داود قد غادر المدينة"(2).
ويقول " ليوتاكسل": "أحدًا لا يتخيل موكبًا من الأنبياء، الذين يقذفون نبوءاتهم دون توقف كنافورة ماء. أفي مشفى المجانين فقط؟! حتى رجال الشرطة تحوَّلوا إلى أنبياء وانضموا إلى صموئيل وداود والآخرين وتنبؤوا معهم، وأخيرًا شاول نفسه، الذي جاء بحثًا عن صهره ليقتله، شرع يتنبأ في الطريق، ثم تعرى في اجتماع القديسين أو الأنبياء الذين كانوا يتنبأون جماعة. أن هذا كله يشبه لوحات الجنون التي نشاهدها في مشافي الأمراض العقلية... إن هذا الهراء السخيف يشبه قصة قاضٍ ريفي كان يعيش ويعمل في بريطانيا السفلى، فقد أرسل دعوة قضائية إلى أحد الشهود، وكان هذا الأخير يعاقر الخمرة في الحانة، فبقى مراسل القاضي معه فيها، فأرسل القاضي مراسلًا آخر علق في القارورة بدوره، وأخيرًا جاء القاضي نفسه وانضم إلى المجموعة المحترمة، فأرجئت القضية"(3).
ج: قال الكتاب عن شاول عندما ذهب للقبض على داود: "فذهب إلى هناك في الرامة Rama فكان عليه روح الرب فكان يذهب ويتنبأ... فخلع هو أيضًا ثيابه وتنبأ هو أيضًا أمام صموئيل وانطرح عريانًا ذلك النهار كله وكل الليل. لذلك يقولون أشاول أيضًا بين الأنبياء" (1صم 19: 23، 24) ودعنا يا صديقي نسجل الملاحظات الآتية:
1- لم تكن هذه المرة الأولى التي يحل فيها روح الله على شاول ويهبه موهبة النبوءة، فعقب لقائه الأول مع صموئيل، في طريق عودته " إذا بزمرة من الأنبياء لقيته فحلَّ عليه روح الله فتنبأ في وسطهم" (1صم 10: 10).
2- هل كان مسموحًا للإنسان اليهودي أن يتعرى تمامًا أو يرى عورة غيره..؟ كان هذا الأمر محرَّمًا تمامًا، فعندما سكر نوح وتعرى ورأى حام عورة أبيه استحق اللعنة في صورة ابنه كنعان (تك 9: 25) ثم جاءت الوصية صريحة وحاسمة: "لا يقترب إنسان إلى قريب جسده ليكشف العورة" (لا 18: 6) فشاول لم ينزع ثيابه بالكامل، ولم يرى أحد عورته، ولا أدري كيف يتصوَّر الناقد أن هذا يحدث في محفل القديسين وفي حضور صموئيل النبي العظيم..؟!
3- قال الكتاب " فخلع هو أيضًا ثيابه " أي أن زمرة الأنبياء كانوا قد خلعوا ثيابهم قبله، ففعل مثلهم "هو أيضًا".. فما هو مفهوم خلع الثياب هنا..؟ المقصود هو خلع الرداء الخارجي، وبالنسبة لشاول فقد خلع رداءه وجبته وعدته الحربية، خلع ثيابه الملكية وعدَّة الحرب وظل بالملابس الداخلية من الكتان الأبيض علامة التواضع أمام الله.
ويقول " القمص تادرس يعقوب " عن شاول الملك: "ومن شدة تأثره بالمسبحين بموسيقى رائعة خلع رداءه وجبته وعدته الحربية وبقى بلباسه الأبيض منطرحًا النهار والليل يسبح ويرنم... لقد أراد الله أن يؤكد أنه إله المستحيلات، قادر أن يحوّل قلب شاول المملوء حقدًا إلى قلب ملتهب بالشوق نحو العبادة خاصة التسبيح، خالعًا كل ثياب المجد والكرامة، لكنه لا يلزمه بذلك بل تركه لإرادته الحرة، لذلك سرعان ما أرتد شاول إلى شره. ظن بعض الدارسين أن صموئيل وداود سخرا من شاول حينما نظراه منطرحًا عريانًا النهار كله وكل الليل، إنما الواقع كان عكس ذلك فقد مجَّد هذان النبيان الله على عمله في شاول ولو إلى حين، وقد ترك هذا المنظر أثرًا طيبًا في قلب داود لذا مدحه مع ابنه يوناثان قائلًا: "شاول ويوناثان المحبوبان الحلوان.." (2صم 1: 23)"(4).
ويقول " الأرشيدياكون نجيب جرجس": "انطرح (عريانًا) لأنه خلع ملابسه الملكية والحربية إجلالًا وتمجيدًا لله. ومن العجيب أنه ظل في تجليه الروحي (ذلك النهار كله وكل الليل) فتَنَهُ جمال الله، وأسر قلبه الشركة المقدَّسة، وذاق حلاوة الرب، فبقى أربعًا وعشرين ساعة كاملة وهو لا يريد أن يفارق هذا الجو السعيد المبارك الذي يحيا فيه مع الله ومع عبيده الأنبياء"(5).
ويقول " ناجح المعموري " الذي طالما أتهم الكتاب المقدَّس أنه أقتبس من الأساطير: "أن ثمة موكبًا من الرقص الموقَّع كانت تصحبه الموسيقى والترانيم المنغَّمة إلاَّ أن الأنبياء لم يكونوا يتنبأون بالمعنى الحديث للكلمة، وهو استطلاع الغيب أو المستقبل. هذا ويبدو أنه عندما انضم إليهم شاول حلت (حلَّ) عليه روح الرب، وتحوَّل إلى رجل آخر، وبتعبير آخر أنه قد بلغ هذه الحالة من "الوجْد" عندما صار وحيدًا مع الرب... إن جميع المشتركين في هذه الطقوس كانوا من الرجال... وأخيرًا أن تلك الأحداث كانت تعني وجود حالة من الوجْد أو الهيام الديني"(6).
4- كلمة "عريان" تستخدم بمعنى عاري تمامًا أي متجرد من أية ملابس خارجية أو داخلية، كما حدث مع أبينا آدم وأمنا حواء عقب السقوط، فقال آدم للرب: "لأني عريان فاختبأت" (تك 3: 10) وأيضًا تستخدم كلمة "عريان" للتعبير عن خلع الملابس الخارجية فقط، كقول أيوب عن مساكين الأرض " يبيتون عراة بلا لبس وليس لهم كسوة في البرد" (أي 24: 7) وجاء في الوصية أن الثوب الخارجي هو بمثابة الغطاء للفقير: "إن ارتهنت ثوب صاحبك فإلى غروب الشمس ترده له. لأنه وحده غطاؤه. هو ثوبه لجلده. في ماذا ينام؟" (خر 22: 6، 27)، وقال أليفاز التيماني: "لأنك ارتهنت أخاك بلا سبب وسلبت ثياب العراة" (أي 22: 6).
5- قال الرب لإشعياء النبي: "أذهب وحل المسح عن حقويك وأخلع حذاءك عن رجليك. ففعل هكذا ومشى مُعرَّى وحافيًا. فقال الرب كما مشى عبدي إشعياء معرَّى وحافيًا... هكذا يسوق ملك أشور سبي مصر" (أش 20: 2 - 4) فخلع إشعياء للمسوح وخلع الحذاء نوع من العري، وقد قصد الرب أن يجعل إشعياء نموذجًا لما سيفعله ملك أشور مع المسبيين من مصر، بل أنه سيحدث ما هو أكثر، ولذلك ذكر الكتاب هذا النص: "عراة وحفاة ومكشوفي الأستاه " (أش 20: 4) أما في قصة شاول فلم يقل هذا.
6- قال الكتاب " وانطرح عريانًا " أي عريانًا من الرداء الخارجي، وهذا يذكرنا ببلعام عندما قال " وحي بلعام بن بعور... الذي يرى رؤيا القدير مطروحًا وهو مكشوف العينين" (عد 4: 3، 4) وقال ميخا النبي " من أجل ذلك أنوح وأولول. أمشي حافيًا وعريانًا" (مي 1: 8) ولم يحدث أن ميخا تعرى بالكامل، إنما المقصود هو التعرية من الرداء الخارجي كما وصف الرب الهارب من المعركة فقال " والقوي القلب بين الأبطال يهرب عريانًا في ذلك اليوم يقول الرب" (عا 2: 16).
7- عندما ذهب التلاميذ للصيد بعد القيامة، ورأوا السيد المسيح على الشط قال يوحنا لبطرس: "هو الرب. فلما سمع سمعان بطرس أنه الرب أتزَّر بثوبه لأنه كان عريانًا" (يو 21: 7) فهل قول الإنجيل عن بطرس أنه كان " عريانًا " يعني أنه كان متجردًا من ثيابه بالتمام والكمال..؟! وهل هذا يُعقل..؟! لاشك أن المقصود هو أنه كان عريانًا من رداءه الخارجي، وواقف على المركب مع أخوته بقميصه الداخلي، ويقول " القمص تادرس يعقوب": "لأنه (بطرس) كان عريانًا تعبير خاص بالشخص الذي لا يرتدي الثوب الخارجي، كما قيل عن شاول حين خلع ثيابه Rimatra الخارجية وانطرح عريانًا النهار كله وكل الليل (1صم 19: 24) وقيل عن داود وهو متمنطق بأفودٍ من كتان أنه قد انكشف في أعين إماء عبيده (2صم 16: 14، 20)"(7).
8- عندما كان الملوك في ذلك الزمان يريدون أن يعلنوا جنوحهم للسِلم وانتهاء الحروب وإعلان بداية عصر السلام كانوا يخلعون زيّهم العسكري وينزعون سلاحهم، فيطلق عليهم "عبريا عاروم" أي "عريان" لأنه تعرى في زيه العسكري ومن سلاحه وارتدى ثيابًا مدنية.
9- لم يمزق شاول ثيابه كما ادعى "كوسيدوفسكي" لأن الكتاب قال " فخلع هو أيضًا ثيابه " ولم يقل قط أنه مزَّق ثيابه، ولا توجد أي إشارة في الكتاب إلى أن شاول مزَّق ثيابه.
_____
(1) البهريز جـ 1 س303 ص 216.
(2) الأسطورة والحقيقة في القصص التوراتية ص 237، 238.
(3) التوراة كتاب مقدَّس أم جمع من الأساطير ص 314، 315.
(4) تفسير سفر صموئيل الأول ص 140.
(5) تفسير الكتاب المقدَّس - سفر صموئيل الأول ص 195.
(6) موسى وأساطير الشرق ص 275، 276.
(7) تفسير الإنجيل بحسب يوحنا ص 1283.
الكتاب المقدس: بحث، تفاسير | القراءات اليومية | الأجبية | أسئلة | طقس | عقيدة | تاريخ | كتب | شخصيات | كنائس | أديرة | كلمات ترانيم | ميديا | صور | مواقع
https://st-takla.org/books/helmy-elkommos/biblical-criticism/1139.html
تقصير الرابط:
tak.la/rbyqr33