ج: 1- منذ أن تخلى روح الله عن شاول فقد اتضاعه ووداعته، وباغته الروح الرديء فجعله مشوشًا مضطربًا مهتزًا، وعندما علم أن الله إختار داود عوضًا عنه جن جنونه وحاول مرارًا وتكرارًا اصطياد نفس داود وقتله، حتى وهو في محفل مقدَّس ووليمة محبة، وعندما تغيَّب داود في اليوم الأول قال شاول: "لعله عارض. غير طاهر هو. أنه ليس طاهرًا" (1صم 20: 26) وفي اليوم التالي عندما سأل يوناثان وعلم أنه أذن لداود للذهاب إلى قريته بيت لحم " فحمى غضب شاول على يوناثان وقال له يا ابن المتعوّجة المتمردة أما علمت أنك قد اخترت ابن يسَّى لخزيك وخزي عورة أمك. لأنه مادام ابن يسَّى حيًا على الأرض لا تثبت أنت ولا مملكتك" (1صم 20: 30، 31) وعندما دافع يوناثان عن براءة داود صوب شاول الرمح نحوه ليطعنه، وعندما شتم شاول يوناثان لم يقصد الإساءة إلى زوجته إنما قصد الإساءة إلى يوناثان نفسه، وهذا ما اعتاد عليه أهل الشرق إذ عندما يسبُّون إنسان ويقدحونه فإنهم يشتمونه بأبيه وأمه، مع أن المقصود هو وليس والديه.
2- عندما قال شاول ليوناثان " أنك اخترت ابن يسَّى لخزيك وخزي عورة أمك " فهو كان يشير إلى عادة الملوك المنتصرين حينذاك، حيث كانوا يقتلون الملك وأولاده الذكور ويغتصبون نساءه، وهذا ما سقط فيه أبشالوم بن داود عندما هرب داود من أمام وجهه، إذ أطاع مشورة أخيتوفل: "فنصبوا لأبشالوم الخيمة على السطح ودخل أبشالوم إلى سراري أبيه أمام جميع إسرائيل" (2صم 16: 22) فإن شاول أراد أن يؤكد بأسلوب غير مهذَّب لابنه يوناثان أنه طالما داود على قيد الحياة فإن مملكته لن تثبت، بل أن حياته وحياة أسرته ستكون في خطر وخزي عظيم. أما يوناثان ابن الملك فقد أحب الراعي محبة كاملة مخلصة.
3- الذي نطق بهذه الكلمات ليس هو الله، بل شاول الملك الشرير، وكون الكتاب المقدَّس يذكر قوله هنا، فإن هذا لا يُعيب الكتاب المقدَّس، الذي يذكر الحدث كما حدث بدون تجميل، وعندما ذكر الكتاب هذه الأحداث وتلك الأقوال لم يذكرها لنتمثل بها، إنما ذكرها لكيما نتعلم ونتعظ من أخطاء الغير.
4- يقول " القمص تادرس يعقوب": "ولم يجد شاول ما يرد به على يوناثان في دفاعه عن داود إنما عوض الرد صوب الرمح لقتله. هذا هو روح الشر الذي يضطهد الحق ومن ينطق به مستخدمًا العنف والسلطة الزمنية. فعندما عجز اليهود عن الكلام مع السيد المسيح " الحق " ذاته، رفعوا حجارة ليقتلوه (يو 8: 59) وأيضًا إذ لم يقدروا على مقاومة الحكمة والروح الذي كان يتكلم به إسطفانوس رجموه (أع 6: 9 - 15). لقد عكر الغضب عيني شاول فلم يجد ما يجاوب به ابنه إلاَّ تصويب الرمح لقتله مع السب والشتيمة بأقذر الألفاظ... وقال القديس أوغريس: {الغضب هو حركة جنون، من يقتنيه لنفسه يحيره ويجعل النفس مثل الوحوش}"(1).
_____
(1) تفسير سفر صموئيل الأول ص 145، 146.
الكتاب المقدس: بحث، تفاسير | القراءات اليومية | الأجبية | أسئلة | طقس | عقيدة | تاريخ | كتب | شخصيات | كنائس | أديرة | كلمات ترانيم | ميديا | صور | مواقع
https://st-takla.org/books/helmy-elkommos/biblical-criticism/1140.html
تقصير الرابط:
tak.la/p3dcnwn