ويقول " زينون كوسيدوفسكي": "أما قصة داود، كما ذكرنا مرارًا... نتاج لقصص شعبية تناقلتها الأجيال قرنًا بعد قرن، وقد ضم مؤلفوا التوراة تلك القصص إلى توراتهم غير آبهين أو غير ملاحظين التناقضات الموجودة فيها"(1).
ويقول " ليوتاكسل": "ولكن ما هذا الهراء بحق الجحيم؟ أداود الذي يقدمه المؤلف لنا راعيًا بسيطًا، كان في الوقت نفسه موسيقيًا معروفًا في طول البلاد وعرضها؟! أنه مجرد شاب صغير السن، أقرب إلى الغلام منه إلى الشباب، فكيف يمكن وصفه بالرجل الشجاع ورجل الحرب"(2).
ج: 1- أحيانًا يلتقي الإنسان بطفل في السادسة أو السابعة من عمره وعندما يتحدث معه يشعر أنه يتحدث إلى شخص كبير ناضج، وغالبًا ما يكون هذا الطفل قد أمضى طفولته بين الكبار الذين يعاملونه كرجل، وهكذا كان داود الشاب الأشقر حلو العينين كان أبوه وأخوته يعاملونه على أنه كامل السن، فلم يكن مُدلَّلًا، إنما كانوا يعتمدون عليه في رعاية الغنم، وكان داود قويًا شجاعًا فلم تُرهبه الحيوانات المتوحشة، فتصدى لأسد ودب وقتلهما، وحفظ أغنامه من تلك الحيوانات، ولشدة اتضاعه ربما لم يخبر أحد بهذه القصص العجيبة التي شعر فيها بقوة إلهيَّة توأزره وعناية إلهيَّة تحفظه، وقد أباح بذلك لشاول الملك وقت الضرورة، ليطمئنه أن الله الذي أنقذه من الأسد والدُب قادر أن ينقذه من يد جليات، ولا سيما أن شاول قال لداود: "لا تستطيع أن تذهب إلى هذا الفلسطيني لتحاربه لأنك غلام وهو رجل حرب منذ صباه. فقال داود لشاول كان عبدك يرعى لأبيه غنمًا فجاء أسد مع دُب وأخذ شاة من القطيع. فخرجت وراءه وقتلته وأنقذتها من فيه ولما قام عليَّ أمسكته من ذقنه وضربته فقتلته. قتل عبدك الأسد والدُب جميعًا... الرب الذي أنقذني من يد الأسد ومن يد الدُب هو ينقذني من يد هذا الفلسطيني" (1صم 17: 33-37).
2- إجادة داود للعزف أمر متوقع، ولاسيما أنه يمضي الساعات الطويلة منفردًا مع أغنامه، فهذا وقت مناسب تعلّم فيه داود الموسيقى وأجادها، وألف مزاميره وعزفها وشدا بها، وبعض مزاميره استوحاها من رعايته لغنمه، فراح يرنم: "الرب راعيَّ فلا يعوزني شيء. في مراعٍ خضر يربضني. إلى مياه الراحة يوردني" (مز 23).
3- الذي سجل هذه القصة رجل الله صموئيل النبي الإنسان القديس، فمن المستحيل أن يأخذ من القصص الشعبية ويلصقها بداود، كما أن إيماننا بروح الله القدوس الذي يعصم كاتب الأسفار المقدَّسة من أي خطأ أو شائبة، فهذا ينأى بنا بعيدًا للشك في كلمات الوحي المنزَّه عن أي تناقض، ومنذ القديم وهم يستخدمون الموسيقى لعلاج المصاب بالأرواح الشريرة، وقد نجح داود نجاحًا باهرًا في تهدئة شاول من نوباته ليس لأنه يجيد الموسيقى فقط، بل بالأكثر لأنه يعزف مزاميره، وصرخاته لله لا يمكن أن يحتملها هذا الروح الرديء، إنما كان على الفور يهرب، فيهدأ شاول ويعود إلى رشده واتزانه.
_____
(1) ترجمة د. محمد مخلوف - الأسطورة والحقيقة في القصص التوراتية ص 283.
(2) التوراة كتاب مقدَّس أم جمع من الأساطير ص 299.
الكتاب المقدس: بحث، تفاسير | القراءات اليومية | الأجبية | أسئلة | طقس | عقيدة | تاريخ | كتب | شخصيات | كنائس | أديرة | كلمات ترانيم | ميديا | صور | مواقع
https://st-takla.org/books/helmy-elkommos/biblical-criticism/1125.html
تقصير الرابط:
tak.la/b9rrk2n