يقول " علاء أبو بكر": "لا يعجب الرب أن يتمرد بني إسرائيل على أنبيائه الظالمين المرتشين! لماذا إذًا؟ ما حكمة هذا الإله في الإبقاء عليهم، على الرغم من أنه ليس هو الذي عينهم بل أبوهم صموئيل... ياله من إله يخنع ويخضع لإرادة من خلقهم ويملك أرواحهم بيديه! وياله من شعب يملك إلهه ويملئ عليه إرادته!"(1).
ج: 1- نظرت بعض الشعوب القديمة للملك على أنه ابن الإله، ففرعون مصر هو ابن الإله " رع " إله الشمس، وهو يحكم باسم الإله، بينما البابليون: "رأوا في الملك عطية من الله نزل إليهم من السماء بعد الطوفان، بعد أن كاد كل شيء يعود إلى العدم. كان الملك عونًا للبشر في الأعمال الشاقة المُلقاة عليهم بعد ثورة الآلهة الدنيا على إله الكون"(2).. " وينال الملك من الإله إمكانات سامية من الحكمة والفهم... وتقول فينيقية ومصر وبلاد الرافدين أن الإلاهات ترضعنَ الملك من حليبهن. ويقولون مرارًا أن الملك هو " ابن " الإله"(3)، وفي إسرائيل نظروا للملك على أنه الرجل الحكيم العالِم التقي حتى أن كلماته تقترب من كلمات الوحي، فقالت المرأة التقوعية لداود: "وسيدي حكيم كحكمة ملاك الله ليعلم كل ما في الأرض" (2صم 14: 20).. " في شفتي الملك كلام وحي" (أم 16: 10) ومع كل هذا فإن تلك الشعوب المقهورة قد عرفت مساوئ الملوك وتعرضت لظلمهم وبطشهم، فلم يكن الملوك على مر التاريخ صالحون، إنما كانوا بالأكثر أشرار أذاقوا شعوبهم المرارة، فمنذ فجر تاريح الملوك والإنسان يعرف مساوئ الملوك وقساوتهم وتشبثهم بالسلطة، فيعتدون على من يُهدد سلطتهم ويحرمونه حق الحياة، حتى لو كان هذا مجرد تصوُّرهم الخاطئ ولا يمت للحقيقة بصلة، فمن هذا المنطلق أمر فرعون بقتل كل أطفال بني إسرائيل الذكور، وذاق الشعب الأمرين من قسوة فرعون وتسلُّطه، ولم يكن الأمر محتاجًا أن ينتظر بنو إسرائيل مئات السنين لحين عودتهم من السبي ليتبينوا مساوئ الملكية. ويقول " أ. م رينويك " A. M. Renwick: "أما الرأي القائل بأن صموئيل لم يكتب الجزء الوارد في (1صم 8: 11 - 22) بل كتبه واحد بعد السبي، فهذا رأي مُضحك لأن العالم القديم كان مليئًا بالشرور المشروحة في هذه الآيات. وشريعة الله وحدها هي التي بيَّنت لنا الطريق لتجنبها، أما إسرائيل فقد حاد عن الشريعة"(4).
2- ما كُتب عن مساوئ الملوك لم يكتبه كاتب السفر من عندياته، إنما هذا ما قاله الله لصموئيل، فالله العالِم بكل الأمور، والمستقبل عنده مكشوف كالماضي تمامًا، هو الذي أخبر صموئيل بهذه المساوئ، وهل يظن الناقد أن الله كان في حاجة أن يُبصر تلك المساوئ التي ستحل ببني إسرائيل ثم يخبرهم بها..؟! أليس هذا إستخفاف بالعقول..؟!! ما جاء في (1صم 8: 11 - 18) عن مساوئ الملوك هو بالحقيقة كلام الله لصموئيل وليس كلام صموئيل، أما الناقد فيخلط الحابل بالنابل بهدف واحد وهو نقض الكتاب المقدَّس.
3- خلق الله الإنسان حُرًّا مريدًا عاقلًا، يختار ما يشاء ويتحمل نتيجة اختياره، فالله يحترم إرادة الله وحريته، فلا يقمعه ولا يفرض عليه فكر معين ولا تصرف معين، كما ذكرنا أيضًا هنا في موقع الأنبا تكلا هيمانوت في أقسام أخرى. وهذا يتمشى تمامًا مع عدل الله وفكرة الثواب والعقاب إذ كيف يحاكم الله الإنسان المسلوب الإرادة ..؟! فالرب قد حذرهم من مساوئ الملوك، ومع هذا أصروا على طلبهم ملك أرضي " فأبى الشعب أن يسمعوا لصوت صموئيل وقالوا لا بل يكون علينا ملك... فسمع صموئيل كل كلام الشعب وتكلَّم به في أذني الرب. فقال الرب لصموئيل إسمع لصوتهم ومّلك عليهم ملكًا" (1صم 8: 19 - 22).. أنه الله الذي يُقدّس حرية الإنسان في الاختيار، ولا يتعدى عليها حتى لا يصير الإنسان مثل الحيوان الأعجم مسلوب الإرادة عندما يُقاد دون أن يدري ولو إلى الذبح، فالله لم ولن يتعامل مع شعبه كما يتعامل الإنسان مع الحيوان، إنما يقود قطيعه الناطق الحر المستنير إلى المراعي الخضراء وحصن الأمان وهو يتمتع بكامل حريته وإرادته.
4- يقول الناقد أن الرب لم يعجبه تمرد بني إسرائيل ضد أنبيائه الظالمين المرتشين وهو يقصد بهم ابني صموئيل، ومن قال أن هؤلاء كانوا أنبياء..؟! لم يكن ابني صموئيل نبيين بل حاولا أن يكونا إمتدادًا لسلطة أبيهما في القضاء، وفشلا في هذا وقبلا الرشوة وعوَّجا القضاء ولم يرض الله عنهما لأنه هو القائل: "لا تأخذ رشوةً لأن الرشوة تُعمي المُبصرين وتعوج كلام الأبرار" (خر 23: 8) بل لعن من يأخذ رشوة: "ملعون من يأخذ رشوة لكي يقتل نفس دمٍ برئ" (تث 27: 25).. لم يعترض الله قط على اعتراض الشعب على ابني صموئيل، إنما كان اعتراضه على طلب الشعب ملكًا في وقت غير مناسب.
5- يتساءل الناقد: ما هي حكمة الله في الإبقاء على ابني صموئيل المرتشين مع أنه لم يعينهم بل الذي عينهم هو أبوهم صموئيل..؟ وهذا كلام يفتقر كثيرًا للحجة والدليل الكتابي، فلا يوجد أي نص يُشتم منه من قريب أو بعيد أن الله شاء أن يبقي على ابني صموئيل في عملهما رغم فسادهما، ولم يطالب الله شعبه بقبول أحكام هذين الابنين الفاسدين. إلهنا الحي لا يخنع ولا يخضع لإرادة من خلقهم من الأشرار المخالفين للشريعة، ولكن الله يستمع لطلبة الصارخين إليه متى كانت طلبتهم توافق مشيئته أو سماحه، ولا أحد يستطيع أن يملئ إرادته عليه، فإلهنا ليس ألعوبة في يد أي كائن مهما كان.
_____
(1) البهريز في الكلام اللي يغيظ س388 ص 271.
(2) الخوري بولس الفغالي - تعرَّف إلى العهد القديم مع الآباء والأنبياء ص 308.
(3) المرجع السابق ص 309، 310.
(4) مركز المطبوعات المسيحية - تفسير الكتاب المقدَّس جـ 2 ص 158.
الكتاب المقدس: بحث، تفاسير | القراءات اليومية | الأجبية | أسئلة | طقس | عقيدة | تاريخ | كتب | شخصيات | كنائس | أديرة | كلمات ترانيم | ميديا | صور | مواقع
https://st-takla.org/books/helmy-elkommos/biblical-criticism/1098.html
تقصير الرابط:
tak.la/s5bfdjm