ويقول " علاء أبو بكر": "ليس من المنطق أن الشعب الذي يرفض حكم الله أن يقبل حكم أنبيائه، إذ كيف يرفضون الله راسل الأنبياء ومُعيّن القضاة ويقبلوا صموئيل الذي عينه الرب نبيًا وقاضيًا؟. وإن لم يسمعوا لصوت الرب وحكمه، فكيف يسمعون لصوت نبيه؟ إن هذا لا يتم إلاَّ إذا كان هذا النبي فاسق كافر يمثل حكم الشيطان، فهل أراد الله أن يحقق لهم هذا الطلب الشيطاني؟"(1)
ج: ماذا يظن الناقد في الله..؟ هل يظن أن الله إنسانًا له ضعفاته وشهواته..؟ الله كامل كمال مُطلّق منزَّه عن أي ضعف أو سهو، فمن المستحيل أن الله الذي ربى صموئيل ونشَّأه في مخافته أن يستخف بعقله أو يكذب عليه، ولكن أخبره بالحقيقة، وهذه الحقيقة تشمل الآتي:
1- أن الشعب لم يرفض صموئيل النبي إنما كان ينظر إليه نظرة تقدير حتى شيخوخته: "فأجتمع كل شيوخ إسرائيل وجاءوا إلى صموئيل إلى الرامة Rama. وقالوا له هوذا أنت قد شخت وإبناك لم يسيرا في طريقك" (1صم 8: 4) فلم يذمُّوه بكلمة رديئة، ولم يُظهروا رفضهم أو عدم رضائهم عنه، وإن كان لهم ملاحظاتهم على إبنيه لكنهم لم يوجهوا لشخصه كلمة ذم.
2- أن الشعب تطلع إلى وجود ملك يملك عليهم كبقية الشعوب، ويوحّدهم ويدافع عنهم، وأغفلوا أن الله هو الملك غير المنظور القائم في وسطهم، يرعاهم ويحيط بهم ويحميهم ويحارب حروبهم، فبطلبهم ملكًا أرضيًا يعد هذا خيانة، ورفض لمُلك الله عليهم، وهذا ما أوضحه الله لصموئيل " فقال الرب لصموئيل أسمع لصوت الشعب في كل ما يقولون لك. لأنهم لم يرفضوك أنت بل إياي رفضوا حتى لا أملك عليهم" (1صم 8: 7).
3- يربط الناقد بين حكم الله وحكم صموئيل، ويقول أن صموئيل هو نبي الله، فمن يرفض حكم الله فلابد أن يرفض حكم صموئيل، وهذا فعلًا أمر منطقي، ولكن القضية لم تكن هكذا، إنما القضية تتلخص في الآتي:
أ - أن صموئيل كان قاضيًا وقد شاخ حتى أصبح من العسير عليه مزاولة أعماله كما يجب، ومع هذا فالشعب لم يرفض أحكامه.
ب - أن الشعب طلب من صموئيل أن يقيم لهم ملكًا يحمل عبء المسئولية عنه بسبب شيخوخته وإعوجاح إبنيه.
ج - تأثر صموئيل وصُدم من طلب الشعب لأن صموئيل يعلم أن الله هو الملك غير المنظور لشعبه.
د - سأل الله صموئيل: لماذا أنت متألم..؟ هل رفضوك أنت..؟ كلاَّ... أنهم طلبوا ملكًا منظورًا يوحّدهم ويدافع عنهم... لماذا..؟ لأن ثقتهم فيَّ قد اهتزت وإيمانهم بي صار عاجزًا... إذًا الرفض يا صموئيل موجه لي وليس لك وهذا الأمر ليس جديدًا عليهم، فمنذ أخرجتهم من أرض مصر وهم لا يكفون عن اللهث وراء آلهة أخرى غريبة فلا يسوء الأمر في عينيك.
وهكذا كانت القضية في عناصرها الرئيسية وليس كما صوَّرها الناقد.
4- يقول " القمص تادرس يعقوب": "لقد حسب صموئيل النبي ذلك الطلب رفضًا لعمله القضائي، وحسب الرب ذلك رفضًا له هو شخصيًا كملك على شعبه... ما أعظم حكمة صموئيل، فأنه كرجل صلاة لم يثر عليهم ولا وبخهم بل طلب أولًا مشورة الله وإرشاده، وقد وهبه الله راحة أن الشعب لم يرفض صموئيل بل رفض الرب نفسه. والعجيب أن الله يطلب من صموئيل: "إسمع لصوت الشعب في كل ما يقولون لك " أنه يُقدّس الحرية الإنسانية... إن كان الرب قد استجاب طلبتهم، إلاَّ أنه أوضح لهم حقيقتين:
الحقيقة الأولى: أن كل رفض لرجاله هو رفض له، إذ يقول: "لأنهم لم يرفضوك أنت بل إياي رفضوا" (1صم 8: 7)..
الحقيقة الثانية: إن اختيارهم للنظام الملكي لم يكن لصالحهم، موضحًا لهم ما سيصيبهم من ظلم الملوك وإستغلالهم لكل إمكانياتهم"(2).
_____
(1) البهريز جـ 1 س386.
(2) تفسير سفر صموئيل الأول ص 67، 68.
الكتاب المقدس: بحث، تفاسير | القراءات اليومية | الأجبية | أسئلة | طقس | عقيدة | تاريخ | كتب | شخصيات | كنائس | أديرة | كلمات ترانيم | ميديا | صور | مواقع
https://st-takla.org/books/helmy-elkommos/biblical-criticism/1097.html
تقصير الرابط:
tak.la/wrhcy2m