St-Takla.org  >   books  >   helmy-elkommos  >   biblical-criticism
 

مكتبة الكتب المسيحية | كتب قبطية | المكتبة القبطية الأرثوذكسية

كتاب النقد الكتابي: مدارس النقد والتشكيك والرد عليها (العهد القديم من الكتاب المقدس) - أ. حلمي القمص يعقوب

1089- كيف يقتل إله إسرائيل سكان بيت شمس بهذه القسوة؟ وأين الرحمة الإلهية "الرب حنان ورحيم طويل الروح وكثير الرحمة" (مز 145: 8)؟ أم أن هؤلاء القتلى سقطوا نتيجة حرب نشبت مع الفلسطينيين أو حرب أهلية؟

 

يقول " ليوتاكسل": "فقد مضى وقت طويل لم يبدْ هذا السفاح فيه أحدًا من شعبه الحبيب، ولكن كيف يستطيع أن يعلن عن عودته إلى "حضن إسرائيل" بطريقة أفضل من ارتكاب مجزرة..؟ أن يهوه لا يحب المزاح، ولا يطيق أي فضول تجاه شخصه، ألم يكن قد أعلن مرارًا وتكرارًا أن من يرى وجهه موتًا يموت، إلاَّ في بعض الأحوال النادرة؟ ألم يكن أهل بيت شمس على علم مسبَّق بهذا؟ إذًا ما معنى سلوكهم الأحمق بفتحهم الصندوق لينظروا ما في داخله؟. يبدو أن الفلسطينيين كانوا أكثر رحمة وورعًا عندما لم يرفعوا الغطاء " المقدَّس " ولذلك اكتفى يهوه بضرب شروجهم بالبواسير.."(1).

ويقول " زينون كوسيدوفسكي": "ففي بيت شمس قتل يهوه خمسين ألفًا وسبعين إسرائيليًا عقابًا لهم لأن بعضهم تجرأ ونظر إلى داخل تابوت الرب.. لقد بحث العلماء طويلًا عن تفسير لتلك الواقعة الغامضة، فبعضهم يفترض أن الإسرائيليين قد سرقوا تابوت الرب من معبد داجون، فطاردهم الفلسطينيون ولحقوا بهم عند بيت شمس، حيث وقعت معركة طاحنة قُتل فيها العدد المذكور في النص التوراتي. أما التابوت فقد استطاع الإسرائيليون تهريبه وإخفاءه في قرية يعاريم. لكن لهذه الفرضية نقطة ضعف، إذ يطرح نفسه سؤال مُلح: لماذا صوَّر مؤلفو التوراة الإسرائيليين الذين استشهدوا دفاعًا عن التابوت، مجرمين وكفرة وخالفوا تعاليم يهوه فعوقبوا على ذلك؟ هناك فرضية أخرى تقول: أن تابوت الرب لم يقع في أيدي الفلسطينيين.. جريمة قتل سكان بيت شمس، فكان انتقامًا من جانب قبائل إسرائيلية أخرى، لأن أهل بيت شمس لم يشاركوا في الحرب ضد الفلسطينيين"(2).

St-Takla.org                     Divider of Saint TaklaHaymanot's website فاصل - موقع الأنبا تكلاهيمانوت

ج: 1- عندما كان الرب مزمعًا أن يحل على جبل سيناء أوصى موسى قائلًا: "وتقيم للشعب حدودًا من كل ناحية قائلًا احترزوا من أن تصعدوا إلى الجبل أو تمسُّوا طرفه. كل من يمس الجبل يُقتل قتلًا" (خر 19: 12) ولم يكتفِ الرب بهذا التحذير، بل دعى موسى فصعد إلى رأس الجبل " فقال الرب لموسى انحدر حذر الشعب لئلا يقتحموا إلى الرب لينظروا. فيسقط منهم كثيرون" (خر 19: 21).

 

2- العدل الإلهي لا يهادن التطاول على المقدَّسات، فعندما قدم ناداب وأبيهو الكاهنين ابني هرون رئيس الكهنة بخورًا واستخدما نارًا غريبة.. ماذا حدث..؟ " فخرجت نار من عند الرب وأكلتهما فماتا أمام الرب" (لا 10: 2) وفيما بعد حدث عند نقل التابوت " مدَّ عُزَّة يده إلى تابوت الرب وأمسكه لأن الثيران أنشمصت. فحمى غضب الرب على عُزَّة وضربه الله هناك لأجل غَفَلِه فمات هناك لدى تابوت الله" (2صم 6: 6، 7).

 

3- كان تابوت العهد يعبر عن الحضرة الإلهيَّة، لذلك كان يليق به كل الإكرام والاحترام والتبجيل، ولذلك أوصى الله موسى قائلًا: "تقيم مسكن خيمة الاجتماع. وتضع فيه تابوت الشهادة. وتستر التابوت بالحجاب" (خر 40: 3) ولم يكن مسموحًا بالدخول إلى قدس الأقداس إلاَّ لرئيس الكهنة مرة واحدة في عيد الكفارة العظيم " وقال الربُّ لموسى كلم هرون أخاك أن لا يدخل في كل وقت إلى القدس داخل الحجاب أمام الغطاء الذي على التابوت لئلا يموت" (لا 16: 2) وعندما يدخل " يأخذ ملء المجمرة جمر نار.. ويجعل البخور على النار أمام الرب فتغشى سحابة البخور الغطاء الذي على الشهادة فلا يموت. ثم يأخذ من دم الثور وينضح بأصبعه على وجه الغطاء إلى الشرق. وقدام الغطاء ينضح سبعة مرات من الدم بإصبعه" (لا 13: 13، 14) وأي خطأ في الطقس كان يعرض رئيس الكهنة للموت. بل أن الكهنة يغتسلون من ماء المرحضة قبل دخول خيمة الاجتماع لئلا يموتوا: "فيغسل هرون وبنوه أيديهم وأرجلهم منها. عند دخولهم إلى خيمة الاجتماع يغسلون بماء لئلا يموتوا. أو عند اقترابهم إلى المذبح.. يغسلون أيديهم وأرجلهم لئلا يموتوا" (خر 30: 19 - 21) وحذر عشائر القهاتيين اللاويين " لا يدخلوا ليروا القدس لحظة لئلا يموتوا" (عد 4: 20) وحذر هرون وبنيه من الكهنة مع اللاويين: "وقال الرب لهرون أنت وبنوك وبيت أبيك معك تحملون ذنب المقدس.. وأيضًا أخوتكم سبط لاوي.. فيحفظون حراستك وحراسة الخيمة كلها ولكن إلى أمتعة القدس وإلى المذبح لا يقتربون لئلا يموتوا هم وأنتم جميعًا" (عد 18: 1 - 3).

St-Takla.org Image: The rod of Aaron was budded (Numbers 17) - Unknown illustrator صورة في موقع الأنبا تكلا: عصا هارون التي أفرخت (العدد 17) - لفنان غير معروف

St-Takla.org Image: The rod of Aaron was budded (Numbers 17) - Unknown illustrator

صورة في موقع الأنبا تكلا: عصا هارون التي أفرخت (العدد 17) - لفنان غير معروف

كما أوصى الله عند الارتحال " يأتي هرون وبنوه عند ارتحال المحلَّة وينزّلون حجاب السجف ويغطُّون به تابوت الشهادة ويجعلون عليه غطاء من جلد تُخس ويبسطون من فوق ثوبًا كله أسمانجوني ويضعون عُصيَّة.. ومتى فرغ هرون وبنوه من تغطية القدس وجميع أمتعة القدس عند ارتحال المحلَّة يأتي بعد ذلك بنو قهات للحمل ولكن لا يمسُّوا القدس لئلا يموتوا" (عد 4: 5، 6، 15) وعقب حادثة عصا هرون التي أفرخت، أرتعب بنو إسرائيل: "فكلَّم بنو إسرائيل موسى قائلين أننا فنينا وهلكنا.. كلُّ من أقترب من مسكن الرب يموت. أما فنينا تمامًا" (عد 17: 12، 13).. وأوصى الرب أن اللاويين يحرسون القدس ولا يمسون أمتعته " وقال الرب لهرون أنت وبنوك وبيت أبيك معك تحملون ذنب المقدس.. وأيضًا أخوتك سبط لاوي سبط أبيك قرّبهم معك.. فيحفظون حراستك وحراسة الخيمة كلها ولكن إلى أمتعة القدس وإلى المذبح لا يقتربون لئلا يموتوا هم وأنتم جميعًا" (عد 18: 1 - 3). وكانت الوصية واضحة وحاسمة وصريحة: "ولا يدخلوا ليروا القدس لحظة لئلا يموتوا" (عد 4: 20) فرؤية القدس للحظة تساوي الموت المؤكد، ولا أحد يستطيع أن يقترب إلى قدس الأقداس حيث تابوت العهد رمز العدل الإلهي باستثناء رئيس الكهنة الذي يدخله مرة واحدة في عيد الكفارة بدم الذبيحة (عب 9: 7) ولذلك عندما حمل حفنى وفينحاس تابوت العهد إلى ساحة الحرب بدون استشارة الرب كانت خطيتهم عظيمة، فحلت عليهم اللعنة والموت، حتى قُتل منهم ثلاثون ألف رجل، وتخلت نعمة الله عنهم، ورحل عنهم التابوت إلى حين، وعندما عاد أدَّبهم على هذه الجرأة وتلك الجسارة التي طالت المقدَّسات فقُتل منهم خمسون ألفًا، فليس لدى الله محاباة، وكما أدب الفلسطينيين أدب أيضًا بني إسرائيل الذين عندما رأوا التابوت لم يخروا ويسجدوا بروح التوبة والخشوع، إنما اشرأبت أعناقهم متدافعين نحوه بلا روية ولا رهبة ولا خشية، لامسين إياه، بل نازعين الأغطية من عليه، بل رافعين غطاءه، مُحدِقين ما بداخله.

 

4- عندما سمعت المدن والقرى المجاورة بعودة تابوت العهد بمفرده محمولًا على عجلة تقودها بقرتان مرضعتان تجأران، تقاطرت الجماهير من كل حدب وصوب لتعاين تابوت الرب، كما ذكرنا أيضًا هنا في موقع الأنبا تكلا هيمانوت في أقسام أخرى.. أسرعت وهي لم تنزع خطاياها عنها، بل وتجرأ البعض وفتح غطاء الصندوق، وهذا واضح في الترجمة اليسوعية: "وضرب الرب أهل بيت شمس لأنهم نظروا إلى ما في تابوت الرب" (1صم 6: 19) وهذا ما نهى عنه الله تمامًا، حتى لو كانت نيتهم حسنة وقد فتحوا التابوت ليطمئنوا على محتوياته، فأن هذا لا يبرّرهم أمام العدل الإلهي.

 

5- رغم أن الله ميَّز موسى النبي عن سائر البشر، حتى أنه كان يكلمه وجهًا لوجه " ويكلم الرب موسى وجهًا لوجه كما يكلم الرجل صاحبه" (خر 33: 11) لكن مِن جهة اللاهوت مَنْ يستطيع أن يطلع عليه؟! وإن كان الإنسان يعجز عن التحديق في قرص الشمس وقت الظهيرة، فكم وكم بخالق الشمس وجميع الأجرام السماوية ؟! ولذلك عندما تجرأ موسى: "فقال أرني مجدك" (خر 33: 18) قال له الله: "لا تقدر أن ترى وجهي. لأن الإنسان لا يراني ويعيش" (خر 13: 20).

 

6- لم يقتل الله سكان بيت شمس من قبيل القسوة والبطش، ولكن ليكونوا عبرة لكل الشعب حتى لا يسقط هذا الشعب العنيد في الاستهانة بالمقدَّسات الإلهيَّة فيحل عليهم الغضب الإلهي.. كان على هذا الشعب أن يتعلَّم أن الإنسان لا يستطيع أن يقترب من العدل الإلهي بدون دم الذبيحة، فعندما خرجت نار وقتلت ابني هرون.. ماذا قال موسى..؟ " فقال موسى لهرون هذا ما تكلم به الرب قائلًا في القريبين منى أتقدَّس وأمام جميع الشعب أتمجد. فصمت هرون" (لا 10: 3) وهذا ما فاه به أهل بيتشمس بعد أن حلَّت بهم تلك الضربة العظيمة: "وقال أهل بيتشمس من يقدر أن يقف أمام الرب الإله القدوس هذا" (1صم 6: 20).

وجاء في " التفسير التطبيقي": "لماذا قُتل الناس عندما نظروا إلى ما بداخل التابوت؟ لقد جعل بنو إسرائيل من التابوت صنمًا، لقد حاولوا تسخيرّ قوة الله لأغراضهم الذاتية (النصرة في المعركة) ولكن رب الكون لا يمكن أن يسيطر عليه بشر، ولحماية بني إسرائيل من قوته، حذرهم من مجرد النظر إلى الأشياء المقدَّسة في القدس لئلا يموتوا (عد 4: 20) وبسبب عصيانهم نفذ الله حكمه المعهود، لم يكن الله ليسمح للشعب أن يظنوا أنهم يستطيعون استغلال قوته لأغراضهم الذاتية، لم يكن ليسمح لهم بتجاهل تحذيراته، وأن يقتربوا إليه باستخفاف، لم يكن يريد أن تبدأ سلسلة الاستهانة والعصيان ثم الهزيمة مرة أخرى. ولم يقتل الله رجال بيت شمس من قبيل القسوة، ولكنه قتلهم لأن التغاضي عن خطيتهم الجريئة يدفع بكل الأمة إلى الاستهانة بالله"(3).

 

7- تصوّير البعض أن بني إسرائيل غامروا واقتحموا أرض الفلسطينيين وسرقوا تابوت العهد، وعندما أُكتشف أمرهم دارت معركة طاحنة راح ضحيتها كل هذا العدد بينما نجح بنو إسرائيل في تهريب التابوت إلى يعاريم، هذا قول لا يسنده أي دليل كتابي من قريب أو بعيد، فهو مجرد تصوُّر بشري ومحاولة عقلية لتفسير أمر مستعصي على العقل البشري، ولكن أحكام الله غير أحكام الإنسان " ما أبعد أحكامه عن الفحص وطرقه عن الاستقصاء" (رو 11: 32) كما أن القول بأن بني إسرائيل انتقموا من أهل بيتشمس لأنهم لم يشاركوهم الحرب ضد الفلسطينيين، قول مردود عليه لأن بني إسرائيل لحقتهم الهزيمة فهم ليسوا في وضع يسمح لهم بخوض حرب ضد أهل بيتشمس، وحتى لو كانت هذه نيتهم، فلماذا توانوا عن هذه الحرب سبعة أشهر، وتذكروا هذا في وقت عودة التابوت وقت الفرح: "وكان أهل بيتشمس يحصدون حصاد الحنطة في الوادي. فرفعوا أعينهم ورأوا التابوت وفرحوا برؤيته" (1صم 6: 13).

_____

الحواشي والمراجع لهذه الصفحة هنا في موقع الأنبا تكلاهيمانوت:

(1) التوراة كتاب مقدَّس أم جمع من الأساطير ص 274.

(2) ترجمة د. محمد مخلوف - الأسطورة والحقيقة في القصص التوراتية ص 276، 277.

(3) التفسير التطبيقي ص 570.


الكتاب المقدس: بحث، تفاسير | القراءات اليومية | الأجبية | أسئلة | طقس | عقيدة | تاريخ | كتب | شخصيات | كنائس | أديرة | كلمات ترانيم | ميديا | صور | مواقع

https://st-takla.org/books/helmy-elkommos/biblical-criticism/1089.html

تقصير الرابط:
tak.la/mtbzdy2