ويقول " ليوتاكسل": "هذا كله يقع بعد موت شمشون مباشرة أي عندما كان اليهود عبيدًا للفلسطينيين فكيف اجتمعت القبائل إذًا؟ وكيف سمح السادة لعبيدهم أن يجمعوا ذلك العدد الكبير من المسلحين..؟ كان يجب رفع الشكوى إلى الفلسطينيين أصحاب البلاد ليتخذوا الإجراء اللازم ضد مقترفي تلك الشناعة... إن الفلسطينيين لم يسمحوا بأن يكون عند اليهود حدَّادًا واحدًا، خوفًا من أن يصنعوا السيوف والرماح.."(1).
كما يقول " ليوتاكسل": "وأهلك بنو إسرائيل من بنيامين في ذلك اليوم خمسة وعشرين ألف ومائة... (قض 20: 34 - 36).. وفقد بنو بنيامين ثمانية عشر ألف رجل في ذلك الحصار (قض 20: 42 - 44) ثم اتجه الفارُّون إلى صخرة الرمون، وهناك أباد الإسرائيليون منهم خمسة آلاف أخرى كانوا قد أدركوهم في الطريق واستمرت مطاردة إسرائيل لبنيامين حتى جدعوم. فقتلوا منهم ألفان أخريان... غير أن ما يلفت النظر في هذه الرواية هو التشويش الذي يعاني ذهن " الروح القدس " منه، وقد يكون سبب ذلك كثرة الأرواح البشرية التي أبادها دفاعًا عن شرف عاهرة الكاهن الرسمية. فقد أفادنا لتوه بأن عدد المقاتلين عند بنيامين 26700 مقاتل، بمن فيهم مقاتلوا جبعة الأشداء، ولكن بعملية حسابية بسيطة تبين أن بنيامين خسر في تلك الحرب 50 ألف من مقاتليه. ونحن لا نجد تفسيرًا لهذا التناقض إلاَّ بأحد أمرين: إما أن يكون بنو بنيامين أنجبوا في أثناء العمليات القتالية فضاعفوا عدد مقاتليهم، ونكون عندئذ أمام " عجيبة " مثيرة حقًا، أو أن " الروح القدس " نسى قواعد الجمع الحسابي عندما كان يُلقِن هذا الاختلاق العجيب، وهذا يجعل من " العجيبة " أمرًا أكثر إثارة للعجب!"(2).
ويقول " دكتور محمد بيومي": "هل هذا الكلام يمكن أن يكون مُوحَى به من الله؟ وهل يصل التضارب والخلط والاضطراب في آيات الله إلى حد أن كل سفر يناقض ما قبله ويعارض ما بعده؟ ثم وهل تصل المبالغة في الوحي إلى هذا الحد. اللهم لا"(3).
ج: 1- هذه الحادثة لم تحدث عقب موت شمشون، وفي ظل الاستعباد الفلسطيني، إنما حدثت قبل هذا الزمن بوقت طويل، وفي وقت قريب بعد موت يشوع بن نون، وفي ظل حياة فينحاس بن اليعازار الكاهن، والدليل القاطع على هذا أن خيمة الاجتماع وتابوت العهد كانا مازالا في " بيت إيل " لم ينتقلا بعد إلى " شيلون"، ولذلك قال الكتاب " فقاموا وصعدوا إلى بيت إيل وسألوا الله" (قض 20: 18) وأيضًا " فصعد جميع بني إسرائيل وكل الشعب وجاءوا إلى بيت إيل... وأصعدوا محرقات وذبائح سلامة أمام الرب... وسأل بنو إسرائيل الرب. وهناك تابوت عهد الله في تلك الأيام" (قض 20: 26، 27) وخلال هذه الفترة كان بنو إسرائيل قد انتهوا من الحروب التي قادها يشوع بن نون وهزموا ملوك كنعان الذي يتعدى عددهم الثلاثين، وقد استولوا على أسلحتهم.
2- الذي يعاين من تشويش الذهن ليس هو روح الله القدوس، إنما النُقَّاد الذين أعمى الشيطان أعين أذهانهم هم الذين تشوشت أذهانهم، فلم يدركوا الأمور السهلة التي يدركها الأطفال في بساطتهم، ففي وصف تفاصيل المعركة قال الكتاب " فحاوطوا بنيامين وطردوهم بسهولة وأدركوهم مقابل جبعة لجهة شروق الشمس. فسقط من بنيامين ثمانية عشر ألف رجل جميع هؤلاء ذو بأس. فداروا وهربوا إلى البرية إلى صخرة رمُّون. فالتقطوا منهم في السكك خمسة آلاف رجل وشدَّدوا وراءهم إلى جدعوم وقتلوا منهم ألفي رجل" (قض 20: 43 - 45).
فإجمالي العدد = 18000 + 5000 + 2000 = 25000.
وهذا ما أوضحه العدد التالي " وكان جميع الساقطين من بنيامين خمسة وعشرين ألف رجل مخترطي السيف" (قض 20: 46) وهذا العدد تقريبي مُقرَّب إلى الألف، وفي البداية حدد العدد بالضبط 25100 " وأهلك بنو إسرائيل من بنيامين في ذلك اليوم خمسة وعشرين ألف رجل ومئة رجل. كل هؤلاء مخترطوا السيف" (قض 20: 35).. إذًا لا بني بنيامين أنجبوا في وقت العمليات التي لم تستغرق إلاَّ أيامًا قليلة، ولا الروح القدس نسى قواعد الجمع الحسابي، ولكن على الناقد أعادة حساباته بأمانة وليكن حسن النية.
3- كلام الدكتور محمد بيومي كلام مُرسَل مُلقى على عواهنه، فبمنتهى البساطة يدَّعي أن كل سفر يناقض ما قبله ويعارض ما بعده، دون أن يذكر حججه على هذا أو ذاك، ودون أن يورد عشرات الأمثلة التي تؤيد وجهة نظره، بل بسهولة يعمم الأمر وهو لا يدرك حجم الاتهام، وربما لا يدرك عدد أسفار الكتاب المقدَّس التي تبلغ 73 سفرًا، ولا عدد إصحاحاته التي تتعدى الألف إصحاح، ولو صح اتهامه بأن أي سفر لا يتفق مع الآخر ولا إصحاح مع الأخر... إذًا أنت أمام مئات المتناقضات... فأين هي يا دكتور محمد..؟! لو تصفحت حضرتك الكتاب المقدَّس المشوهد فتجد على كلمات عديدة في الإصحاح حروف أبجدية يقابلها في الهامش نفس الحروف وأمام كل حرف الآيات العديدة التي تتوافق مع نفس هذه الكلمة أو تلك الآية أو ذاك الحدث، فموضوع ترابط الأسفار المقدَّسة بالعهدين القديم والجديد موضوع جميل ورائع لمن يطلع عليه ولا ينصت لكلام الجهل الرنانة... ولو كان هناك تناقض ما أسهل أننا كنا ندَّعي أن هناك بالكتاب ناسخ ومنسوخ ونتخلص من هذه المشكلات الوهمية، ولكننا نرفض الناسخ والمنسوخ لأن الله لا يغير كلماته ولا يبدلها ولا يغير أحكامه، إنما يستكملها إذ يسعى بالإنسان إلى قمم المجد، والتكميل غير النسخ، فعندما قال في القديم " لا تزن " ثم قال في العهد الجديد " من نظر إلى امرأة ليشتهيها فقد زنى بها في قلبه " فهو لم ينسخ الوصية القديمة، إنما كمَّلها. وعندما قال في القديم " لا تقتل " لم يناقض نفسه ويقول في العهد الجديد " أقتل " إنما كمَّل الوصية إذ قال " لا تغضب على أخيك باطلًا " وهلم جرا...
_____
(1) التوراة كتاب مقدَّس أم جمع من الأساطير ص 247، 248.
(2) التوراة كتاب مقدَّس أم جمع من الأساطير ص 250، 251.
(3) تاريخ الشرق الأدنى القويم - تاريخ اليهود ص 286.
الكتاب المقدس: بحث، تفاسير | القراءات اليومية | الأجبية | أسئلة | طقس | عقيدة | تاريخ | كتب | شخصيات | كنائس | أديرة | كلمات ترانيم | ميديا | صور | مواقع
https://st-takla.org/books/helmy-elkommos/biblical-criticism/1047.html
تقصير الرابط:
tak.la/3z28f3b