يقول " ليوتاكسل": "إننا لا نعجب من وقوف يهوه إلى جانب بنو بنيامين التي قامت تدافع عن رجال العهر والفسق، فهذا دأبه دائمًا، أنه يساعد المجرمين والمغتصبين واللصوص والقوادين وما شابه... ما يثير الشجن في نفوسنا هو ذلك العدد الكبير من القتلى اليهود الذين سقطوا بسيوف أخوتهم!!!"(1).
ويقول " دكتور محمد بيومي": "ولست أدري كيف استطاع البنيامنيون أن يقتلوا من إسرائيل في أول يوم من أيام القتال 22 ألف رجل رغم أن عدد محاربي أسباط الإسرائيليين جميعًا 400 ألف رجل، وأن عدد المحاربين من بنيامين 26 ألف رجل، والأدهى من ذلك كيف استطاع البنيامنيون في اليوم التالي أن يقتلوا من أخوتهم الإسرائيليين 18 ألف رجل، ثم ماذا فعل الإسرائيليون وعددهم 400 ألف بالبنيامينيون؟ ألم يقتلوا حتى واحدًا منهم أم أن التوراة صامتة عن ذلك تمامًا، بل كيف كان الآلاف الأربعمائة في حاجة إلى نجدة من عشرة آلاف؟ ولم تكن الـ26 ألف في حاجة إلى نجدة؟ إنني لا أجد تفسيرًا لذلك كله إلاَّ تفسير أستاذنا الدكتور نجيب ميخائيل، في أننا لن نستطيع على التحقيق أن نضيف إلى القصة أكثر من قولنا أنها اصطنعت لتضييع سبطًا من الأسباط، وتقضي عليه بالفناء، وعلى الأقل بالخروج من الدائرة الإسرائيلية، فكان نسله بعد ذلك مزيج من عناصر غير إسرائيلية"(2).
ج: 1- لم يكن هناك مبالغة في الأعداد، لأنه في التعداد الذي أجراه موسى بأمر إلهي " كان جميع المعدودين ست مئة ألف وثلاثة آلاف وخمس مئة وخمسين" (عد 1: 46) وبلا شك بعد دخول أرض الموعد قد تزايدت أعدادهم بصورة كبيرة، فليس أمرًا غريبًا أن يكون هناك أربعمائة ألف رجل في بني إسرائيل باستثناء سبط بنيامين.
2- في الجولة الأولى من حرب بني إسرائيل مع بنيامين سقط 22 ألف من بني إسرائيل، وهذا العدد الضخم الذي قتل من بني إسرائيل غالبًا بسبب كمين أو حدث مفاجئ من أهل بنيامين ولاسيما أن جبعة كانت تقبع على تل عالٍ، وقد اجتمع فيها كل رجال بنيامين، ومن بينهم 700 رجل أعسر يجيدون استخدام المقلاع، ولذلك تكبد بنو إسرائيل هذه الخسائر الضخمة دون أية خسائر تُذكر من جانب أهل بنيامين. وجاء في " كتاب التفسير الحديث": "كانت التضاريس الجبلية في المنطقة المجاورة لجبعة في صالح قوة مدافعة أكثر منها في صالح قوة مهاجمة وخاصة إذا كانت الأولى متخصصة في موقع متين... وفي مثل هذا الموقف لا يكون للتفوق العددي للمهاجمين إلاَّ قيمة محدودة نظرًا لأنه يكون من الصعب انتشارهم بكفاءة، ويمكن لمجموعة ثابتة العزم من الرجال المسلحين بالمقاليع أن يحدثوا خسائر ثقيلة في أي قوة تهاجمهم، وربما كان إدراك الخطر الذي يواجه طليعة الجيش هو السبب وراء السؤال الذي وجهوه للأوريم (من منا يصعد أولًا لمحاربة بنيامين) وكان اختيار سبط يهوذا لهذا العمل الكريه مبنيًا على أساس أن يهوذا كان سبطًا مشهورًا بكفاءته القتالية، كما أن منطقته كانت تشبه منطقة سبط بنيامين"(3).
وفي الجولة الثانية تشدد رجال إسرائيل معتمدين على كثرتهم العددية، فتكررت الهزيمة، وقُتل 18 ألف من بني إسرائيل، فلماذا حدث هذا؟ وكيف يسمح لهم الرب بالحرب ويحدد السبط الأول الذي سيبدأ المعركة وهو سبط يهوذا ثم تحدث الكسرة مرتين..؟ لا بُد أن الشر كان منتشرًا بين بني إسرائيل واستحقوا العقوبة، ولذلك سمح الله لهم بدخول الحرب، ولكنه لم يعدهم بالنصرة، بينما قبيل الجولة الثالثة عندما صاموا وصلوا وقدموا توبة وذبائح جاءهم الوعد الإلهي " فقال الرب أصعدوا لأني غدًا أدفعهم ليدك" (قض 20: 28).
وللقارئ الحصيف أن يراجع الاختلاف في المرات الثلاث:
المرة الأولى: 1- صعدوا إلى بيت إيل؛ 2- سألوا الرب.
المرة الثانية: 1- صعدوا إلى بيت إيل؛ 2- بكوا؛ 3- سألوا الرب.
المرة الثالثة: 1- صعدوا إلى بيت إيل؛ 2- بكوا؛ 3- جلسوا هناك أمام الرب؛ 4- صاموا إلى المساء؛ 5- أصعدوا محرقات وذبائح سلامة؛ 6- سألوا الرب.
ففي المرة الأولى أعدوا كل شيء ورتبوا كل الأمور بحسب فكرهم ثم سألوا الرب بشكل روتيني عادي والخطية كامنة فيهم وهبوا لمعاقبة أخيهم، وفي المرة الثانية بكوا إذ بدأوا يشعرون بأن هناك حرامًا بينهم، أما في المرة الثالثة فقد بكوا وجلسوا أمام الرب وصاموا وأصعدوا محرقات أي أنهم تنقوا من خطاياهم، ولم يفقدوا ثقتهم في إلههم بل أدركوا أن سبب هزيمتهم في المرتين الأولى والثانية راجع إلى خطاياهم وليس لقصر المعونة الإلهيَّة، وفي هذه المرة وضع إسرائيل كمينًا لمدينة جبعة من عشرة آلاف رجل، وعندما تظاهر بنو إسرائيل بالكسرة أمام بني بنيامين سعوا وراءهم فاقتحم الكمين جبعة وضربها بحد السيف وأشعل فيها النيران، فعلم بنو بنيامين أن الدائرة دارت عليهم وحاولوا الهرب ولكنهم سقطوا جميعًا بسيف إسرائيل، فقُتل منه 25100 رجل ولم ينجو سوى 600 رجل.
ولعل هذا الموقف يذكّرنا بموقف موسى رئيس الأنبياء إذ أرسله الله ليخلص شعبه من أرض مصر، وفي الطريق التقاه الرب وأراد أن يقتله لأنه لم يختن ابنه الصغير، وأدركت صفورة الموقف، وسريعًا ما ختنت ابنها، وَمَسَّت بالدم قدمي موسى، فأنفك عنه ونجا موسى، كما ذكرنا أيضًا هنا في موقع الأنبا تكلا هيمانوت في أقسام أخرى. فكون الله يكلف إنسانًا أو شعبًا بأداء مهمة مقدَّسة لا يعني هذا على الإطلاق التغاضي عن خطاياه.
وربما سمح الله بهزيمة إسرائيل مرتين، لأنه أعتمد على كثرته العددية الكاسحة، فأراد الله أن يعلمهم أن الحرب ليست بالكثرة، كما أراد أن يمنح بنيامين فرصة للتوبة، ولكن بنيامين انتشى بنصرته العظيمة واستمر في غيه وعناده إلى أن زحف عليه الهلاك والفناء.
3- يقول " القمص تادرس يعقوب": "لماذا انهزم بنو إسرائيل في المرتين الأولى والثانية مع أنهم سألوا الرب؟
أولًا: ربما لأن إسرائيل لم يستشر الرب من أعماق قلبه إنما مارس ذلك من قبيل الشكليات بعد أن أعدَّ نفسه للحرب وأخذ قراره {لا يذهب أحد منا إلى خيمته ولا يميل أحد إلى بيته} (ع 9) وألقوا القرعة ودبروا اختيار العشر منهم للحرب... وكأن سؤالهم للرب إنما هو عمل ثانوي تكميلي، فلا يحتل الله المركز الأول في حياتهم ولا يسألونه المشورة في انسحاق واتضاع وتسليم.
ثانيًا: كان سؤالهم في المرة الأولى {من يصعد لمحاربة بني بنيامين أخي؟} وكأنهم أخذوا القرار بمحاربة أخيهم وبقى أن يسألوه عمن يصعد للحرب، وكأن اللائق بهم أولًا أن يسألوا هل يصعدون أم لا؟ لعل الله كان يرشدهم إلى مشورة أخرى بها ينزع الفساد دون سفك كل هذه الدماء.
ثالثًا: في الدفعتين الأولى والثانية لم يقل لهم " إني أدفعهم ليدك " فسمح لهم بالحرب لكن لم يعدهم بالنصرة لأنه إن كان أهل جبعة قد صنعوا هذا الفساد المر، فإن الفساد كان قد دبَّ في الأسباط كلها، فكان لزامًا أن يتأدب إسرائيل أولًا حتى إذ يقدم توبة صادقة يعود الرب فيؤدب سبط بنيامين... بمعنى آخر لينقِ إسرائيل ما بالداخل حتى يقدر بالرب أن ينزع فساد الغير"(4).
_____
(1) المرجع السابق ص 249.
(2) تاريخ الشرق الأدنى القديم - تاريخ اليهود ص 286.
(3) التفسير الحديث للكتاب المقدَّس - القضاة وراعوث ص 201، 202.
(4) تفسير سفر القضاة ص 150، 151.
الكتاب المقدس: بحث، تفاسير | القراءات اليومية | الأجبية | أسئلة | طقس | عقيدة | تاريخ | كتب | شخصيات | كنائس | أديرة | كلمات ترانيم | ميديا | صور | مواقع
https://st-takla.org/books/helmy-elkommos/biblical-criticism/1046.html
تقصير الرابط:
tak.la/yvc6g35