ويقول " علاء أبو بكر"(1):
" فهل أمر الرب بذلك؟
وما الغرض التربوي الذي يهدف إليه الرب من مثل هذه القصص التي تعذب الحيوان؟
وهل يدخل هذا تحت باب محبة الـرب أم تحت باب انتقام الرب وعدم الرفق بالحيوان؟
وما رأي جمعيات الرفق بالحيوان في وجود هذه النصوص التي تعتبر أن تعذيب الحيوان مرضاة للرب..؟
وكيف أمسك إنسان 300 (ثلاث مئة) حيوان مفترس من أذيالهم وتركوه حتى ربطهم مع بعضهم البعض؟
ولو تم له ذلك فكيف أطلقهم بين زروع الفلسطينيين؟".
ج: 1- لم يذكر الكتاب قط أن الله أوصى شمشون بحرق الحيوانات والزروع، إنما كان هذا تصرف شخصي لشمشون الذي غضب لأنهم أخذوا زوجته وزوجوها لآخر وهو مازال مرتبطًا بها ولم يطلّقها، والهدف من ذكر القصة إظهار المآسي التي تترتب على الزواج من الوثنيات، فشمشون لم يجد راحة في هذا الزواج المختلط، ففي الأيام السبعة الأولى لم تكف زوجته عن البكاء، ثم أفشت سره لبني جنسها خوفًا من تهديداتهم، فغضب شمشون وهجرها، وكان الوقت في نهاية الصيف، ومع بداية حصاد الحنطة، أي بعد نحو ستة أشهر عاد إليها ومعه جدي لكيما يصالحها، فلم يجدها في انتظاره، إنما هجرته إلى رجل آخر، ففي القصة عبرة جميلة لمن يعصي الوصية التي نهت عن الاقتران بشعوب الأرض والتصاهر معهم.
2- نحن لا نعترف بعصمة الأنبياء، إلاَّ في حالة واحدة وهي حالة تسجيلهم لكلمة الله في الأسفار المقدَّسة، وباستثناء ذلك فأنهم في حياتهم الخاصة لهم أخطاءهم، لأنهم من نفس عجينة البشرية التي ورثت الخطية والفساد وأصبحت الخطية كامنة في هذه الطبيعة الساقطة كمون السم في جسم الثعبان.
3- لا يوجد نص على الإطلاق لا في هذه القصة ولا في غيرها يحض على حرق الحيوانات، إنما ما ذكره الكتاب هنا مجرد تصرف فردي شخصي خاطئ، ولم يقل الكتاب أن روح الله حلَّ على شمشون ففعل هكذا. بل أن الكتاب حوى نصوصًا واضحة وصريحة تحض على الرفق بالحيوان والطير، وقد أوصى بإراحة الحيوان يومًا في الأسبوع (خر 20: 10) كما أوصى بترك الأرض في السنة السابعة بلا زراعة من أجل حيوانات البرية قائلًا " ست سنين تزرع أرضك وتجمع غلتها. وأما في السابعة فتريحها وتتركها ليأكل فقراء شعبك وفضلتهم تأكلها وحوش البرية. كذلك تفعل بكرمك وزيتونك" (خر 13: 10، 11) وأوصى الكتاب قائلًا " لا تحرث على ثور وحمار معًا" (تث 22: 10) لأن قوة الثور تختلف عن قوة وسرعة الحمار. كما أوصى " لا تكُمَّ الثور في دراسهِ" (تث 25: 4) وأيضًا أوصى من جهة الطير، وربط الوصية بطول العمر فقال " وإذا اتفق قدامك عش طائر في الطريق في شجرة ما أو على الأرض فيه فراخ أو بيض والأم حاضنة الفراخ أو البيض فلا تأخذ الأم مع الأولاد. أطلق الأم وخذ لنفسك الأولاد لكي يكون لك خير وتطيل الأيام" (تث 22: 6، 7). أما عين الناقد فإنها تغفل كل هذا وتركز على تصرف شخصي خاطئ، فقد تصرف شمشون بهواه دون الرجوع إل إلهه.
4- ابن أوي هو حيوان أكبر من الثعلب وأصغر من الذئب، يعيش بقرب القبور في أسراب وجماعات ويأكل جثث الموتى، ودُعي بهذا الاسم لأنه يعوي بالليل، وعواءه أشبه بصياح الصبيان، ولم يذكر الكتاب أن شمشون قد اصطاد هذه الحيوانات الثلثمائة بمفرده، فربما ساعده بعض الأشخاص الذين لهم خبرة بالصيد، ونسب العمل إلى شمشون لأنه هو صاحب الفكرة " وذهب شمشون وأمسك ثلاث مئة ابن أوي" (قض 15: 4)، وقيل أن " يوليوس قيصر " جمع في روما 400 سبعًا، وأن " بومبيوس " جمع 600 أسدًا، ويقول " المطران يوسف الدبس": "ويخبرنا ميزلن في كتابه " الأماكن المقدَّسة"(2) أنه بينما كان في مكان قريب من المكان الذي ارتكب فيه شمشون هذه الحادثة سمع عواء عدد كبير من الثعالب فقال {لا أعلم إن كان ثمة ثلاث مئة ثعلب، لكنني موقن أنه لو وُجِد شمشون آخر وأراد أن يحرق زرع بلاد الفلسطينيين لصاد من هذا الوادي وحده ما كفى وناف على عدد الثعالب اللازم لحرقها}"(3).
وجاء في " كتاب السنن القويم": "ما يصعب الحصول على هذا العدد من بنات أوي لكثرتها في فلسطين وسورية في ذلك العصر، ولا تزال كثيرة فيها إلى هذا العصر، ولكن كانت فيها يومئذ أكثر من منها الآن... ولا ريب في أنه كان لشمشون رجال ساعدوه على ذلك ونُسب الفعل إليه لأنه هو رئيسهم. وابن أوي وحش ضار أكبر من الثعلب وأصغر من الذئب يكثر في بلاد المشرق وفي قرب المدن والقرى، ويقصد القبور لأكل جثث الموتى ويتبع الجيش لأكل جثث القتلى {يُدفعون إلى يدي السيف يكونون نصيبًا لبنات أوي}"(4).
5- ردًا على القائلين: كيف يحرق شمشون زراعات الفلسطينيين؟ نقول أن هذه العادة الذميمة كانت سائدة في تلك العصور، وقد وُجد في الآثار المصرية التي يرجع تاريخها على نحو ثمانية وعشرين، أو ثلاثين قرنًا قبل الميلاد ما ترجمته " ذهب الجنود بسلام فيقوّضون الحصون المنيعة. ذهب الجنود بسلام فيبيدون زيتون البلاد وكرومها. ذهب الجنود بسلام فيحرقون الزروع"(5).
وللأسف الشديد فإن هذه العادة الذميمة مازالت موجودة حتى الآن، وكثيرًا ما نسمع ونحن في القرن الواحد والعشرين عن حرق بيوت وزراعات المسيحيين بلا جريمة ولا ذنب ارتكبوه، سوى أنهم أرادوا إقامة مبنى يصلّون فيه، وأحيانًا بسبب شائعة كاذبة عن اعتداء شاب مسيحي على فتاة غير مسيحية، وما حدث في أماكن عديدة في أبي قرقاص وفرشوط وإمبابة وغيرهم الكثير والكثير، وتقاعس الأمن عن إنقاذ الموقف، وتقاعس الدولة عن تعويض المصابين وأسر الذين قتلوا وحُرقت بيوتهم ومزروعاتهم، أمر يندى له الجبين، سواء قبل ثورة 25 يناير 2011م أو بعدها.
6- رغم أن والدي زوجة شمشون هما اللذان زوجا ابنتهما زوجة شمشون لرجل آخر، فإن شمشون انتقم من الفلسطينيين وحرق مزروعاتهم، كما ذكرنا أيضًا هنا في موقع الأنبا تكلا هيمانوت في أقسام أخرى. ونفس الموقف تكرر مع الفلسطينيين، فبالرغم من أن شمشون هو الذي أحرق مزروعاتهم إلاَّ أنهم أحرقوا زوجة شمشون التي صارت لرجل آخر، بالرغم من أنها لم تعد على ذمة شمشون، أحرقوها مع أبيها وبيت أبيها، وهكذا كانت تختلط الأمور، ويختلط الحابل بالنابل. ويقول "الأرشيدياكون نجيب جرجس": "قد يسأل البعض: إذا كان والدا المرأة هما اللذان أساءا إليه، فما ذنب الفلسطينيين حتى ينتقم منهم؟ الواقع أن الفلسطينيين كانوا متواطئين مع أنسبائه ولا بُد أنه عرف ما يكنونه ضده من الكراهية والرغبة في التشفي منه، سواء في أمر الأحجية أو أخذ امرأته منه، وكان في إمكانهم أن يُعقّلوا والديَّ الفتاة حتى لا يزوجاها في غيابه، وفوق هذا كان الفلسطينيون من أشد الأعداء المسيئين إلى الشعب الإسرائيلي... قد حان الوقت المناسب لرد العدوان"(6).
_____
(1) البهريز جـ 1 س 179.
(2) طبعة 1858م مجلد 2 ص 156.
(3) تاريخ الشعوب المشرقية في الدين والسياسة والاجتماع جـ 2 ص 220.
(4) السنن القويم في تفسير أسفار العهد القديم ص 358.
(5) تاريخ الشعوب المشرقية في الدين والسياسة واجتماع جـ 2 ص 220.
(6) تفسير الكتاب المقدَّس - سفر القضاة ص 201.
الكتاب المقدس: بحث، تفاسير | القراءات اليومية | الأجبية | أسئلة | طقس | عقيدة | تاريخ | كتب | شخصيات | كنائس | أديرة | كلمات ترانيم | ميديا | صور | مواقع
https://st-takla.org/books/helmy-elkommos/biblical-criticism/1031.html
تقصير الرابط:
tak.la/n26n8nd