ج: 1- جاء المديانيون مع العمالقة ومع قبائل بدوية أخرى على جمالهم وانقضوا على أرض سبط منسى كالجراد فداست الجمال البساتين والحقول، ونهب الغزاة كل ما وقعت عليه أعينهم من طعام وأغنام ودواب. أما بنو إسرائيل العُزل فقد أسرعوا بالهرب إلى الكهوف والمغائر أعلى الجبال، وكان هذا الهجوم يتكرَّر كل فترة، وعلى مدار سبع سنوات، وقد وضع بنو إسرائيل رجاءهم في " بعل " الذين يعبدونه عوضًا عن يهوه، وأقاموا له المذابح، وهم يعانون من الذل والعبودية.
2- عاش جدعون في تلك الظروف القاسية، إلاَّ أنه لم يكن مستكينًا متكاسلًا، إنما كان يعمل بكل قدرته بحسب الإمكانات المتاحة، ولذلك سرَّ الله به واختاره قاضيًا مُخلصًا لإسرائيل، ولم يخطئ الله الاختيار، فليس العبرة بما عليه جدعون الآن، إنما العبرة بما سيكون عليه بعد الاختيار وحلول روح الله عليه. اختار الله جدعون وبثَّ فيه روح الشجاعة والجرأة قائلًا له " الرب معك يا جبار البأس" (قض 6: 12) ويقول "الأرشيدياكون نجيب جرجس": "فلم يكتفِ الملاك بالدعاء له لكي يكون الرب معه، بل امتدحه بأنه (جبار البأس) أيضًا إما: لأن جدعون كان قوي الجسم والعقل والعزيمة فعلًا، أو لكي يشجعه ويرفع معنوياته ويُوحي إليه بأنه قادر أن يقوم بالعمل العظيم، إذ يساعده الرب ويستخدم قوته العظيمة في قهر المديانيين. وفي الغالب حيَّاه الملاك بهذا الكلام للغرضين"(1).
قال الرب لجدعون " إني أكون معك وستضرب المديانيين كرجل واحد" (قض 6: 16) وعندما قبِل الرب تقدمة جدعون شاهد جدعون النار تصعد من الصخرة وتلتهم التقدمة، وعندما خاف جدعون طمأنه الله قائلًا " السلام لك. لا تخف. لا تموت" (قض 6: 23) فبنى جدعون مذبحًا ودعاه "يهوه شالوم" أي الرب إله السلام. وجدعون هو القاضي الوحيد الذي قدَّم ذبيحة بأمر إلهي (قض 6: 25 - 27) وهدم جدعون مذبح البعل متحديًّا المجتمع الذي يعيش فيه، وبنى مذبحًا للرب على رأس الحصن لكيما يكون منظورًا من الجميع، وشجاعة جدعون بثت الشجاعة في قلب أبيه، حتى أنه تصدى لمشايعي البعل الذي أرادوا الانتقام ممن هدم مذبحه، وقال لهم: "أنتم تقاتلون للبعل أم أنتم تخلصونه. من يُقاتل له يُقتل في هذا الصباح. إن كان إلهًا فليقاتل لنفسه لأن مذبحه قد هُدم" (قض 6: 13).
ومن صفات جدعون الجميلة أنه كان يشعر بضعفات الآخرين، فقال للملاك " أسألك يا سيدي إن كان الرب معنا فلماذا أصابتنا كل هذه" (قض 6: 13) وكان جدعون أيضًا إنسانًا متضعًا، فقال للملاك " ها عشيرتي هي الذُلَّي في منسى وأنا الأصغر في بيت أبي" (قض 6: 15) وبالرغم من أن وضعه الاجتماعي كان مرضيًّا لأنه عندما هدم مذبح البعل، أخذ معه عشرة عبيد، وكان جدعون أيضًا إنسانًا مطيعًا، فطهَّر بيت أبيه من عبادة البعل، وبنى مذبحًا لإله السماء مخاطرًا بحياته من أجل طاعة الأمر الإلهي، ونفذ كلمة الله عندما نادى في الجيش من كان خائفًا فليرجع " فرجع من الشعب اثنان وعشرون ألفًا. وبقى عشرة آلاف" (قض 7: 3) ومع هذا فإن جدعون لم يتذمر على الله، وأيضًا لم يخف ولم يرتعب، وعندما نفذ كلام الله أيضًا باختبار العشرة آلاف بالشرب من الماء، وفرز الذين يلغُّون بألسنتهم من الماء دون أن يتركوا سلاحهم، فكان عددهم 300 رجل لا غير، ووثق في كلام الله عندما قال له أنه بهذا العدد القليل سيخلص إسرائيل، فاستمر في طريقه ولم يتراجع، وهذا يعكس إيمان جدعون الجبار. وربما كان جدعون الرجل الوحيد الذي يتمتع بهذا القدر من الإيمان العجيب، فهو فعلًا أفضل وأنسب رجل اختاره الله لهذه المهمة الصعبة.
_____
(1) تفسير الكتاب المقدَّس - سفر القضاة ص 99.
الكتاب المقدس: بحث، تفاسير | القراءات اليومية | الأجبية | أسئلة | طقس | عقيدة | تاريخ | كتب | شخصيات | كنائس | أديرة | كلمات ترانيم | ميديا | صور | مواقع
https://st-takla.org/books/helmy-elkommos/biblical-criticism/1006.html
تقصير الرابط:
tak.la/3w5pcxt