ج: 1- السبط الوحيد الذي له حق تقديم الذبائح هو سبط لاوي، وليس كل رجال السبط، إنما الكهنة فقط وهم من نسل هارون رئيس الكهنة الذين يحق لهم تقديم الذبائح. أما جدعون فهو من سبط منسى، وليس له الحق في تقديم ذبيحة، ولكن ما حدث أن جدعون عندما أرسله الله ليخلص الشعب قال له " إن كنتُ قد وجدتُ نعمة في عينيك فأصنع لي علامة أنك أنتَ تكلمني. لا تبرح من هنا حتى آتي إليك وأُخرج تقدمتي وأضعها أمامك. فقال إني أبقى حتى ترجع. فدخل جدعون وعمل جدي معزي وإيفة دقيق فطيرًا. أما اللحم فوضعه في سل وأما المرق فوضعه في قدر وخرج بها إليه تحت البطمة وقدَّمها" (قض 6: 17 - 19) فواضح مما سبق أن جدعون قدم الذبيحة كعلامة على تأكيد كلام الله له، وأيضًا لم يقدم هذه الذبيحة إلاَّ بعد الاستئذان من ملاك الرب الذي سمح له بهذا، وظل ينتظره وقتًا طويلًا حتى عمل المعزى والفطير، ثم قال الملاك لجدعون "خذ اللحم والفطير وضعهما على تلك الصخرة وأسكب المرق. ففعل كذلك. فمد ملاك الرب طرف العكاز الذي بيده ومس اللحم والفطير فصعدت نار من الصخرة. وأكلت اللحم والفطير" (قض 6: 20، 21) وهذا ما حدث أيضًا مع منوح والد شمشون الذي قدم تقدمته بعد أن سمح ملاك الله له بهذا (قض 13: 16) رغم أنه من سبط دان، وقال الكتاب " فأخذ منوح جدي الماعز والتقدمة وأصعدهما على الصخرة للرب... فكان عند صعود اللهيب عن المذبح نحو السماء أن ملاك الرب صعد في لهيب المذبح" (قض 13: 19، 20) فكل من جدعون ومنوح قدم تقدمته، وملاك الرب هو الذي أصعد التقدمة.
2- وفي تلك الليلة طلب الله من جدعون أن يهدم مذبح البعل ويقطع السارية، وقال له " ابن مذبحًا للرب إلهك على رأس هذا الحصن بترتيب وخذ الثور الثاني وأصعد محرقة على حطب السارية التي تقطعها" (قض 6: 26) ففعل جدعون كما أمره الرب تمامًا، فكان جدعون القاضي الوحيد الذي سمح له الله أن يقوم بهذا العمل الكهنوتي، وهو ليس كاهنًا، فسمح له بإصعاد ذبيحة مقبولة لدى الله، ولا يعد هذا مخالفة لجدعون، لأن الله الذي وهب هرون وبنيه الكهنوت هو الذي أمر جدعون بإصعاد الذبيحة، علامة على تحوُّل العبادة من الأوثان لله الحي.
3- يجيب " الأرشيدياكون نجيب جرجس " على تساؤل القائلين كيف يقدم جدعون ذبيحة بعيدًا عن خيمة الاجتماع؟، فيقول:
" 1- يجب أن نذكر أن الذبائح التي قدمها جدعون لم تكن الطقس العام للعبادة الجمهورية التي أمر الرب أن تكون على مذبحه الواحد، ولكنها كانت لظرف خاص مثل الذبيحة التي قدمها داود بأمر الرب في بيدر أرونة اليبوسي (2 صم 24: 25) وغيرها.
2- والرب الذي وضع الناموس له سلطان على الناموس، وكل ما يأمر به (الله) هو ناموس إلهي، وكما سنَّ للشعب أن يقدموا ذبائحهم على مذبحه في بيته بوجه عام لأجل خيرهم الروحي استثنى من هذا القانون الحالات الخاصة التي يراها ضرورية لخير شعبه الروحي أيضًا.
3- وكان من حكمته أنه يعلن خطأ الشعب العظيم في عبادة البعل وتقديم الذبائح له، فأمر فورًا بهدم مذبح البعل وبناء مذبح للرب وتقديم ذبائح مؤقتة عليه ليُعلن بطلان العبادة الوثنية وقدسية وقانونية عبادة الله وحده.
4- وليس بعيدًا أن يكون الرب قد قصد أيضًا أن يبين للشعب ولجميع الأجيال وفاء عبده جدعون له وأنه قاطع عبادة الأوثان وأصبح عابدًا للرب وحده مما أهَّله للعمل العظيم الذي أسنده إليه الرب.
5- وهناك أمر هام أن المكان الذي بنى فيه جدعون المذبح كان قد أصبح بيتًا لله مثله كمثل خيمة الاجتماع لأن الرب قد ظهر فيه، وقبِل منه تقدمته التي وضعها على الصخرة (ع 14 - 23) وقد اعتقد جدعون بهذا وبنى مذبحه الأول ودعاه (يهوه شلوم) أي الرب سلام (ع 14) ومثل هذه الحالة ما فعله يعقوب حين دعا المكان الذي رأى فيه السلم الذي كان الرب فوقه، دعاه (بيت إيل) أي بيت الله (تك 28: 18)"(1).
4- جاء في " كتاب السنن القويم": "وهنا عدة اعتراضات:
(1) أن القربان لم يُقدم في شيلوه.
(2) أنه لم يقدمه كاهن.
(3) أنه قُدم ليلًا.
(4) أن وقود النار المقدَّسة كان خشب السارية النجسة.
(5) أن الثور المقدَّم كان نجسًا لأنه كان وقفًا للبعل.
وندفع ذلك بأن المذبح لم يبنَ لتقديم الذبائح العباديَّة بل بُني تذكارًا لإحسان الله إلى جدعون. وتقديم الثور لم يكن كتقدمات خيمة الشهادة بل كان إذلالًا للبعل وعشتروت، وبيان أن لا قوة لهما. هذا وإن الإسرائيليين كانوا يومئذ عبيدًا وكان الكهنة يختبئون في الكهوف خوفًا من العذاب والقتل، والقيام بالفروض الموسوية كان مهملًا لضلال الشعب، ولم يكن جواز تقدمتها (ذبيحة جدعون) من استحسان جدعون بل بإجازة الرب نفسه، وشتان بين استحسان البشر واستحسان الرب. فالعمل على ذلك من الأمور النادرة والوقتية"(2).
_____
(1) تفسير الكتاب المقدَّس - سفر القضاة ص 105، 106.
(2) السنن القويم في تفسير أسفار العهد القديم جـ 3 ص 268.
الكتاب المقدس: بحث، تفاسير | القراءات اليومية | الأجبية | أسئلة | طقس | عقيدة | تاريخ | كتب | شخصيات | كنائس | أديرة | كلمات ترانيم | ميديا | صور | مواقع
https://st-takla.org/books/helmy-elkommos/biblical-criticism/1003.html
تقصير الرابط:
tak.la/b8mcntw