ج: في البداية أخذت الشيوعية بعض سمات المسيحية مثل:
أ - الشعار السوفيتي الشيوعي إن كان أحد لا يعمل فلا يأكل أيضًا مقتبس مما ورد في رسالة معلمنا بولس الرسول الثانية لأهل تسالونيكي " إن كان أحد لا يريد أن يشتغل فلا يأكل أيضًا" (2 تس 3: 10) مع الفارق، لأن النص يوضح " إن كان لا يريد " أي أنه يملك إمكانية العمل، ولكنه لا يريد أن يعمل، فلا يأكل. أما الشيوعية فقد رفضت كل من لا يعمل مهما كانت حالته الصحية لا تسمح بالعمل، وهذا هو فكر " القس توماس مالثوس " الذي أوصى بعدم مساعدة الفقراء والضعفاء على الحياة، بل يجب أن ينتهوا من الوجود، وهذه النتيجة التي وصل إليها " هتلر " إذ نفذ برنامج " القتل الرحيم " فقتل أطفال ألمانيا المعوَقين، وكان ينوي أن يقتل البالغين منهم أيضًا.
ويقول "ريتشار وورمبلاند": "عقد الشيوعيون مؤتمرًا ضم جميع الفئات المسيحية في بناية برلمان بلادنا، وحضره أربعة آلاف كاهن، واعظ وقسيس، مثَّلوا جميع المذاهب. وقد اختار هؤلاء الأربعة آلاف من رجال الدين " جوزيف ستالين " رئيسًا فخريًا للمؤتمر، في حين ترأس بذات الوقت حركة دولية جهنمية للفتك بجميع المسيحيين بالجملة. فنهض الأساقفة والوعاظ، الواحد تلو الآخر، في بناية البرلمان وصرَّحوا أن الشيوعية والمسيحية هما واحد في الأساس، وأنهما يستطيعان التعايش السلمي معًا. وقد أثنى واعظ بعد الآخر على الشيوعية، وأكدوا للحكومة الجديدة ولاء الكنيسة لها.
حضرنا هذا المؤتمر أنا وزوجتي. وما أن سمعت زوجتي ما قيل حتى ألتفتت إليَّ وقالت لي: {يا ريتشار، قف على رجليك وأغسل هذا العار عن وجه المسيح. فهم يبصقون في وجهه} فقلت لزوجتي: لو فعلت ذلك لخسرتِ زوجك. ولكنها استطردت قائلة: {أنني لا أرغب أن يكون لي زوج جبان}.
وعندما انتصبت على رجليَّ وخاطبت المؤتمر، مثنيًا، لا على سفاحي المؤمنين، بل على الله ومسيحه، مشدّدًا أن ولاءنا هو بالدرجة الأولى لله... دفعت فيما بعد ثمن ما قلته" (1).
ب- أخذت الاشتراكية الشيوعية من المسيحية حياة الشركة في الكنيسة الأولى، والملكية العامة، فجاء في سفر الأعمال " وكان لجمهور الذين آمنوا قلب واحد ونفس واحدة ولم يكن أحد يقول أن شيئًا من أمواله له بل كان عندهم كل شيء مشتركًا... لم يكن فيهم أحد محتاجًا لأن كل الذين كانوا أصحاب حقول أو بيوت كانوا يبيعونها ويأتون بأثمان المبيعات. ويضعونها عند أرجل الرسل فكان يُوزَّع على كل واحد كما يكون له احتياج" (أع 4: 32 - 35) فهكذا كانت تسعى الاشتراكية الشيوعية للحياة الفضلى المثالية التي يتساوى فيها الجميع، ولكن شتان بين المسيحية التي قامت على أساس الحب والبذل والتضحية، فكل من أراد أن يضحي بممتلكاته ضحى بها بطيب خاطر بدون إجبار من أحد، أما الاشتراكية الروسية فقد قامت على الإجبار والقمع والتعذيب والاضطهاد.
في البداية قامت الثورة الشيوعية على أكتاف جماعة من العمال المسيحيين بقيادة الكاهن " جابون"، وفيما بعد تعدى الشيوعيون على هذه الحركة، بل قبضوا على القس جابون وأعدموه شنقًا، ويقول "ريتشار وورميلاند": "أن المسيحية دين ثورة أكثر من الشيوعية، ولكن ثورة تختلف في مفهومها وطريقها... فالثورات الشيوعية تبدأ بسفك الدماء... أي دماء، حتى الأطفال والنساء والمذنبين والأبرياء على السواء. ثم يصبح شرب الدم غريزة جامحة مثل قطيع الذئاب الذي يزداد شراسة كلما تفجَّر الدم من ضحاياه... وينتهي البرنامج الشيوعي بجلوس دكتاتور على قمة الهرم أو النظام الهرمي أكثر عنفًا وقسوة ودموية من الذي تخلصت منه الثورة... لقد كتب لينين مرة [إن الإرهاب لازم للغاية] ولكن القيصر نيقولا الثاني الذي أطاحت به الثورة الروسية ما كان يضع الإرهاب ضمن برنامجه... تُرى كم من الأرواح أزهقها لينين..؟ وكم اغتال السفاح ستالين؟ يُقال أن ستالين هو الذي دس السم لقتل لينين الذي علمه فن القتل، ثم قتل كل أقارب لينين وأصدقاءه. وماذا عن معسكرات العمل والسخرة في روسيا؟ وكم من الأرواح تزهق هناك أو في سيبيريا؟! وكم من الملايين سالت دماؤهم في الصين الحمراء..؟! إن الثورات الشيوعية رهيبة دموية هدامة سلبية... ولكن ثوار المسيحية هم على نمط آخر... إننا نستخدم سيفًا مغايّرًا هو سيف الروح، ونقتل ليس الخاطئ بل خطيته... ليس العدو بل عدوانه... وإني أتحدى أي إنسان في الدول الشيوعية أن يذكر لي اسم سجين واحد في أمريكا أو في أية دولة مسيحية من دول الغرب سُجن لأنه مُلحد... لكن في الدول الشيوعية تجد مئات الألوف بين الملايين تعج بهم السجون ويقاسون العذاب والمذلة والموت أيضًا وذلك لأنهم يتمسكون بدينهم" (2).
ويقول "الأب أنتوني م. كونيارس": "فعدد المسيحيين الذين اضطُهدوا واستُشهدوا في القرن العشرين فقط، يزيد عن مجموع كل الذين استُشهدوا في التسعة عشر قرنًا السابقة... (في الإتحاد السوفيتي) نُفي وأُبيد حوالي 60 مليون شخص كما لو كانوا حشرات، وكان بالطبع نسبة 75 بالمائة من هؤلاء مسيحيين أرثوذكس... واحد من الذين بقوا على قيد الحياة في سجون الأشغال المرعبة ويُسمى ألكساندر أوجورودنيكوف Alexander Ogarodnikov كتب يقول {عندما أضطلع البلاشفة بالسلطة، فقد قاموا بمحاربة الكنيسة... وفي عام 1923م كانت هناك محاولة جادة، محكمة ثورية لتقديم الله للمحاكمة، الله نفسه كان يُحاكم! كان لوناشارسكي Lunacharsky وتروتسكي Trotsky هما المفوضان لقيادة هذه العملية، وفي أثناء هذه العملية حكما على الله بالموت... كان لابد من سحق الله والكنيسة، ونجد في العديد من خطابات لينين Lenin التشديد على التخلص من الكهنة. كانت الحرب ضد الكنيسة والدين مُخطَّطًا لها جيدًا، وكان حامية وعنيفة للغاية... (كان) عام 1932م موجَّهًا نحو خطة اقتصادية لمدة خمس سنوات، ونفس المدة لإقامة مجتمع مُلحد. كانت الخطَّة موجَّهة على أن جميع الكنائس تكون قد أُغلقت عام 1935م وعام 1936م تكون كلمة " الله أو إله " قد اختفت تمامًا من اللغة وقواميسها... لا يمكنني أن أصف لك أنواع الرعب والإرهاب والعذابات التي نُفذت، حتى أن كثيرًا من الأساقفة والكهنة والرهبان والعلمانيين دُفنوا أحياء، أو قتلوا بطرق أخرى متعددة}.. أُعدم كثير من قادة الكنائس، وسُجن منهم عدد آخر لا يُحصى. وفي عهد ستالين تحوَّل الأمر إلى ما هو أردأ، فقد ذُبح مائتا ألف كاهن روسي، ورهبان، وراهبات كما سُجن خمس مئة ألف آخرين أو تم نفيهم إلى سيبريا، حيث مات حوالي 90 بالمئة منهم في معسكرات الأشغال الشاقة. سجلات البوليس السوفيتية السريَّة المحفوظة تُبيّن أن أغلب الكهنة أُطلق عليهم النار أو صلبوا، ولو أنه كانت هناك طرق أخرى استخدمها الشيوعيون للإبادة الجماعية، منها تعليق الكهنة وصلبهم على أبواب الكنائس، أو تركهم ليموتوا بعد أن ينزعوا عنهم ملابسهم ويطرحونهم في بحيرات ثلج في الشتاء حتى يتجمدوا. وبالإضافة إلى قادة الكنائس الذي قُتلوا، سُجن عشرة ملايين من عامة المؤمنين، أو عُذبوا، أو قتلوا. كذلك فإن بلاد أخرى من الكتلة السوفيتية اضطهدوا المسيحيين بنفس الطريقة" (3).
ج: في القرن السابع عشر ظهرت بعض المذاهب الهدامة في إنجلترا مثل مذهب الصوصيان، ومذهب الهادمين، ومذهب الكويكرز، ومذهب الهادمين Ranters قام على معارضة النظام الملكي وقواعد الدين والأخلاق، والحرية غير المشروطة، حتى قالوا أن الإنسان يستطيع أن يرتكب الموبقات من سرقة وكذب وغش وزنا (باستثناء القتل) لأن الاستغراق في ملذات الجسد لا يلوث الروح، وكان لهذا المذهب اتجاهاته الشيوعية فدعا للملكية العامة، وقاوم الملكية الفردية، ونادى أصحاب مذهب الهدامين بأن الله سيخلص الجميع باستثناء الأغنياء، وقال " أبيزر كوب " أحد قادة الجماعة في كتاب " رعد طائر من اللهب " بأن الله في طريقه للأرض ليسوي عاليها بواطيها، وأن الهادم الأعظم سوف يتسلل إليهم ملوحًا بسيفه قائلًا " سلّموا حوافظ نقودكم. سلموا أيها السادة. سلموها وإلاَّ قطعت رقابكم" (4).
وفاق " أبيزر كوب " جميع أقرانه في ارتكاب الشر، ويقول عنه " دكتور موريس عوض " أنه كان " يلقي مواعظه وقد تجرَّد من كل ثيابه ويتفوَّه بتجاديفه وبذاءاته أثناء النهار، فإذا حل الليل أنصرف إلى معاقرة الشراب ومضاجعة البنات اللاتي جئن للاستماع إلى مواعظه وهن عرايا كما ولدتهن أمهاتهن" (5).
وتعرض كوب للسجن في سجن كوفنتري، وبينما كان سجينًا نشر كتابه " رعد طائر من اللهب " فأصدر مجلس العموم البريطاني أمرًا بحرق جميع نسخ هذا الكتاب، وعند التحقيق معه ادَّعى الجنون، ولكن هذه الحيلة لم تنطلي على لجنة التحقيق، وعندما ضاق ذرعًا بالسجن نشر كتابه " الرجوع إلى الحق " وألتمس من البرلمان العفو عنه، وفعلًا أُعفي عنه.
وحلمت جماعة الهادمين بمجتمع مثالي ومدينة فاضلة يختفي منها الفقر والشقاء، ونادت بأن الله موجود في كل الخليقة، كما أنه حال في الإنسان، ولذلك ينبغي أن يصل الإنسان لله الحال فيه (في الإنسان) وقال أحدهم " أنه يرى الله في كل زهرة وفي الإنسان والحيوان والسمك والدواجن وفي كل نبت أخضر" (6)، وستجد المزيد عن هذا الموضوع هنا في موقع الأنبا تكلاهيمانوت في أقسام المقالات والكتب الأخرى. وهذا هو مذهب " وحدة الوجود " الذي ينادي أتباعه بأن الله هو كل شيء، وكل شيء هو الله.
وقال " أدوارد هايد": "أنه طالما أن الله موجود في كل شيء فمعنى ذلك أن الخطية والشر يتمثلان فيه" (7) بينما نفت بقية الجماعة ارتباط الشر بالله، وقالوا أن الله لا يوجد في الحروب، ولا في الظلم، ولا في الكنائس، وهذا يوضح كراهيتهم للكنائس فساووها بالحروب والظلم.
وأعتبر الهادمون أن الكتاب المقدَّس عبارة عن قصص وحكايات رمزية، ورفضوا الوصايا العشر مدَّعين أنها من وضع البشر، وقال بعضهم أن الشيطان ليس بالشيء المقيت أو الشرير لأنه من صنع الله الكامل، وأنتشر مذهب الهادمين في أرجاء البلاد، ولاسيما بين الفقراء والعمال والعاطلين والمتشردين، وكان " أبيرز كوب " يفتخر بأنه أخًا للصوص والشحاذين والعاهرات. وكان للهادمين كتبهم مثل " إنجيل الهادمين" و"عقيدة الهادمين"، وفي كتاب " النور والظلام واحد " قال مؤلفه " كلاركسون " سنة 1650م، أن " الشيطان هو الله والجحيم هو النعيم والخطيئة هي القداسة واللعنة هي الخلاص" (8). وحاول مجلس العموم البريطاني التصدي للهادمين، فأعد مشروع قانون للحكم على الهادمين بالإعدام، ثم اكتفى بسجن الهادم لمدة ستة أشهر، وفي سبتمبر 1651م أصدر مجلس العموم قانون التسامح الديني مع الكل باستثناء الصوصيان والهادمين. وكان للهادمين تجاديفهم، فقال الهادم " ريتشارد كنج " أن زوجته الحامل ستلد له الروح القدس، وقالت " ماري أدمز " أنها سوف تلد يسوع المسيح، وأدعى الهادم " توماس تاني " بأن الله تكلم إليه. وأفهمه أنه يهودي، وعليه جمع شمل اليهود والعودة بهم إلى أورشليم لإعادة بناء الهيكل، وقام توماس بختن نفسه، وكان يجوب الشوارع مبشرًا بأعلى صوته على أنه الحبر الأعظم لليهود، فزجت به السلطات في السجن، وبعد خروجه أحرق الكتاب المقدَّس علنًا، وهاجم البرلمان ملوحًا بسيفه الذي علاه الصدأ، مدعيًّا أنه سليل شارلمان وأنه الوارث لعرش فرنسا فأعادوه إلى سجنه، وأدعى الهادم " جون روبيتز " أن روح آدم تقمصته، وأنه سيخرج من إنجلترا على رأس 144 ألفًا للتوجه إلى جبل الزيتون، فزجت به السلطات في السجن مع زوجته، وإحدى عشر تابعًا له، والهادم " ريتشارد فولكنر " شرب نخب الشيطان تحية له وقال " أن المسيح مخلصنا ابن زنا" (راجع الإلحاد في الغرب ص 106 - 111) ومذهب الهادمين يلقي الضوء على الحالة التي آلت إليها شعوب الغرب في القرن السابع عشر، والطريقة التي أتبعتها الكنيسة والدولة في التعامل معهم، والتي أتسمت بالعنف، والعقوبات التي تتراوح بين السجن والإعدام، مما أدى إلى كراهية البعض للدين.
_____
(1) العذاب الأحمر ص 14، 15
(2) ترجمة عزت زكي - جواب المسيحية على الإلحاد الشيوعي ص 103، 104
(3) تعريب ى. م. - الصليب والاستشهاد في القرن العشرين ص 5 - 8
(4) د. رمسيس عوض - الإلحاد في الغرب ص 96
(5) المرجع السابق ص 95
(6) د. رمسيس عوض - الإلحاد في الغرب ص 99
(7) المرجع السابق ص 99
(8) د. رمسيس عوض - الإلحاد في الغرب ص 102
الكتاب المقدس: بحث، تفاسير | القراءات اليومية | الأجبية | أسئلة | طقس | عقيدة | تاريخ | كتب | شخصيات | كنائس | أديرة | كلمات ترانيم | ميديا | صور | مواقع
https://st-takla.org/books/helmy-elkommos/atheism/communism.html
تقصير الرابط:
tak.la/7w8bfkm