س48: ما هو دليل القصد أو الغاية؟ وكيف ينطبق على العين والمُخ والقلب؟
ج: إن كل آلة لها صانعها الذي صنعها لهدف معين، فيقول "الدكتور حليم عطية سوريال": "أن الأدلة على وجود الخالق كثيرة، ولكن أعظمها وأوضحها وأسهلها فهمًا ما يُسمى دليل القصد أو الغاية أو الغرض Design، ويعرف عند الغربيين بدليل " بالي " Paley، وهو فيلسوف إنجليزي من رجال الدين، أثبت وجود الله بالقول، أن كل آلة لها صانع، وقال أن دراسة تشريح العين مثلًا يبين لنا غاية واضحة وقصدًا بينًا وهي أنها صُنعت للنظر... ولا يُعقل وجود آلة دقيقة بدون صانع لها... إن كل آلة يصنعها الإنسان يمكن بمجرد رؤيتها الاستدلال على وجود صانع لها وذلك من الغاية والقصد التي صُنعت لهما، فإن أبسط الآلات الحجرية التي صنعها الإنسان الأول في العصر الحجري جميعها تدل على وجود عقل مُفكر وصنع تصميمها قبل صنعها" (44).
فالعين عضو مُعقَّد، وكل ما فيه من خلايا عصبية وشبكية وقرنية وقزحية تتعاون معًا وتتكامل لتعطي الإنسان الإبصار، إذًا الله خلق أجزاء العين بهذا الشكل الرائع بقصد منح الإنسان الرؤية، فهنا نلتقي مع دليل القصد من جانب، ومن الجانب الآخر صلاح الله، لأنه لو لم يكن الله صالحًا ما كان يهتم بخلق العين بهذه الصورة الكاملة. ومن أهم عيوب نظرية التطوُّر أنها عجزت عن تفسير كيفية تكوُّن الأعضاء البالغة التعقيد مثل العين، فلو أنها في مراحل تطوُّرها لم تكتمل فأنها تصبح عديمة الفائدة، وكذلك جناح الطائر ما فائدته إن لم يكن مكتملًا، وأيضًا زلومة الفيل ما فائدتها لو كان طولها مثلًا عشرة سنتيمترات، وبالرغم من أن " أنكين قورور " من دعاة التطوُّر فأنه يقول "أن الخاصية المشتركة في العيون والأجنحة هي أنهما لا تؤديان وظائفهما إلاَّ إذا أكتمل نموهما، وبعبارة أخرى، لا يمكن لعين نصف نامية أن ترى، ولا يمكن لطائر أجنحته نصف مكتملة أن يطير، وفيما يتعلق بالكيفية التي تكوَّنت بها هذه الأعضاء، فإن الأمر مازال يمثل أحد أسرار الطبيعة التي تحتاج إلى توضيح" (45) أما " داروين " ففي خطابه إلى آساغراي في 3 أبريل 1860م كتب يقول "كلما تأملت العين (يقصد العين بتركيباتها المعتقدة) انطفأت حماستي لنظريتي" (46) كما قال في كتابه " أصل الأنواع": "يبدو لي أن الافتراض بأن العين بكل ما فيها من أجزاء عديدة تعمل معًا... يمكن أن تكون قد تكوَّنت بواسطة الاختيار الطبيعي. أعترف بحرية، بأنه افتراض سخيف بكل معنى الكلمة" (47).
أما مُخ الإنسان فهو الذي يتحكم في التنفس، ودقات القلب، وضبط درجات الحرارة، وهضم الطعام، وإخراج الفضلات، وهو يُخزن آلاف وملايين المعلومات والصور والقصص، ويستطيع الإنسان أن يستدعي أي منها فتمثُل أمامه في أقل من لحظة، فهو يحتوي على عشرة بلايين من الخلايا التي تستقبل وتسجل وتنقل الطاقة، وأي تغيير أو تأثير كيميائي في هذا الخلايا يؤدي إلى ارتباك حياة الإنسان، وتغيُّر مشاعره، وستجد المزيد عن هذا الموضوع هنا في موقع الأنبا تكلاهيمانوت في أقسام المقالات والكتب الأخرى. وأيضًا من الأمور العجيبة في الإنسان العمليات الكيميائية التي يقوم بها الجسم ليل نهار، بدون وعي من الإنسان، مثل تعادل الأحماض في الجهاز الهضمي، وتعادل الأحماض داخل الجسم، وتكوين الأجسام المناعية التي تتصدى للميكروبات الضارة، ولكل ميكروب له الأجسام المناعية التي تقضي عليه.
ويقول "نيافة المتنيح الأنبا غريغوريوس" عن بعض أعضاء الجسم البشري "أنظر إلى عين الإنسان وتركيبها من مقلة تحميها، ومن قزحية وقرنية وعدسة وشبكية وعصب بصري... إلى غير ذلك من أجزاء وجزئيات وما بها من أهداب وشعيرات وشرايين وأوردة فضلًا عن العضلات والأنسجة والغدد... ولكل جزء منها وظيفة وعمل واختصاص، وتتعاون كلها ويكمل بعضها عمل بعض بصورة عجيبة... وما نقوله عن العين نقوله عن القلب، هذا العضو العجيب الذي يعمل بلا توقف ليلًا ونهارًا، وينبض سبعين مرة في الدقيقة الواحدة ولا يستريح لحظة واحدة عن العمل المتواصل... أرني آلة صنعها الإنسان يمكن أن تعمل بلا توقف وبلا راحة كما يعمل القلب، وهو يحمل عبء الجسم كله... ولا يقتصر عمله على بيولوجيا الجسم بل أنه أيضًا مركز العواطف من حب وكراهية، ومركز الانفعالات السارة والحزينة من فرح إلى حزن وهم إلى خوف وخجل وحماس ويأس...
وما قلناه عن العين والقلب نقوله عن المخ، هذا العضو العجيب حقًا الذي يتقبل إشارات ويرسل إشارات غيرها، يستقبل ويصدر، ويحكم جميع أجهزة الجسم وعلى رأسها الجهاز العصبي... ثم هو يتقبل المعارف والخبرات ويرتبها ويصنّفها ويحتجزها للانتفاع بها في مستقبل الأيام. فكيف يختزن المعرفة على تنوعها في كافة ميادين العلم وتشعباته وفروعه؟! وكيف يحتفظ باللغات ومفرداتها وقواعدها وأساليبها..؟ وكيف لا تختلط هذه المعلومات ببعضها؟ كيف يخرجها عند الاقتضاء واضحة متميزة مستقلة عن بعضها؟ وكيف مع ذلك يمكنه أن يقارن بينها ويوازن بينها ويوفق بينها ويعارض بينها وينقدها ويفحصها ويحكم على صدقها أو على زيفها؟ فكيف عند اللازم يجمع بينها حين يحاضر أو يتحدث أو يكتب كتابًا أو يحرر مقالًا أو بحثًا مستعينًا بها كما يشاء مثله في ذلك مثل الطباخ الذي يجمع ما يلزمه من مواد مختلفة ليصنع من مجموعها معًا، وبمقاييس مضبوطة، ضبخة شهية! ما هذه الآلة العجيبة التي تُسمى المُخ؟ ومَنْ من العلماء يمكنه أن يصنع مثلها أو يركّب نظيرها..؟
زد على ذلك سر الحياة نفسها وسر النمو والتكيُّف والتغذية وتمثيل الغذاء واحتراقه... وبالإجمال كل شيء في الإنسان جسمًا ونفسًا وعقلًا وروحًا ينطق بأدلة صارخة على وجود الله" (48).
_____
(44) تصدع مذهب داروين والإثبات العلمي لعقيدة الخلق ص 113
(45) أورده هارون يحيى - خديعة التطوُّر ص 55
(46) المرجع السابق ص 60
(47) ترجمة وجدي وهبة - لماذا أؤمن - إجابات منطقية عن الإيمان ص 152، 153
(48) الإلحاد المعاصر وكيف نجابهه ص 33 - 37
الكتاب المقدس: بحث، تفاسير | القراءات اليومية | الأجبية | أسئلة | طقس | عقيدة | تاريخ | كتب | شخصيات | كنائس | أديرة | كلمات ترانيم | ميديا | صور | مواقع
https://st-takla.org/books/helmy-elkommos/atheism/brain.html
تقصير الرابط:
tak.la/4tbbk94