حكت لي إحدى الطبيبات اللاتي يعملن في مجال الإدمان هذه القصة الرائعة:
وُلِد باسم (الأسماء مستعارة) وفي فمه ملعقة من ذهب فقد وُلِد في أسرة ماهر باشا كما يدعونه وهى أسرة غنية جدًا تقطن بأحد الأحياء الراقية جدًا بالقاهرة. كان والده يمتلك صالة فخمة لعرض السيارات المرسيدس في نفس المنطقة... مرت الأيام رويدًا رويدًا وباسم ينمو قليلًا قليلًا في ظلال الحب الأسرى، ويتعلَّم في أفضل مدارس اللغات إلى أن وصل للمرحلة الجامعية... كل طلباته مجابة ولا يرفض له طلب ما، وكان باسم من النوع الأنيق جدًا كما تعوَّد ذلك منذ نعومة أظافره، فكان يضع جلَّ اهتمامه في مظهره وملابسه التي يختارها بعناية فائقة، وبدون مبالغة كان لون السيارة يتمشى مع لون البدلة التي يرتديها.
وفي كلية التجارة التي انتظم بها التقى مع "إيمى" الفتاة الجميلة التي تفيض نشاطًا وحيوية... سحرته بابتساماتها الرقيقة وضحكاتها التي تحاكى فيها شدو البلابل، فتسلَّلت وسكنت بسهولة وترحاب بين الحشا والفؤاد، ورغم تفاوت المستوى المادي بينهما إلاَّ إن للحب سلطان، وكان سلطانه هو الأقوى والأعمق فتمت خطوبتهما في احتفال رائع وبعد أن انتهى باسم من دراسته هو وخطيبته إيمى تم زفافهما في حفل بهيج خلال ليلة من ليالي ألف ليلة وليلة، وسكن في شقة تبلغ مساحتها مائتي متر مسطح وفي ذات المنطقة الراقية جدًا مؤسسة بأفخر الأثاث، وعاشت إيمى مع زوجها باسم أجمل وأحلى أيام العمر وكأنهما يريدان أن يعيدا قصة أبوينا الأولين في جنة عدن، ولكن يا للأسف فإن الله لم يكن محور حياتهما، ولا السماء مشتهاهما، ولا القديسون أصدقاءهما، ولا الحياة الروحية موضع اهتمامهما، فلذلك كانت سعادتهما بعيدة عن مصدر السعادة الحقيقي فهي زائفة، وبيتهما ليس مؤسسًا على الصخر صخر الدهور. بل هو مبنى على الرمال.
وُلِد لباسم باهر، ومات ماهر والد باسم، وهذه هي سنة الحياة والموت، وآل الميراث الضخم من ماهر باشا إلى ابنه باسم، فهل تحافظ عليه يا باسم لتسلمه لابنك باهر؟ وهل تتاجر فيه للخير، وتسعى لربح الملكوت..؟ لقد دفع عدو الخير بأعوانه فأحاطوا بالشاب الطيب الرقيق القلب باسم فصادقوه وأظهروا له الحب الخادع الكاذب، وأخذوا يسحبونه إلى سهراتهم حول الدخان الأزرق والهيروين، فبردت محبته لزوجته وتجمدت مشاعره تجاه ابنه، أنه يسير في طريق الضياع بخطوات متسعة... يعود إلى بيته مع وجه الصباح، ولكن شتان بين الصباح المشرق ووجه باسم الآخذ في الذبول، وأيضًا لم يستجب باسم الذي لم يعد باسمًا إلى توسلات زوجته المسكينة التي أحست بهول المشكلة وبدأت تدخل في دائرة الاكتئاب ففقدت نضارتها وسكتت ضحكاتها، وماذا بعد أن صار زوجها حبيبها مدمنًا للهيروين؟!!
حقًا لم يكن ولن يكن أبناء الظلمة من الأصدقاء المخلصين الأوفياء. إنهم يشابهون أباهم إبليس اللعين، لقد أسكروه بحلو الكلام وسحر الحديث فكان يصرف بين كل عشية وضحاها مئات من الجنيهات على الهيروين على نفسه وعليهم... سلبوا ماله حتى استدان وباع أثاث الشقة شيئا فشيئا. ثم باع الشقة المتسعة الفاخرة وسكن في شقة مفروشة متواضعة، وهو لا يلتفت إلى الزوجة التي افترشت بدموعها طريق الآلام وأخذت تتقلب ولا تجد راحة على الأشواك. بل إنه باع صالة العرض والذين اشتروها هم هم أصدقاؤه أبناء الظلمة، وبثمن بخس جدًا لكيما يسدد ديونه وينجو من السجن المعرَّض له... ثم أنظر يا صديقي إلى ما حدث عندما سأل باسم أصدقاءه أن يوجدوا له عملًا، لقد جعلوه عاملًا في الصالة ليمسك الفوطة الصفراء ينظف ذرات التراب التي تتراكم على السيارات المرسيدس الفاخرة مع كل صباح ومساء... يا للهول المالك يتحول إلى سايس!! وعندما فاق من غفوته، وقد تضايقت نفسه جدًا، قرَّر أن يضع حدًا لهذه المتاعب التي جلبها على نفسه وتهد الجبال، فقفز من الشرفة طالبًا الموت، وإذ بالموت يهرب منه ويسقط على الأرض فيتحطم جسده ويترضض وتنكسر رجله، ويُنقَل إلى المستشفي ويتم علاجه ولكن هذه الحادثة تترك له عاهة مستديمة إذ صارت إحدى رجليه أقصر من الأخرى، فصار يعرج في طريقه مثل شيخ عجوز يحمل على كاهله عبء وغلب السنين... أووه... أهذا هو الشاب الأنيق الذي كان يغير السيارة بلون الملبس الذي يرتديه؟!! ومع كل هذا فإن يد الله مازالت ممتدة تلاحقه...
أما الزوجة التي افترشت طريق الآلام وهى تتقلب على الأشواك، فقد ثقلت آلامها فوق الطاقة، فلم تعد تجد قوت يومها، بالإضافة إلى المعاملة القاسية التي تلقاها كل يوم من زوجها كصدى لحالته النفسية المتدهورة، وإذ أراد باسم أن يخلصها من تلك الآلام التي لحقتها بسببه، فإذ به يحملها ويقذف بها من الشرفة كما فعل بنفسه من قبل، فتحطم جسدها وترضض وتعرضت لبعض الكسور، وتم إنقاذها وعلاجها في مستشفي حكومي، وفي كل هذا مازالت يد الله ممتدة ورحمته تلاحقهما.
وأخيرا لجأت هذه الزوجة المسكينة إلى الكنيسة التي وقفت بجوارها وقفة مُشّرِفة، فتولَّت احتضان الزوج وتحويله إلى مركز علاج متخصص لعلاجه طبيًا ونفسيًا، وأغدق عليه الأب الكاهن -الذي تأثر كثيرا لحالة ابنه هذا- الحب الصافي الصادق فكان بمثابة البلسم المرطب للجروح الملتهبة، وشتَّان بين حب أبناء الظلمة الزائف وحب أبناء النور الصادق، واهتمت الكنيسة أيضا بحياته الروحية وتصحيح مفاهيمه تجاه الله، فبعد أن كان يقول "إن ربنا عاوز ينسفنا ويخلينا خدامين" استطاع أن يقتنع بأن الله منحه كل شيء. بل هو الذي بدَّد عطايا الله بعيش مسرف في كورة الخنازير، ولكن عليه أن يتحمل نتيجة أخطاؤه بشجاعة... جاز باسم فترة الانسحاب والتأهيل وألحقته الكنيسة بإحدى الشركات ليعمل كفرد أمن، وأخذت تقدم له المعونة اللازمة لقيام الأسرة.
واهتمت الكنيسة بالزوجة المسكينة التي ظُلِمت كثيرًا وهى بريئة... لقد كانت هذه الزوجة عاجزة عن الصفح عن زوجها الذي قذف بها من الشرفة إلى الشارع ، فليس من حقه تحت أي مسمى أن يتحكم في حياتها، ولكن بفضل المصلوب الذي صفح عن صالبيه نجحت هذه الزوجة في الصفح عن زوجها، ومكَّنت له المحبة من أجل خلاص نفسه ونفسها ومن أجل حياة ابنهما الملاك الصغير باهر، والتأم شمل الأسرة الذي تمزق كثيرًا، ولم تكُف الطبيبة المعالجة عن متابعة باسم، وهو نفسه صار يلجأ إليها في أي وقت ضعف أو ضيق... لقد تعافي تمامًا، ولكنه ينبغي أن يظل يقظًا ساهرًا على حياته طوال عمره. نعم لقد سكنت محبة الله في قلبه، فصار يعيش مع أسرته عيشة متواضعة جدًا ولكن في رضى وقناعة وسلام...
إنها قصة علاج ناجحة جدًا تهب الأمل لكل من سار في طريق الإدمان، فأن له علاجًا وشفاءًا...
بالتأكيد له علاج ويقدر بمعونة الله أن يعود من الموت إلى الحياة.
والآن يا صديقي في هذا الجزء الثاني عن الإدمان الذي يتناول الوقاية والعلاج دعنا نناقش الأمور الآتية:
أولًا: مراحل الإدمان.
ثانيًا: طرق الوقاية من الإدمان.
ثالثًا: طريق العلاج.
رابعًا: الشق القانوني للإدمان.
الكتاب المقدس: بحث، تفاسير | القراءات اليومية | الأجبية | أسئلة | طقس | عقيدة | تاريخ | كتب | شخصيات | كنائس | أديرة | كلمات ترانيم | ميديا | صور | مواقع
https://st-takla.org/books/helmy-elkommos/addiction/part2.html
تقصير الرابط:
tak.la/n6mgvw7