مكتبة الكتب المسيحية | كتب قبطية | المكتبة القبطية الأرثوذكسية

كتاب الدليل الكتابي للإيمان الأرثوذكسي - الجزء الأول - القمص يوحنا فايز زخاري

135- الصوم وآية: «أَمَّا الضَّعِيفُ فَيَأْكُلُ بُقُولًا»

 

(2) الصوم وآية: «أَمَّا الضَّعِيفُ فَيَأْكُلُ بُقُولًا»

يعترضون بقول مار بولس الرسول في رسالته إلى الرومانيين:

«وَاحِدٌ يُؤْمِنُ أَنْ يَأْكُلَ كُلَّ شَيْءٍ، وَأَمَّا الضَّعِيفُ فَيَأْكُلُ بُقُولًا.

 لاَ يَزْدَرِ مَنْ يَأْكُلُ بِمَنْ لاَ يَأْكُلُ،

 وَلاَ يَدِنْ مَنْ لاَ يَأْكُلُ مَنْ يَأْكُلُ، لأَنَّ اللهَ قَبِلَهُ...

 وَالَّذِي يَأْكُلُ، فَلِلرَّبِّ يَأْكُلُ لأَنَّهُ يَشْكُرُ اللهَ.

 وَالَّذِي لاَ يَأْكُلُ فَلِلرَّبِّ لاَ يَأْكُلُ وَيَشْكُرُ اللهَ...

إنِّي عَالِمٌ وَمُتَيَقِّنٌ فِي الرَّبِّ يَسُوعَ أَنْ لَيْسَ شَيْءٌ نَجِسًا بِذَاتِهِ.

إلاَّ مَنْ يَحْسِبُ شَيْئًا نَجِسًا، فَلَهُ هُوَ نَجِسٌ.

فَإنْ كَانَ أَخُوكَ بِسَبَبِ طَعَامِكَ يُحْزَنُ، فَلَسْتَ تَسْلُكُ بَعْدُ حَسَبَ الْمَحَبَّةِ. لاَ تُهْلِكْ بِطَعَامِكَ ذلِكَ الَّذِي مَاتَ الْمَسِيحُ لأَجْلِهِ...

لأَنْ لَيْسَ مَلَكُوتُ اللهِ أَكْلًا وَشُرْبًا، بَلْ هُوَ بِرٌّ وَسَلاَمٌ وَفَرَحٌ فِي الرُّوحِ الْقُدُسِ.» (رومية14: 2-3، 6،14-17)

يظُنُّ البعضُ خطَأً أن هذا النَّص يهاجم الصوم النباتي حينما يقول: «وَأَمَّا الضَّعِيفُ فَيَأْكُلُ بُقُولًا.» (رومية14: 2)، ويهاجم الصوم عُمومًا: النباتي أو الانقطاع عن الطعام والشراب، حينما يقول «لأَنْ لَيْسَ مَلَكُوتُ اللهِ أَكْلًا وَشُرْبًا، بَلْ هُوَ بِرٌّ وَسَلاَمٌ وَفَرَحٌ فِي الرُّوحِ الْقُدُسِ.» (رومية14: 17)

والحقيقة أن الرسول في هذا النَّصِّ لا يتحدث عن الصوم إطلاقًا.

← انظر كتب أخرى للمؤلف هنا في موقع الأنبا تكلا هيمانوت.

 

St-Takla.org Image: Beans - from the book: Picture puzzles, or, How to read the Bible by symbols, by Beard, Frank, 1899. صورة في موقع الأنبا تكلا: بقول، حبوب - من كتاب ألغاز مصورة: كيف تقرأ الكتاب المقدس من خلال الرموز، فرانك بيرد، 1899 م.

ويُعتَبَر العددُ (14) مِفتاحَ الفَهم الصحيح للنَّص:

«إنِّي عَالِمٌ وَمُتَيَقِّنٌ فِي الرَّبِّ يَسُوعَ أَنْ لَيْسَ شَيْءٌ نَجِسًا بِذَاتِهِ. إلاَّ مَنْ يَحْسِبُ شَيْئًا نَجِسًا، فَلَهُ هُوَ نَجِسٌ» (رومية14: 14).

كان حديث الرسول بولس عن نِزاعٍ حدَثَ بين فَرِيقَيْن:

(1) المؤمنين البُسطاء من اليهود المتأثرين بتحريم لحم الخنزير وما ذُبِح للأوثان.

(2) المؤمنين من غير اليهود الذين كانوا يأكلون لحم الخنزير دون تَشَكُّك.

فبين الفَرِيقَيْن حدثَ خَلافٌ ومُباحثات وحَيْرة.

أما الرسول بولس هنا، فقد حَسَم الخِلاف، مُجِيبًا على الفَرِيقَيْن، بأن الأكلَ من لحم الخنزير أو الامتناع عنه، كلا الأمرَيْن لا يَضُر ولا يَحْرِم من الملكوت «لأَنْ لَيْسَ مَلَكُوتُ اللهِ أَكْلًا وَشُرْبًا» (رومية14: 17)، «لأَنَّنَا إنْ أَكَلْنَا لاَ نَزِيدُ وَإنْ لَمْ نَأْكُلْ لاَ نَنْقُصُ» (1كورنثوس8: 8).

ولكننا لكي نُقَدِّم القِصة الكاملة، فإننا نعود إلى ما كَتَبَه المؤرخ اليهودي الشهير يُسِيفُس في حديثه عن يهود روما، أن بعضهم امتنع عن أكل اللحوم تمامًا؛ خشية أن يتدنسوا بما هو نجِسٌ منه؛ فقد كانت الحيوانات التي تُذبَح للأوثان يُباع لحمُها مُختلِطًا بباقي اللحوم. ولذلك فقد كان هناك المؤمن الضعيف الذي يتسَجَّس (يتشَكَّكُ) ضميرُه من أكْلِ اللحم؛ لئلا يأكل من بينها لحم خنزير أو مما ذُبِح للأوثان دون أن يدري. فهذا امتنع عن أكْل اللحوم عُمومًا خِشيةَ الدَّنَس.

وهناك المؤمن القوي الذي يعرف أنه في المسيحية، ليس هناك لحم نجِـسٌ، بل «كُلُّ مَا يُبَاعُ فِي الْمَلْحَمَةِ كُلُوهُ غَيْرَ فَاحِصِينَ» (1كو10: 25).

وهنا فلْنفهمِ النص...

 

المسيحي القوي يؤمن أن يأكل كل شيء، فليس هناك لحمٌ نجِس وغير نجس. وأما الضعيف الذي يؤمن بأن لحم الخنزير نجِس، ويتشكك في اللحوم أنها مختلطة بما ذُبِح للأوثان، فلا يأكل لحمًا على الإطلاق ولْيأكلْ بقولًا.

ولا ينبغي أن تكون هناك مناقشات بين الفريقين.

«لاَ يَزْدَرِ مَنْ يَأْكُلُ (لحمًا من لحوم الخنزير أو مما ذبح للأوثان)

بِمَنْ لاَ يَأْكُلُ (لحومًا إطلاقًا خِشْية اختلاطها باللحوم التي يؤمن أنها نجسة)،

وَلاَ يَدِنْ مَنْ لاَ يَأْكُلُ (أي الفريق المتشكك) مَنْ يَأْكُلُ،

لأَنَّ اللهَ قَبِلَهُ (أي قَبِلَ من يأكل لحم الخنزير. ففي المسيحية ليس شيء نجس).

وَالَّذِي يَأْكُلُ، فَلِلرَّبِّ يَأْكُلُ لأَنَّهُ يَشْكُرُ اللهَ. (فليس أكل هذه اللحوم نجاسة)

وَالَّذِي لاَ يَأْكُلُ فَلِلرَّبِّ لاَ يَأْكُلُ وَيَشْكُرُ اللهَ... (لأن الممتنع عن أكل هذه اللحوم، مُتَمسِّك بشريعة العهد القديم، ولم يتعلم بعْدُ مفهوم النجاسة في العهد الجديد. فهو للرب لا يأكل أي من أجل طاعته للعهد القديم لا يأكل ويشكر الله، وهذا أيضًا مقبول أمام الله، إلى أن يفهم المدلول الكامل للنجاسة والطهارة في العهد الجديد).»

 

أخيرًا «إنِّي عَالِمٌ وَمُتَيَقِّنٌ فِي الرَّبِّ يَسُوعَ» (رومية14: 14).

هذه هِيَ خُلاصة الحديث كله، يؤكده الرسول كإيمان راسخ:

«أَنْ لَيْسَ شَيْءٌ (اللحوم المذبوحة للأوثان أو لحم الخنزير) نَجِسًا بِذَاتِهِ.

إلاَّ مَنْ يَحْسِبُ شَيْئًا (هذه اللحوم) نَجِسًا، فَلَهُ هُوَ نَجِسٌ.»

ثم ينتقل الرسول، فيُوجِّه حديثه إلى الأقوياء الذين يفهمون المسيحية فهمًا كاملًا، أي يفهمون «أَنْ لَيْسَ شَيْءٌ نَجِسًا بِذَاتِهِ». فما موقف هؤلاء الأقوياء إزاء الضعفاء (المتشككين)؟

هو ما قاله مار بولس في مواقف أخرى: «فَيَجِبُ عَلَيْنَا نَحْنُ الأَقْوِيَاءَ أَنْ نَحْتَمِلَ أَضْعَافَ الضُّعَفَاءِ وَلاَ نُرْضِيَ أَنْفُسَنَا.» (رومية15: 1)

«لِذَلِكَ إنْ كَانَ طَعَامٌ يُعْثِرُ أَخِي فَلَنْ آكُلَ لَحْمًا إلَى الأَبَدِ، لِئَلاَّ أُعْثِرَ أَخِي» (1كورنثوس8: 13). فيكمل هنا:

«فَإنْ كَانَ أَخُوكَ بِسَبَبِ طَعَامِكَ يُحْزَنُ، فَلَسْتَ تَسْلُكُ بَعْدُ حَسَبَ الْمَحَبَّةِ» (رومية14: 15). فيطلب من الأقوياء أن يتركوا أكْل ما ذُبِح للأوثان وأكْل لحم الخنزير، لا لأن هذه اللحوم نجسة في ذاتها إنما لكي لا نُعثِرَ الضعفاء أو نُشَكِّكهم. فمن أجل محبتنا لهم لا نُريِدُ أن نُسَجِّسَ ضمائرَهم. ويكرر المعنى: «لاَ تُهْلِكْ بِطَعَامِكَ ذلِكَ الَّذِي مَاتَ الْمَسِيحُ لأَجْلِهِ» ولأننا إن أكلنا من هذه اللحوم مع أنه جائز، لكن لا يُساوي إطلاقًا أن نُهلِك (نُشَكِّكهم ونُسقِطَهم في الإدانة) أخوتنا الضعفاء (مَنْ مَاتَ الْمَسِيحُ لأَجْلِهِم). وهكذا ظهر أن الحديث هنا ليس عن الصوم، بل عن الخلاف حول اللحوم النجسة وغير النجسة، وكيف حَسَمَ مار بولس هذا الخلاف.

ونجِد الموضوع نفسه في (1كورنثوس10: 23-33)

«كُلُّ الأَشْيَاءِ تَحِلُّ لِي لَكِنْ لَيْسَ كُلُّ الأَشْيَاءِ تُوافِقُ... كُلُّ مَا يُبَاعُ فِي الْمَلْحَمَةِ كُلُوهُ غَيْرَ فَاحِصِينَ عَنْ شَيْءٍ مِنْ أَجْلِ الضَّمِيرِ. وَإنْ كَانَ أَحَدٌ مِنْ غَيْرِ الْمُؤْمِنِينَ يَدْعُوكُمْ فَكُلُّ مَا يُقَدَّمُ لَكُمْ كُلُوا مِنْهُ غَيْرَ فَاحِصِينَ مِنْ أَجْلِ الضَّمِيرِ. وَلَكِنْ إنْ قَالَ لَكُمْ أَحَدٌ: "هَذَا مَذْبُوحٌ لِوَثَنٍ" فَلاَ تَأْكُلُوا مِنْ أَجْلِ ذَاكَ الَّذِي أَعْلَمَكُمْ وَالضَّمِيرِ... أَقُولُ الضَّمِيرُ لَيْسَ ضَمِيرَكَ أَنْتَ بَلْ ضَمِيرُ الآخَرِ. لأَنَّهُ لِمَاذَا يُحْكَمُ فِي حُرِّيَّتِي مِنْ ضَمِيرِ آخَرَ؟. فَإنْ كُنْتُ أَنَا أَتَنَاوَلُ بِشُكْرٍ فَلِمَاذَا يُفْتَرَى عَلَيَّ لأَجْلِ مَا أَشْكُرُ عَلَيْهِ؟... كُونُوا بِلاَ عَثْرَةٍ لِلْيَهُودِ وَلِلْيُونَانِيِّينَ وَلِكَنِيسَةِ اللهِ. كَمَا أَنَا أَيْضًا أُرْضِي الْجَمِيعَ فِي كُلِّ شَيْءٍ غَيْرَ طَالِبٍ مَا يُوافِقُ نَفْسِي بَلِ الْكَثِيرِينَ لِكَيْ يَخْلُصُوا»

إنما نحن في الصوم لا نبتَعِد عن اللحوم من أجل نجاستها.

أما قول الرسول «لَيْسَ مَلَكُوتُ اللهِ أَكْلًا وَشُرْبًا» فلا يُقصَد به موضوع الصوم، فالرسول الذي قال هذا هو الذي صام مرارًا كثيرة (2كورنثوس11: 27). وأمر بحفظ النسك في الصوم (1كورنثوس7: 5).

الصوم وآية: «الطَّعَامَ لاَ يُقَدِّمُنَا إلَى اللهِ»

الدليل الكتابي للإيمان الأرثوذكسي - ج1 كتب القمص يوحنا فايز زخاري

الصوم وآية: «لَيْسَ مَا يَدْخُلُ الْفَمَ»

---