بقى بعض الغربيين ألي فترة طويلة يتطلعون إلى "التقليد" على أنه طاعة عمياء للماضي وتمسك بوديعة سلبية جامدة. بهذا يكون التقليد -في نظرهم- أشبه بفهرس ثمين لمجموعة من التقاليد القديمة والقوانين والطقوس، أو قل متحف يضم ما هو قديم. بهذا يحسبون الكنيسة التقليدية كنيسة جامدة رجعية ترتبط بالقديم لمجرد قدمه.
وإنني في هذا الكتاب البسيط أود أن أوضح مفهومنا للتقليد من خلال الكتاب المقدس وفكر الآباء وحياتنا الكنسية العملية.
كلمة "تقليد" في اليونانية παραδόσεις كما وردت في العهد الجديد Paradosis وهي لا تعني "المحاكة imitation"، إنما جاءت مشتقة من الفعل الأصل paradidomiالذي يعني "يعهد بشيء لآخر, أو "يسلم شيئًا يدًا بيد". والفعل المقابل والملازم هو paralambano أي "يتقبل الشيء" أو "يستلمه".
واللفظان اليونانيان السابقان يقابلهما في العبرية التعبيران nasar أو يودع أو يسلم وqibbel أي يقبل الشيء أو يتسلمه[1].
بهذا فأن التقليد لا يعني مجرد "محاكاة الماضي"، بل حسبما جاء في الكتاب المقدس هو تسليم وديعة واستلامها، جيل يودع إيمانًا وآخر يتقبله.
ما هي مادة التقليد المسيحي؟ أو ما هي الوديعة التي تقبلتها الكنيسة وحافظت عليها عبر الأجيال؟
في الحقيقة لم يودع الرب "كتابًا" بين تلاميذه ورسله، بل بالحري أعد رجالًا يتبعونه ويقبلونه ساكنًا في قلوبهم. لقد أنصتوا إليه وهو يعلم، وتبعوه أينما حل، رأوه يصلي, يهب راحة للشعب، يعامل الخطاة بلطف، يشفي المرضى ويقيم الموتى، رأوه يقيم العشاء الأخير ويهبهم السلام بعد قيامته. وأخيرًا أرسل إليهم روحه القدوس لا ليذكرهم بكلماته وليسندهم ليكونوا مقتفين خطواته فحسب بل بالحري لكي ينعموا بالاتحاد معه ويشاركوه حياته الإلهية.
هذا هو جوهر تقليدنا: إنه "الاتحاد مع السيد المسيح خلال الروح القدس". فإن الله الآب قدم أبنه لنا، وقدم الابن حياته لنا (غلا 20:2؛ أف 2:5).
هذا هو التقليد: "الإيمان المسلم مرة للقديسين" "يه3", أو"الإنجيل"مكتوبًا في حياتنا ومنقوشًا في قلوبنا. أنه بالأمر الحي، تسلمناه بواسطة الرسل الذين سلموه لتلاميذهم بعمل الروح القدس، الشاهد للسيد المسيح في حياة الكنيسة, وموحدها مع مخلصها.
بمعني آخر، أن عملية النقل أو التسليم لم تتم بواسطة كتابات الرسل فحسب، بل بالحري قد تحققت بواسطة الروح القدس، الذي قاد مشاعرهم وعبادتهم وسلوكهم وكرازتهم، كما ذكرنا أيضًا هنا في موقع الأنبا تكلا هيمانوت في أقسام أخرى. لقد وهبهم الحياة الجديدة التي هي "الحياة في المسيح" في حياة الكنيسة خلال الأجيال المتعاقبة، إذ هو على الدوام يعيش في الكنيسة ويعمل دومًا فيها- أمس واليوم وغدًا، يوحي لها بحياتها، ويجعل منها استمرارًا للحياة والإيمان والحب، وليس تكرارًا آليًا للماضي[2].
هكذا فان التقليد هو تيار الحياة الواحدة للكنيسة، يحمل الماضي بكل صوره حاضرًا حيًا، ويمتد بالحاضر نحو الغد بغير انحراف.
هذا هو جوهر التقليد الذي نركز عليه عند دراستنا لمحتوياته، التي هي:
رسالة الإيمان بالثالوث القدوس وعمل الله الخلاصي.
أعمال السيد المسيح وأقواله.
أسفار العهد القديم.
المنهج الروحي والسلوكي في المسيح يسوع.
منهج العبادة: مفهومه ونظامه.
_____
[1] F.F. Bruce: Tradition: Old and New, Michigan 1975, p20,21.
[2] O’Brein of The Convergence of Tradition, p22.
الكتاب المقدس: بحث، تفاسير | القراءات اليومية | الأجبية | أسئلة | طقس | عقيدة | تاريخ | كتب | شخصيات | كنائس | أديرة | كلمات ترانيم | ميديا | صور | مواقع
https://st-takla.org/books/fr-tadros-malaty/tradition/tradition.html
تقصير الرابط:
tak.la/cn982fn