لم يعين
عالمًا خاصًا كمستعمرة للصالحين
1. نفع الصالحين من الأشرار
2. نفع الأشرار من الصالحين
ليكن قصدك حسنًا، فلا
تخاف حتى من الشيطان
الحاجة إلى خميرة صغيرة
لماذا تتهم سيدك؟
على هذا الأساس سمح الله للأشرار أن يختلطوا بالصالحين. ولم يعين عالمًا خاصًا كمستعمرة للصالحين، بل مزج هؤلاء بأولئك مقدمًا نفعًا عظيمًا.
يتزكى الصالحون بالأكثر عندما يكونون في وسط أولئك الذين يريدون أن يصدوهم عن حياة البرّ، ويجذبوهم نحو الشر، وبالرغم من هذا يتمسكون بالفضيلة. يقول (الرسول): "لأنه لا بد أن يكون بينكم بدع أيضًا، ليكون المزكون ظاهرين بينكم" (1 كو 11: 19).
لهذا ترك الله الأشرار في العالم حتى يزداد لمعان الصالحين. هل رأيتم عظم الربح؟! لكن لا يعود هذا الربح إلى الأشرار، بل إلى شجاعة الصالحين.
لهذا نعجب أيضًا من نوح، ليس لأنه بار، ولا لأنه وُجِدَ كاملًا، بل لأنه احتفظ بفضيلته وسط جيل فاسد وملتو. لم يكن له مثال في الفضيلة (يقتدي به)، بل كان الكل يدفع به نحو الشر. فسلك الطريق مناقضًا الكل. وكأنه مسافر يسلك طريقًا وسط جموع حاشدة تصده بشدة. لهذا السبب لم يقل عنه "كان نوح رجلًا بارًا وكاملًا" فحسب، بل أضيف أيضًا: "في أجياله" أي في جيل فاسد ومنحل، حيث لا يوجد من يملك الفضيلة.
فبالنسبة للصالحين، هذا هو ما ينتفعون به من الأشرار.
على أي الأحوال، فإنه حتى الأشجار عندما تهاجمها الرياح المضادة تزداد قوة.
يوجد نفع للأشرار من مخالطتهم للصالحين. فإنهم يشعرون بالخزي ويكتنفهم العار، ويستحون من حضرتهم. فإن لم يكفوا عن الشر، يرتكبون الشر الذي يتجاسرون عليه خفية. وارتكاب الشر علانية ليس بالأمر البسيط.
إن حياة الآخرين (الصالحة) تتهم شرورهم. اسمع على الأقل ماذا يقولون عن الإنسان البار: "بل منظره ثقيل علينا" (حكمة 2: 15). وهذه البداية للإصلاح بأن يتعذبوا بحضوره ليست بقليلة. فلو لم يكن نظرهم البار يعذبهم، ما كانت قد قيلت هذه الكلمات. فإذ يكون الضمير منخوسًا ومعذبًا بحضور البار، فإن هذا ليس بعائق قليل عن انكبابهم على الشر بلذة.
هل رأيت عظم الفائدة التي يجتنبها الصالحون من الأشرار، والأشرار من الصالحين. لهذا فإن الله لم يفصلهم عن بعضهم البعض.
لنطبق هذا البرهان أيضًا على الشيطان. فان الله قد تركه هنا لكي نعود إلى حال أقوى، لكي يجعل المصارع واضحًا والنزاع عظيمًا.
فعندما يسألك أحد: لماذا ترك الله الشيطان هنا؟ أجبه بهذه الكلمات، إنه ليس فقط لا يؤذي الشيطان إنسانًا متيقظًا وحذرًا، بل ويفيده أيضًا، ليس بقصد الشيطان (الشرير)، بل بسبب شجاعة ذاك الذي يستغل شر الشيطان استغلال حسنًا.
هكذا حتى عندما ثبت أنظاره تجاه أيوب، لم يقصد أن يزداد أيوب شهرة، بل أن يحطمه، كما ذكرنا أيضًا هنا في موقع الأنبا تكلا هيمانوت في أقسام أخرى. على هذا الأساس، الشيطان شرير من جهة أفكاره ومقاصده، ولكنه لم يقدر أن يصد الإنسان البار، بل بالعكس في المعركة ازدادت بهجة (أيوب) كما ظهر بعد ذلك. لقد أظهر الشيطان شره، وأظهر الرجل البار شهامته.
قد يقول قائل: لكنه أسقط كثيرين! هذا بسبب شرهم، وليس (لمجرد) قوته الخاصة، وهذا يظهر من أمثلة كثيرة.
لتكن نيتك صالحة، فلن يؤذيك أحد قط، بل تنال ربحًا عظيمًا، لا من الصالحين فحسب، بل ومن الأشرار أيضًا. فإنه على هذا الأساس -كما سبق أن قلت- سمح الله للناس أن يبقوا مع بعضهم البعض وبالأخص الأشرار مع الصالحين، حتى يجذبهم إلى الفضيلة التي لهم.
اسمع أخيرًا ماذا يقول السيد المسيح لتلاميذه؟ "يشبه ملكوت السموات خميرة أخذتها امرأة وخبأتها في ثلاثة أكيال دقيق" (مت 13: 33). هكذا للأبرار قوة الخميرة في تحويل الأشرار إلى سلوكهم (الصالح).
الأبرار قليلون كالخميرة الصغيرة. إلا إن الصغير لا يُضر بحال الجموع، بل تحول الكمية الصغيرة العجين كله بفعل القوة الكامنة فيها. هكذا تكمن قوة الأبرار ليس في كثرة العدد، بل بنعمة الروح القدس.
لقد كانوا اثني عشر تلميذًا. هل رأيت كيف كانت الخميرة صغيرة؟ وكان العالم كله غير مؤمن. هل رأيت مقدار عظم الجموع؟ ولكن هؤلاء الاثني عشر غيَّروا العالم كله إليهم (ليكونوا مثلهم).
الخميرة والعجين من نفس الطبيعة، لكن ليس لهما نفس السلوك. لهذا ترك الأشرار وسط الأبرار مادام لهم نفس الطبيعة، حتى يصير لهم نفس هدف الصالحين.
تذكر هذه الأمور، حتى تسد بها أفواه الكسالى والفاسقين والمتراخين وكارهي أعمال الفضيلة، هؤلاء الذين يتهمون سيد الكل.
أنت أخطأت. اصمت، ولكن "أخطأت؟ فلا تزيد أيضًا" (سي 21: 1). فليست هناك خطية أشر من أنك بعدما تخطئ تتهم السيد.
اعرف علة الخطية فستجد أنه لم يخطئ أحد إلا أنت.
الحاجة إلى القصد الصالح في كل وضعٍ. وأنا أظهر لكم هذا لا عقليًا فحسب، بل وبأمثله من العبيد رفقائكم السالكين في العالم ذاته. استخدموا أنتم هذه الوسيلة أيضًا...
هل أحد زان؟ قدِّم له إنسان آخر ضابط لنفسه.
هل أحد طماع وجشع؟ أره إنسانًا يعطي صدقات.
هل يعيش في غيرة وحسد؟ عرفه إنسانًا نقي من هذا الألم.
هل هو مغلوب من الغضب؟ احضر إلى الوسط إنسانًا يسلك بحكمة.
يليق بنا ألا نقدم مثلًا قديمًا، بل أمثلة من الوقت الحاضر، لأن نعمة الله حتى اليوم تفعل أعمالًا حسنة لا تَقِل عن القديم.
هل هناك شاكِ يظن أن الكتاب المقدس باطل؟
أفلا يصدق أن أيوب كان هكذا؟ قدِّم له إنسانًا يسلك مثل ذلك البار.
هكذا أيضًا عندما يديننا السيد، فإنه يضع العبيد مع رفقائهم العبيد، ولا يقدم عبارة حسب حكمه الخاص[11]، حتى لا يقول أحد مرة أخرى كما قال ذاك العبد الذي لم يكن أمينًا في الوزنة فقدم اتهامًا بدلًا من أن يقدم وزنة، قائلًا: "إنك إنسان قاسٍ" (مت 25: 24).
كان يلزمه أن يحزن، لأنه لم يضاعف الوزنة، لكنه جعل خطيته أكثر خطورة، بأن رد كسله الخاص متهمًا السيد. لأنه ماذا قال؟ "عرفت أنك إنسان قاسٍ".
يا لك من إنسان بائس وشرير وناكر للجميل وكسلان! كان يلزمك أن تدين إهمالك... لكنك إذ تدين السيد تضاعف خطاياك بدلًا من أن تضاعف وزنتك.
_____
[11] إنما يترك الأشرار يدانون بنظرهم الأبرار، فلا يكون لهم حجة.
الكتاب المقدس: بحث، تفاسير | القراءات اليومية | الأجبية | أسئلة | طقس | عقيدة | تاريخ | كتب | شخصيات | كنائس | أديرة | كلمات ترانيم | ميديا | صور | مواقع
https://st-takla.org/books/fr-tadros-malaty/satan/separation.html
تقصير الرابط:
tak.la/8ryz98y