St-Takla.org  >   books  >   fr-tadros-malaty  >   patristic-social-line
 

مكتبة الكتب المسيحية | كتب قبطية | المكتبة القبطية الأرثوذكسية

كتاب الخط الاجتماعي عند آباء الكنيسة الأولى - القمص تادرس يعقوب ملطي

38- وضع الجيش الروماني قبل قسطنطين

 

كانت الكنيسة في الشرق والغرب تحمل فكرًا انقضائيًا حيَّا، فالكل يترقب مجيء السيد المسيح الأخير بفرحٍ وبهجة قلبٍ، مما دفع المؤمنين إلى تنازلات كثيرة بفرحٍ من أجل المجد المنتظر، ولاجتذاب الوثنيين بالحب واللطف إلى الحياة الإيمانية الحيّة، مهما كانت التكلفة.

اتسم المسيحيون بحبهم للبشرية كلها، حتى للمقاومين والمضطهدين لهم. غير أن كثيرًا من القادة والشعب كانوا يرفضون أو على الأقل لا يستريحون للالتحاق بالجيش الروماني، ليس عن كراهية للجيش، ولا عن عصيان للسلطات، وإنما لأجل سمات الجيش في تلك الأوقات، وهي:

1. لم تكن الجيوش الرومانية في فترات كثيرة منشغلة بالدفاع عن الإمبراطورية الرومانية قدر ما كانت تكرس أغلب طاقاتها لتحطيم الإيمان المسيحي وإبادة المسيحيين أو إلزامهم بالعبادة الوثنية. وكما يقول Roland H. Bainton في بحثه "الكنيسة الأولى والحرب":

[خطر العبادة الوثنية في الخدمة العسكرية كان حقيقة واقعة.

تأليه الإمبراطور والتعبد له كان شائعًا في المعسكرات. وكان القادة يُدعون لتقديم الذبائح. على الأقل كان الأخصاء يدعون للاشتراك (مع الإمبراطور).

وضع العلامة أوريجينوس العبادة الوثنية مع اللصوصية كخطايا عامة كانت في الجيش[2].]

St-Takla.org Image: Goddess Victoria riding on quadriga (chariot drawn by four horses), statue, - Museum of the Risorgimento (Museo del Risorgimento), Rome, Italy. At the Altare della Patria (Altar of the Fatherland) monument, that was completed on 1925. - Photograph by Michael Ghaly for St-Takla.org, September 21, 2014. صورة في موقع الأنبا تكلا: تمثال الإلهة فكتوريا إلهة النصر تمتطي مركبة كوادريجا (كوادريغا - والتي تجرها خيول أربعة) - صور متحف الريزورجيمينتو (الوحدة الإيطالية)، روما، إيطاليا. وهو موجود في النصب التذكاري مذبح الآباء (ألتاري ديلا باتريا) الذي تم انتهاء العمل به عام 1925. - تصوير مايكل غالي لموقع الأنبا تكلاهيمانوت، 21 سبتمبر 2014.

St-Takla.org Image: Goddess Victoria riding on quadriga (chariot drawn by four horses), statue, - Museum of the Risorgimento (Museo del Risorgimento), Rome, Italy. At the Altare della Patria (Altar of the Fatherland) monument, that was completed on 1925. - Photograph by Michael Ghaly for St-Takla.org, September 21, 2014.

صورة في موقع الأنبا تكلا: تمثال الإلهة فكتوريا إلهة النصر تمتطي مركبة كوادريجا (كوادريغا - والتي تجرها خيول أربعة) - صور متحف الريزورجيمينتو (الوحدة الإيطالية)، روما، إيطاليا. وهو موجود في النصب التذكاري مذبح الآباء (ألتاري ديلا باتريا) الذي تم انتهاء العمل به عام 1925. - تصوير مايكل غالي لموقع الأنبا تكلاهيمانوت، 21 سبتمبر 2014.

توجد حقيقة هامة وهي أنه منذ نيرون (54-68) إلى قسطنطين (306-337) كانت ممارسة الحياة المسيحية غالبًا ما تُعتبر جريمة عقوبتها الموت. بالنسبة للمسيحي يستطيع الإنسان المدني الهروب بطريقة أسهل من الجندي المسيحي. إذ لم يكن ممكنًا للجندي أن يتخلف عن ممارسة العبادة الوثنية. لهذا فإن نسبة الشهداء الجند والقادة تُعتبر مرتفعة عنها بين المدنيين وإن كانت نسبة تعداد العسكريين المسيحيين قليلة. أحيانًا يجد الجندي المسيحي نفسه مدعوًا لكي يشترك في قتل زملائه المسيحيين بالأمر[3]. هذا ما دعي الأساقفة والكهنة ألا يشجعوا الشبان المسيحيين علي الالتحاق بالجيش.

يري Harnack أن الذين اعتمدوا كانوا يتحاشون الالتحاق بالجيش ما استطاعوا. لكن الذين قبلوا الإيمان وهم في الجيش تبعوا وصية الرسول: "الدعوة التي دُعي فيها كل واحدٍ، فليلبث فيها" (1 كو 20:7)[4].

2. كان ضمير المسيحيين يعذبهم، لأن الجيش الروماني اتسم بالعنف واغتصاب الغير والتهور. هذا ولم يكن يُسمح للجنود أن يعيشوا في حياتهم الزوجية أو أن يتزوجوا، لهذا كان أمامهم أحد اختيارين: أما العفة الإلزامية أو الزنا[5].

3. يرى البعض أن الكنيسة الأولى كانت تحث المؤمنين على عدم الاشتراك في الجيش، لأنها كانت ترفض الدخول في الحياة السياسية[6]. فقد ركزت الكنيسة الأولى على انتساب المسيحيين للوطن السماوي، وأنهم غرباء ونزلاء على الأرض، لهذا لم يطلبوا وطنًا خاصًا بهم، ولا جيشًا يحميهم.

* إن كنت تسجل نفسك كعضوٍ في شعب الله، فإن السماء هي موطنك، والله هو مُشرعك. وما هي شرائعه؟.. لا تقتل.. حب قريبك كنفسك.. من لطمك على خدك حوّل له الآخر[7].

القديس إكليمنضس السكندري

في رد العلامة أوريجينوس بن لاونديوس الشهيد على صلسس كتب: [مجلس الشيوخ الروماني، والأباطرة المتعاقبون، والجيش، والشعب، وأقرباء المؤمنين من الدرجات الأولى، الكل يتآمرون لتدمير الكنيسة[8].]

كما كتب معلمه القديس إكليمنضس السكندري عن اضطهاد الدولة الرومانية للمسيحيين لا لجريمة ارتكبوها وإنما لأجل إيمانهم.

* إنهم يضطهدوننا ليس لأننا فعلة شر، لكنهم يظنون إنّنا كمسيحيين نخطئ ضدّ الحياة وإنّنا نعمل ضدّ أنفسنا[9]..

* الرب وحده -من أجل البشريّة التي أساءت إليه وعصت- شرب الكأس. وإذ امتثل به الرسل وأرادوا أن يكونوا غنوسيّين (أصحاب معرفة) حقيقيين وكاملين، قدّموا حياتهم من أجل الكنائس التي أسّسوها. هكذا يليق بالغنوسيّين الذين يقتفون أثر الرسل أن يكونوا بلا خطيّة، وبسبب حبّهم للرب يحبّون قريبهم حتى إذا ما حدثت ضيقة يحتملونها بغير تملّق، ويشربون الكأس من أجل الكنيسة..[10]

القديس إكليمنضس السكندري

استعرض أوريجينوس كيف قاوم العالم كله كلمة المسيح، كما ذكرنا أيضًا هنا في موقع الأنبا تكلا هيمانوت في مواضِع أخرى. وخرج بالنتيجة التالية: [مع هذا فإن كلمة الله غلبت، لا يمكن أن تُوضع حواجز في طريقها. في الواقع هذه المقاومة عينها جعلتها أكثر حيوية[11].] كما يقول: [كلما ضايق الحكام وأصحاب السلطات والشعب المسيحيين في كل المجالات نموا بالأكثر، عددًا وقوة.[12]]

تؤكد الرسالة إلى ديوغنيتس أن الاستشهاد لم يحطم المسيحية، بل به زاد عدد المسيحيين[13].

ويقول العلامة ترتليان إن دم الشهداء هو بذرة المسيحيين[14].

* بقدر ما نحن مُضطهدون، يزيد عدد المؤمنين بالمسيح. فعندما تُقَّلم أغصان الكرمة التي تثمر، تزيد تفرّعًا، وتزهر، وتثمر أكثر. هكذا نحن، شعب المسيح، الكرمة التي زرعها إلهنا ومخلصنا يسوع[15].

الشهيد يوستين

* لا يرتعب أحدكم أيها الإخوة الأعزاء المحبوبون بالخوف من الاضطهاد القادم، أو من مجيء ضد المسيح الذي يهدد، حيث لا يوجد سلاح ضد كل الأمور غير النصائح الإنجيلية، والوصايا والتحذيرات السماوية.

ضد المسيح قادم، لكن المسيح يغلب.

العدو يقترب ويثور، ولكن الرب الذي يبرئ آلامنا وجراحاتنا يتبعنا.

المقاوم في غضب يهدد، لكنه يوجد الذي يحررنا من يديه[16].

* يقول إن ما ننطق به ونجيب به (وقت الضيق) يوهب لنا في تلك الساعة من السماء التي تمدنا، فلا نتكلم نحن بل روح الله الذي لا يفارق من يعترفون به، ولا ينفصل عنهم، بل يتكلَّم فيهم ويتّوج فيهم.

* إن عمله هو أن نغلب وننال النصرة بإخضاع العدو في الصراع العظيم[17].

* لا يعطي أحد اهتمامًا للمخاطر التي يجلبها الشيطان في الاضطهادات، بل بالأحرى يهتم بالعون الذي يقدمه لنا الله. ليته لا يرتبك الذهن بالمصيبة البشرية بل بالأحرى يتقوى الإيمان بالصون الإلهي، فإنه حسب الوعد الإلهي كل واحدٍ ينال من الله عونًا حسب إيمانه، إن آمن أنه ينال. لا يوجد شيء ما لا يستطيع القدير أن يهبه إن لم يعوقه عدم الإيمان من جانب الذي يستقبل العون[18].

الشهيد كبريانوس

_____

الحواشي والمراجع لهذه الصفحة هنا في موقع الأنبا تكلاهيمانوت:

[2] Everett Ferguson, Scholer and Finney: Studies in Early Christianity, vol. 16, Christian Life: Ethics, Morality, and Discipline in the Early Church, p. 200-201.

[3] Everett, p.227

[4] cf. A. Von Harnack: Militia Christi: The Christian Religion and the Military in the First Three Centuries, Philadelphia 1981.

[5] Everett, p. 227.

[6] Everett, p. 200.

[7] Protrepticus, 10.

[8] Contra Celsum 1: 3.

[9] Strom. 4:11.

[10] J. Danielou: The Christian Centuries, vol 1, P 126; Strom. 4:9.

[11] Contra Celsum 1: 27.

[12] Contra Celsum 7: 26

[13] Ad Diogn., 7.

[14] Tertullian: Apology 1: 13.

[15] الحوار مع اليهودي تريفون، 10 (راجع ترجمة الأب جورج رحمة).

[16] Letter 58 to the people abiding in Thibaris, 7.

[17] Ep 55: 5; 76:5.

[18] De Exhortatione Martyrum PL 4:664 ff.


الكتاب المقدس: بحث، تفاسير | القراءات اليومية | الأجبية | أسئلة | طقس | عقيدة | تاريخ | كتب | شخصيات | كنائس | أديرة | كلمات ترانيم | ميديا | صور | مواقع

https://st-takla.org/books/fr-tadros-malaty/patristic-social-line/roman-army.html

تقصير الرابط:
tak.la/bss57r7