(6) القديسة مريم مثال العذارى
يُمَثِّل آباء الإسكندرية اتجاهين مريميِّين: اتجاه لاهوتي وآخر نُسكي، كما ذكرنا أيضًا هنا في موقع الأنبا تكلا هيمانوت في مواضِع أخرى. ففي كل فترة يهدأ فيها الاضطهاد يلعب الجانب النسكي دورًا مرموقًا في حياة المصريين، فيُفَضِّل الرجال الحياة في الصحراء، بينما تسكن الفتيات في بيوت خاصة بالمدن. وكان من الطبيعي أن تُقدَّم القديسة مريم لهؤلاء الفتيات كمثالٍ عظيم يقتدين به. وكانت العذارى يُصوِّرن إيَّاها مثالًا لهن كعذراء العذارى. وفي القرن الثاني نجد العلامة أوريجينوس يقول: [يبدو أنه من غير اللائق أن نحسب إنسانًا آخر غير العذراء كبكر للبتولية المسيحية[143].] وفي خطاب ألكسندروس بابا الإسكندرية الذي أورده القديس أثناسيوس يخاطب العذارى قائلًا: [سلوك مريم كمثالٍ هو نموذج للحياة اللائقة بالسماء (أي البتولية) وصورة لها[144].]
وفي خطاب وجهَّه القديس أثناسيوس للعذارى، لا يزال محفوظًا بالقبطية يتحدَّث عن القديسة مريم كنموذج العذارى، مُقَدِّمًا وصفًا لحياتها أقرب إلى مثال لحياة العذراء، إذ يقول:
[كانت مريم عذراء نقية تحمل تفكيرًا منسجمًا. لقد أَحَبَّت الأعمال الصالحة...
لم تكن تريد أن يراها الرجال، بل سألت الله أن يختبرها...
كانت تلازم بيتها على الدوام، تعيش حياة العزلة مقتدية بالنحلة...
وزَّعت على الفقراء بسخاء كل ما تبقَّى لها من عمل يديها...
كانت تصلي لله في وِحدة لأمرين: لكيلا يوجد فكر رديء له جذر في قلبها، ولكيلا يكون قلبها متجاسرًا أو قاسيًا...
حديثها هادئ وصوتها خافت... تشتاق أن تتقدَّم من يومٍ إلى يومٍ، وهكذا كان يحدث...
إذ تستيقظ كل صباحٍ، تسعى أن تُقَدِّم عملًا جديدًا عما سبق.
لم تكن تخاف الموت، بل بالحري كانت تتنهَّد حزينة كل يومٍ أنها لم تعبر بعد إلى مواضع السماء[145].]
وأشار القدّيس أمبروسيوس إلى رسالة القديس أثناسيوس للعذارى قدَّمت صورة جميلة للعذراء مريم كمثال للعذارى[146]، في كتابة [147] "De Virginibus" فمدح فيها تواضعها وصمتها واعتدالها في الكلام، وخُلوتها، وغيرتها العذراوية لحفظ سمعتها، ووداعتها، ومثابرتها في قراءة الكتاب المقدس (التوراة)، واحترامها للآخرين، وعملها، وبصورة أخص إيمانها وورعها.
لقد ختم مقاله قائلًا: [هوذا أمام أعينكم صورة لحياة مريم البتولية التي تضيء ببهاء العفة وشكل الفضيلة كما من مرآة.]
ويروي القدِّيس غريغوريوس النزينزي في مقالٍ ألقاه عام 379 م. بالقسطنطينية، كيف أن القديسة الشهيدة والعذراء يوستينة إذ واجهت الموت مع الساحر كبريانوس الذي اِعتنق المسيحية على يديها، التجأت إلى السيد المسيح عريسها كحامي بتوليتها وتوسلت إلى القديسة مريم "كعذراء في خطر" تتطلع إلى شفيعة العذارى[148].
_____
[143] Origen: In Mat. Com. 10:17. PG 13:878a.
[144] Hilda Graef: Mary a History of Doct. And Devotion, London 1963 P. 50.
[145] Letter to Virgins 89-91.
[146] C.W. Newmann: The Virgin Mary in the works of St. Ambrose, Switzerland, 1962, P. 38; Lefort: Athanase, Ambroise et Chenoute, "Sur La Virginite" in Museon, vol. 48, 1935, P. 55f.
[147] Book 2.
[148] Oratione 24:19. PG 35:1180c.
الكتاب المقدس: بحث، تفاسير | القراءات اليومية | الأجبية | أسئلة | طقس | عقيدة | تاريخ | كتب | شخصيات | كنائس | أديرة | كلمات ترانيم | ميديا | صور | مواقع
https://st-takla.org/books/fr-tadros-malaty/mary-1-orthodox-faith/symbol-for-virgins.html
تقصير الرابط:
tak.la/vd6h5am