كانت الفتاة البتول في العهد القديم، التي لم تُتَح لها فرصة الزواج، وبالتالي لا تتمتَّع بالأمومة، في موقف السيدة العاقر، في حالٍ لا تُحسَد عليه، تحمل علامة غضب الله. أما في العهد الجديد فإن "العذراء" المرة الوحيدة والتي لم تحدث ولن تحدث تنجب "المسيَّا"، فلم تعد بتوليتها عارًا، إذ حملت ثمرًا بالروح القدس. هكذا صارت البتولية علامة التصاق الله بالإنسان، لهذا يدعو القديس بولس الكنيسة "عذراء المسيح"، وفي سفر الرؤيا يرمز لجموع المختارين الذين بلا عددٍ بالمئة أربعة وأربعين ألفًا بتولًا، يتبعون الحمل أينما ذهب (رؤ 14: 3-4).
هكذا ارتبطت البتولية بحياة القداسة، كما ذكرنا أيضًا هنا في موقع الأنبا تكلا هيمانوت في مواضِع أخرى. لا بمعنى أن كل بتول يُحسَب قديسًا، وكل قديس يلزم أن يكون بتولًا، لئلاَّ بهذا نُحقِّر من شأن الزواج المسيحي كَسرٍ مقدس. إنما نقصد أن بتولية الجسد، ما هي إلاَّ علامة للبتولية الروحية، فالبتولية في جوهرها تكريس كامل لله واتحاد مستمر معه بالمسيح يسوع. هي بتولية النفس والقلب والذهن والحواس والرغبات، ينعم بها المسيحيون بالروح القدس، مُقَدِّس نفوسنا وأرواحنا وأجسادنا، مهيِّئًا إيَّانا للعُرْسِ الأبدي.
* لا تُكَرَم البتولية من أجل ذاتها، وإنما لانتسابها لله[23].
* البتولية هي باب ضروري لحياة القداسة... هي القناة التي تجتذب اللاهوت للشركة مع الإنسان. إنها تُقَدِّم جناحين يسندان رغبة الإنسان في الانطلاق نحو السماويات. هي رباط الوحدة بين ما هو إلهي وما هو بشري، بواسطتها يتم التوافق بعد حدوث هوَّة عظيمة بينهما.
لقد تبرهن أن اتحاد النفس مع اللاهوت غير الفاسد لا يمكن أن يتحقَّق بطريق آخر مثل دخول الإنسان في هذه النقاوة العظمى. بهذا يتشبَّه الإنسان بالله لينال البتولية العاكسة لنقاوة الله كما في مرآة، فتمتزج صورته بالجمال خلال تلاقيه بالجمال الأمثل وتأمله فيه[24].
*
* (عظة في عيد الميلاد)
اليوم تحتفل الكنيسة البتول بالميلاد البتولي...
فقد أَكَّد السيد المسيح بتولية القلب التي يريدها للكنيسة أولًا خلال بتولية جسد مريم.
فالكنيسة وحدها هي التي تستطيع أن تكون بتولًا فقط حين ترتبط بالعريس، ألا وهو ابن البتول، إذ تقدم له ذاتها تمامًا[25].
* يلزم أن تكون بتوليتكم روحية...
حقًا لا يقدر كثيرون أن يكونوا بتوليين حسب الجسد، لكن يلتزم كل مؤمنٍ أن يكون بتولًا حسب الروح.
إذن تيقظي، تيقظي يا نفسي، واحرصي على بتوليتك!
* أُم السيد المسيح عذراء، وعروسه "الكنيسة" عذراء أيضًا[26].
* أما الآن، فإن حياة مريم هي مثال ينبغي أن تتمثَّلوا به، فمنها يُشرق جمال العفة ومثال كل فضيلةٍ كما من مرآةٍ[27].
_____
[23] De Sacr Virginitate 8. PL. 40:400.
[24] De Virginitate 2, 11.
[25] Sermon 178:4 PL 38:1005.
[26] De Virginibus 1:5:22 PL 16:195.
[27] Ibid 2:2:6 PL 16:208.
الكتاب المقدس: بحث، تفاسير | القراءات اليومية | الأجبية | أسئلة | طقس | عقيدة | تاريخ | كتب | شخصيات | كنائس | أديرة | كلمات ترانيم | ميديا | صور | مواقع
https://st-takla.org/books/fr-tadros-malaty/mary-1-orthodox-faith/spiritual.html
تقصير الرابط:
tak.la/8khs97x