وصف الأخطاء التي تنشا في خطية الكبرياء
الذهن الذي يتحجر بهذه المشاعر ويحمل في مستهل حياته مثل هذه البرودة البائسة لا بُد أن ينحدر يوميًا من سيئ إلى أسوأ وتكون نهاية حياته شنعاء. وبينما يجد لذة في شهواته الأولي، ويُغلب كما من جشع شرير، إذ يقول الرسول عنها: "الطمع الذي هو عبادة الأوثان" (كو 5:3) ويقول ثانية: "محبة المال هي أصل لكل الشرور" (1تي 10:6)، لا يستطيع أن يقتنى قلبيًا الاتضاع الصادق والحق الذي للمسيح. هكذا نجد مثل هذا الشخص يفتخر بنُبل مولده، أو ينتفخ بمركزه السامي في العالم (الذي هجره بالجسد لكنه مازال يتملك على ذهنه)، أو يفتخر بثرائه الذي يحتفظ به لتدميره. نتيجة هذا لا يروق له بعد أن يحمل نير الدير أو يتلقى إرشادات وتعاليم من أي أبٍ من الآباء. وليس فقط يعترض على تنفيذ أي قانون في خضوعٍ وطاعةٍ، بل ويرفض الإنصات لأي تعاليم عن الكمال.
ينمو مثل هذا النفور داخل قلبه حتى إن أثير مثل هذا الحديث لا يستطيع أن يركز نظره على نقطة واحدة، بل يجول بعينيه هنا وهناك بلا تعبير، وهذه هي عادة مثل هؤلاء. وأيضًا نجده يفتعل السعال، ويفرقع أصابعه، ويعبث بهم ويخربش مثل إنسان يكتب، ويتململ في جلسته، ويحرك ساقيه بحركات عصبية، فتظنه في جلوسه وسط هذا المجال في الأحاديث الروحية وكأنه جالس على أشواك، بل وعلى أشواك حادة جدًا، أو وسط كمٍ من الديدان.
وإذا أُدير الحديث ببساطة عن شيء ما ذي نفع للسامعين يتوهم أن هذا قد جاء ذكره في الحديث عمدًا من أجل نصحه هو وإرشاده. وكلما استرسل الحديث من أجل اختبار الحياة الروحية يظل مأخوذًا بأفكار الشك والريبة ولا يهتم بأن ينتفع بالحديث لبنائه الروحي. وللأسف كل ما يهمه هو البحث عن السبب وراء ما قيل، أو يدور في ذهنه كيف يثير اعتراضات على ما يقال، فلا يخرج بشيء من كل ما يُقال للمنفعة. فتكون النتيجة عكسية، إذ يصيبه الضرر عوضًا عن النفع، وتصير له فرصة لخطية أعظم.
← انظر كتب أخرى للمؤلف هنا في موقع الأنبا تكلا هيمانوت.
وبينما يُنخس ضميره ويتوهم أنه هو المُستهدف في كل ما قيل يزداد بالأكثر عناد قلبه، وتشتد استجابته لوخزات الغضب، فيعلو صياحه، ويصير حديثه خشنًا، وإجاباته مرة ومزعجة، ويمشي بخيلاء وبحسب هواه. وتصير الكلمات حاضرة على لسانه ويتقدم في الحديث، إذ لا يكون الصمت صديقه إلا عندما يرعى في قلبه شيئًا من المرارة تجاه أخٍ ما. وهذا الصمت حينئذ لا يُنبئ بالندم أو الاتضاع، بل بالكبرياء والغضب. فمن الصعب أن تحكم أي الأمرين فيه هو الكريه بالأكثر، هل هو القصف الصاخب بلا ضابط، أم رزانته المميتة المرعبة. ففي الأولي نرى ثرثرة في غير محلها وضحكًا عابثًا وداعرًا ومرحًا غير منضبط وبلا نظام، وفي الأخيرة نجد صمتًا مملوء غضبًا ومُرعبًا، ناشئًا ببساطة عن الرغبة في الاستمرار في مشاعر الحقد إلى أطوال أمد. هذه المشاعر التي تترعرع في صمت ضد بعض الأخوة وليس عن رغبة في اقتناء فضيلة الاتضاع والصبر.
الإنسان الذي يصير فريسة للغضب الشديد يثير في نفوس الآخرين البؤس والقنوط. إنه ليس فقط يستحي أن يعتذر لأخيه الذي أساء إليه، بل وحين يتقدم الأخر للاعتذار له يرفض ذلك وينتهره. فإن مبادرة الإخوة لا تليِّن قلبه ولا تمسه، بل بالأحرى تثير غضبه بالأكثر، إذ يسبقه أخوه ويفوقه في فضيلة التواضع. وفي العادة يصير هذاالتواضع الكامل للغير والاعتذار الذي يُقدم لكي يضع حدًا للتجربة الشيطانية بالنسبة له فرصة لانفجار الغضب.
الكتاب المقدس: بحث، تفاسير | القراءات اليومية | الأجبية | أسئلة | طقس | عقيدة | تاريخ | كتب | شخصيات | كنائس | أديرة | كلمات ترانيم | ميديا | صور | مواقع
https://st-takla.org/books/fr-tadros-malaty/john-cassian/institutes-pride-sin.html
تقصير الرابط:
tak.la/xvhz796