الفصل الأربعون
عن الصبية الذين إذ أعطوا إنسانًا مريضًا بعض التين
ماتوا من الجوع في البرية دون أن يذوقوه
قدمنا في هذا الجزء من الكتاب للحديث عن صرامة الصوم والامتناع عن الطعام، واختلط الحديث بسرد بعض أعمال المحبة الحانية. نعود لنسجل عمل محبة على نمط منهجنا، وهو عمل يستحق الإشارة إليه عن مجموعة من الصبية صغار في العمر لكنهم ليسوا كذلك في المشاعر.
جاء أحدهم ببعض التين للأب يوحنا المدبر في برية الإسقيط، وقد أثار هذا التين دهشة عظيمة، إذ جاء من ليبيا مريوط [3] Libya Mareotis، ولم يره أحد قط في هذه المناطق. وكان الأب يوحنا هو المدبر في الكنيسة في أيام القديس الأنبا بفنوتيوس[4] وقد عهد إليه بهذه المهمة. بادر على الفور بإرسال التين على يد غلامين لشيخ مسن كان يرقد على فراش المرض على بعد ثمانية عشرة ميلًا من الكنيسة بعيدًا في الصحراء. وإذ تسلما الفاكهة شرعا في اتخاذ الطريق إلى قلاية الشيخ المذكور، لكنهما فقدا طريقهما تمامًا، الأمر الذي كان يحدث كثيرا ببساطة حتى بالنسبة للشيوخ، بسبب ظهور ضباب كثيف مفاجئ. وحين هاما على وجهيهما طوال النهار والليل في متاهة الصحراء الممتدة الأطراف، ولم يستدلا مطلقًا على قلاية الشيخ المريض، أنهكا أخيرًا من إرهاق الرحلة من جانب ومن الجوع والعطش من الجانب الآخر، فسقطا على ركبهما وسلما الروح إلى الله في وضع الصلاة تمامًا.
فيما بعد جرى البحث عنهما طويلًا، فتتبعوا لآثار أقدامهما التي كانت تنطبع على الرمال كأنها على الثلوج وعند هبوب أخف رياح تمحي الآثار بطبقة رفيعة من الرمال تغطيها. وجدوا أخيرًا أن التين الذي كانا يحملانه لم تمتد إليه أيديهما، فهو بالتمام كما تسلماه. لقد اختارا أن يبذلا حياتهما مع إخلاصهما في مهمتهما، وأن يفقدا حياتهما الأرضية، فضلا عن انتهاكهما وصايا رئيسهما.
_____
[3] مريوط هي المنطقة المحيطة بترعة مريوط، وهي بركة في جنوب الدلتا على حدود صحراء ليبيا (حديثا تسمى بركة مريوط) موازية للبحر المتوسط حيث يفصلهما جسر طويل ضيق من الرمال..
[4] للمزيد من المعلومات عن بفنوتيوس: راجع (مناظرة 3: 1).
الكتاب المقدس: بحث، تفاسير | القراءات اليومية | الأجبية | أسئلة | طقس | عقيدة | تاريخ | كتب | شخصيات | كنائس | أديرة | كلمات ترانيم | ميديا | صور | مواقع
https://st-takla.org/books/fr-tadros-malaty/john-cassian/institutes-gluttony-hunger.html
تقصير الرابط:
tak.la/2f2gcqh