ورد في الإنجيل مثال ممتاز بخصوص الكمال العقلي وذلك في حالة قائد المائة، هذا الذي لم تكن فضيلته بفكر مندفع (إلزامي) إنما بإرادته كان يقبل الفكر الصالح أو يطرد الفكر الشرير بسهولة. وقد جاء ذلك في الصورة التالية: "لأني أنا أيضًا إنسان تحت سلطانٍ. لي جند تحت يدي. أقول لهذا اذهب فيذهب، ولآخر إئْتِ فيأَتي ولعبدي افعل هذا فيفعل" (مت9:8).
إذا ما جاهدنا كبشر ضد الاضطرابات والخطايا، تصير هذه تحت سلطاننا وِفق إرادتنا، فنحارب أهواء جسدنا ونهلكها ونأسرها تحت سلطاننا، ونطرد من صدرنا الضيوف المرعبين، وذلك بالقوة التي لنا بصليب ربنا، فنتمتع بالنصرة التي نراها في مثال قائد المائة روحيًا.
يُرمز (سلطاننا علي الفكر) بموسى في سفر الخروج إذ قيل: "وتقيمهم عليهم رؤَساءَ ألوفٍ ورؤَساءَ مئَاتٍ ورؤَساءَ خماسين ورؤَساءَ عشرات" (خر21:18). ونحن أيضًا إذ نبلغ إلى مرتفعات هذا الجهاد يكون لنا نفس الحق والسلطان، فلا تحملنا الأفكار بغير إرادتنا، بل في استطاعتنا أن نستمر في الارتفاع ونمسك بتلك الأفكار التي تبهجنا روحيًا، آمرين الأفكار الشيطانية أن ترحل عنّا فترحل. فنقول للأفكار الصالحة ائْتِ فتأتي، وأيضا لعبدي هذا أي الجسد الذي لنا أن ينتمي إلى العفة والطهارة فيخدمنا بغير مقاومة، من غير أن تثور فينا انفعالات الشهوة، بل يظهر كل ما يوافق الروح.
أما ما هي أنواع الأسلحة التي لقائد المائة هذا؟ وفي أي حرب نستخدمها؟ فلنسمع ما يقوله الرسول الطوباوي: "إذ أسلحة محاربتنا ليست جسدية (روحية وليست ضعيفة) بل قادرة بالله على هدم حصونٍ" (2كو4:10). وأما بالنسبة للحروب التي نستخدمها فيها فيقول: "هادمين ظنونًا وكلَّ علوٍ يرتفع ضدَّ معرفة الله، ومستأْسرين كل فكرِ إلى طاعة المسيح، ومستعدين لأن ننتقم علي كلّ عصيان متى كملت طاعتكُم " (2كو10: 5، 6).
إنني أريدك أن ترى أنواع الأسلحة المختلفة وصفاتها، إذ ينبغي علينا إن أردنا أن نحارب في المعركة الإلهية ضد الشيطان ونُحسب بين قوّاد المئات (الروحيين) الذين للإنجيل أن نتمنطق بها علي الدوام.
← انظر كتب أخرى للمؤلف هنا في موقع الأنبا تكلا هيمانوت.
يقول الإنجيل: "حاملين فوق الكل ترس الإيمان الذي به تقدرون أن تطفئوا جميع سهام الشرير الملتهبة" (أف6: 16). الإيمان هو الذي يوقف سهام الشهوة الشريرة ويهلكها بالخوف من الدينونة والإيمان بملكوت السموات.
ويقول أيضًا: "درع الإيمان والمحبَّة" (1تس5: 8). المحبة في الواقع هي التي تحيط بالمناطق الحيوية للصدر فتحميه من تعرضه لجراحات الأفكار المتزايدة المهلكة وتحفظه من الضربات الموجهة ضده ولا تسمح لسهام الشرير أن تتعمق إلى الإنسان الداخلي، لأن المحبة "تحتمل كل شيء وتصدق كل شيء وترجو كل شيء وتصبر علي كل شيء" (1كو13: 7).
"وخُوذةً هي رجاءُ الخلاص" (1تس5: 8). والخوذة هي ما تحمي الرأس. المسيح هو رأسنا لذلك ينبغي علينا في التجارب أن نحمي رأسنا برجاء الأمور الصالحة المقبلة، وعلي وجه الخصوص أن نحفظ الإيمان كاملاً وطاهرًا. فمتى فُقد أيّ أحد جزء من الجسد يصير ضعيفًا، لكنه يمكن أن يعيش، إنما لا يستطيع أن يحيا ولا فترة قصيرة بغير الرأس.
"وسيف الروح الذي هو كلمة الله" (أف17:6) لأنه "أَمضى من كل سيفٍ ذي حدَّين وخارقة إلى مفرق النفس والروح والمفاصل والمخاخ ومميِّزة أفكار القلب ونيَّاتهِ" (عب12:4). هكذا نقطع ما فينا مما هو أرضي وجسدي بواسطة هذه الأسلحة التي نستخدمها في دفاعنا ضد أسلحة العدو (الشيطان والخطية) وإتلافه، بهذا لا يصير أحد منّا مربوطًا بسلاسل مضايقته، أسيرًا ومسجونًا في أرض الأفكار الباطلة، ولا يسمع كلمات النبي: "لماذا يا إسرائيل لماذا أنت في أرض الأعداء" (با10:3). إنما يبقى كمُحارب منتصر في أرض الأفكار التي اختارها.
هل فهمتم أيضًا قوة قائد المائة وشجاعته إذ يحمل هذه الأسلحة التي تحدثنا عنها بأنها ليست جسدية بل روحية قادرة بالله؟ اسمع ما يقوله الملك (الله) نفسه مستصوبًا الرجال الشجعان، مستدعيًا إيّاهم إلى الحرب الروحية (ضد الخطية) قائلاً: "ليقل الضعيف إني قوي". فلا يحارب في المعركة الإلهية إلا الضعفاء "لأني حينما أنا ضعيف فحينئذٍ أنا قويّ" (2كو10:12). وأيضًا: "لأن قوَّتي في الضعف تُكَمل" (2كو9:12). فالمجاهد الصبور سيحارب بالصبر الذي قيل عنه: "لأنكم تحتاجون إلى الصبر حتى إذا صنعتم مشيئَة الله تنالون الوعد" (عب36:10).
الكتاب المقدس: بحث، تفاسير | القراءات اليومية | الأجبية | أسئلة | طقس | عقيدة | تاريخ | كتب | شخصيات | كنائس | أديرة | كلمات ترانيم | ميديا | صور | مواقع
https://st-takla.org/books/fr-tadros-malaty/john-cassian/conferences-7-authority-over-thought.html
تقصير الرابط:
tak.la/rfprr3h