3- سؤال بخصوص غاية التوبة وعلامات الصفح
بما أنك تعرض لنا مبدأ جديدًا يفتح أمامنا طريقًا أكثر مشقة نحو التجرد الكامل... ويظهر لنا ذروته مرتفعًا في السموات، فنحن نرى أنفسنا مطروحين بثقل كبير من اليأس. لأنه حينما نقارن جهلنا بارتفاع الفضيلة التي لا حد لها، نشعر بأننا ضعفاء بهذا المقدار بحيث أننا ليس فقط لا نستطيع الوصول إليها بل يزداد إيماننا بتقصيرنا، وهذا يدفعنا إلى السقوط إلى أعماق اليأس. لكن يوجد لنا سند واحد وحيد يقدر أن يشفي جراحاتنا، وهو أن تعلمنا شيئًا عن غاية التوبة وخاصة علامات الصفح عنا، حتى نشعر بتأكيد غفران خطايانا الماضية، بهذا يمكننا أن نحرص على تسلق مرتفعات الكمال السابق وصفها.
4- بينوفيوس
إنني في الحقيقة مسرور لثمار اتضاعكم الوفيرة التي حصلتم عليها، الأمر الذي لمسته سابقًا لما كنت ساكنًا في قلايتكم في بيت لحم، وإنني مسرور جدًا للقائكم، واذكرلكم بأن كلماتي ليست مهمة بالدرجة التي تستحق مزيد اهتمامكم بها، لكنكم أنتم بهذا تخفون مزايا فضائلكم كما لو كنتم على غير علم بشيء عن الأمور التي تحدثت لكم عنها والتي تمارسونها يوميًا. هذا أمر يستوجب جزيل الثناء أن تقرروا أن تعاليم القديسين لا تزال غير معلومة لكم كما لو كنتم مبتدئين. ويلزمنا إطاعة أوامر أصدقاء مرتبطين بنا بصداقة قديمة مثلكم، ولو كانت الأوامر تفوق طاقتنا وقدرتنا.
لقد عالج الكثيرون موضوع قيمة الندامة وقوتها اللطيفة، لا عن طريق الوعظ فحسب، بل وبالكتابة، مظهرين كيف أنها نافعة وقوية ومملوءة نعمة، حتى أن اللَّه عندما يغضب علينا من أجل خطايانا ويوشك أن يجلب علينا عقابًا عادلاً من أجل ما ارتكبناه من شرور كهذه، فإن التوبة بطريقة ما، إن صح لي هذا القول من غير أن أخطئ التعبير، تمنعه وتصد يد العقاب...
أعرف أن هذا الأمر معلوم لكم سواء بقدرتكم على الاستنباط، أو من دراستكم التي لا تكل للكتب المقدسة...
أخيرًا، إنكم شغوفون لا أن تتعرفوا على صفات التوبة، إنما عن غايتها وعلامات الرضى، وهكذا بسؤالكم المملوء حكمة تطلبون ما غفل عنه الكثيرون.
← انظر كتب أخرى للمؤلف هنا في موقع الأنبا تكلا هيمانوت.
5- لكي ما اشبع رغبتكم وطلبكم باختصار وإيجاز قدر المستطاع، فإن الوصف الكامل التام للتوبة هي عدم الخضوع مرة ثانية للخطايا التي نقدم عنها ندامة، أو التي قد تبكّت ضميرنا من جهتها. لكن دليل الرضى وصفح الرب عن ذنوبنا هو أن نكون قد وصلنا إلى مرحلة نلفظ فيها محبة الخطايا من قلوبنا. لأنه يلزم أن يتأكد كل إنسان أنه للآن لم يتحرر من خطاياه السابقة طالما يمكن لأية صورة من صور تلك الخطايا التي ارتكبها أو ما يشبهها تتراقص أمام عينيه. وإنني لا أقول التلذذ بالخطايا، لكن حتى مجرد تذكارها[4] يزعج أعماق النفس بينما يكرس نفسه للدموع والتخلص منها.
من أجل هذا فإن الإنسان لا يشعر أنه أصبح حرًا من خطاياه وأنه قد نال الصفح عن أخطائه السابقة عندما يحس أن قلبه يهتز ويضطرب لإغراء هذه الخطايا وتصورها. لذلك فإن أصح اختبار لمعرفة ما إذا كنا تائبين، ومعرفة شهادة العفو عنا، نجدها في ضمائرنا الآن قبل يوم الدينونة، ونحن في هذا الجسد يظهر لنا تحررنا من الخطأ ويتبين لنا نعمة الصفح. وإن ما قلناه يمكن التعبير عنه باختصار بأن ماضي خطايانا الملوث يكون قد ابيضت صفحاته، عندما تكون مسرات هذا الزمان وشهواته قد فارقت قلوبنا.
_____
[4]هذا هو تذكار الشر المُلْبِس الموت الذي تحدث عنه القداس الإلهي (صلاة الصلح - القداس الباسيلي).
الكتاب المقدس: بحث، تفاسير | القراءات اليومية | الأجبية | أسئلة | طقس | عقيدة | تاريخ | كتب | شخصيات | كنائس | أديرة | كلمات ترانيم | ميديا | صور | مواقع
https://st-takla.org/books/fr-tadros-malaty/john-cassian/conferences-20-repentance-forgiveness.html
تقصير الرابط:
tak.la/2gswz63