8- ثمار التوبة
بعد نعمة المعمودية المعروفة للجميع وتلك العطية العظمى التي للاستشهاد التي هي الحميم بالدم، توجد ثمار كثيرة للتوبة التي بها يمكننا أن نقلع عن خطايانا. إن الخلاص الأبدي ليس موعودًا به بالتوبة عن الخطايا حسبما يقوله الطوباوي بطرس الرسول: "فتوبوا وارجعوا لتُمحَى خطاياكم" (أع 19:3)، وحسبما قاله يوحنا المعمدان والسيد المسيح نفسه: "توبوا لأنهُ قد اقترب ملكوت السماوات" (مت 2:3)، لكن أيضًا ينبغي أن تكون مقرونة بأعمال المحبة، لأن "المحبَّة تستر كثرةً من الخطايا" (1بط8:4). هكذا نجد الشفاء لكل جراحاتنا نتيجة لثمار التوبة كالصدقات وأفعال الرحمة. لأنه كما يقول الكتاب المقدس: "كما أن الماء يطفئ الحريق كذلك الدموع تغسل خطايانا" (ابن سيراخ 33:3)، وأيضًا "أعوّم في كل ليلة سريري وبدموعي أبلّ فراشي" (مز6:6).
أخيرًا لكي تعلم أن هذه الدموع لا تُذرف عبثًا يقول: "ابعدوا عنّي يا جميع فاعلي الإثم، لأن الربَّ قد سمع صوت بكائي" (مز8:6). أيضًا بالاعتراف تُمحى خطايانا كقول المرنم: "أعترف لك بخطيتي ولا أكتم إثمي. قلت أعترف للربّ بذنبي وأنت رفعت آَثام خطيتي" (مز5:32). ومع انسحاق النفس والجسد فإننا نفوز بمغفرة خطايانا أيضًا لأنه يقول: "أنظر إلى ذلّي وتعبي وأمح كل آثامي" (مز18:25). بالأخص عندما نغير طرقنا القديمة لأنه يقول: "اعزلوا شرَّ أفعالكم من أمام عينيَّ، كفُّوا عن فعل الشر، تعلَّموا فعل الخير، اطلبوا الحق، انصفوا المظلوم، اقضوا لليتيم، حاموا عن الأرملة. هلمَّ نتحاجج يقول الرب، إن كانت خطاياكم كالقرمز تبيضُّ كالثلج، إن كانت حمراءَ كالدودي تصير كالصوف" (إش16:1-18).
كذلك صلوات القديسين تنفع في أن يغفر الرب لنا خطايانا كقول الرسول: "إن رأَى أحد أخاهُ يخطئُ خطيةً ليست للموت يطلب فيعطيهِ حيوةً للذين يخطئُون ليس للموت، تُوجَد خطية للموت، ليس لأجل هذه أقول أن يطلب" (1يو16:5). ويقول أيضًا: "أَمريض أحد بينكم فليدعُ قسوس الكنيسة فيصلَّوا عليهِ ويدهنوهُ بزيتٍ باسم الرب، وصلوة الإيمان تشفي المريض، والرب يقيمهُ، وإن كان قد فعل خطيَّةً تُغفَر لهُ" (يع 5: 14، 15).
أيضًا مع الرحمة والإيمان تمحى الذنوب، إذ "بالرحمة والحق يُستَر الإثم" (أم 6:16). وكثيرًا ما يكون ذلك بواسطة شوقنا وسعينا وتعبنا نحو خلاص الذين خلصوا بإنذاراتنا ووعظنا، كقول الكتاب: "فليعلم أن مَنْ ردَّ خاطئًا عن ضلال طريقهِ يخلّص نفسًا من الموت، ويستر كثرةً من الخطايا" (يع 20:5).
وفضلاً عن ذلك بصفحنا عن ذنوب الآخرين ومسامحتهم ننال الصفح عن خطايانا كالقول: "فإنهُ إن غفرتم للناس زلاَّتهم يغفر لكم أيضًا أبوكم السماوي" (مت 14:6).
نعرف مما تقدم أنه عديدة هي الوسائل التي ننال بها مغفرة خطايانا، حتى أنه ما من أحد يشتاق نحو خلاص نفسه يتطرق إليه اليأس، لأنه يرى أنه مدعو للحياة بأدوية كثيرة هذا عددها!
إذا كنت تحتج أنه بالنسبة لضعف الجسد لا تستطيع أن تتخلص من خطاياك بممارسة الصوم، ولا تستطيع أن تقول مع المرتل داود: "ركبتاي ارتعشتا من الصوم ولحمي هزل عن سِمَنٍ" (مز 24:109)، ولا أن تقول أيضًا معه: "إني قد أكلتُ الرماد مثل الخبز ومزجتُ شرابي بدموعٍ" (مز 9:102)، إذن عِوض هذا استبدله بجزيل الصدقات.
← انظر كتب أخرى للمؤلف هنا في موقع الأنبا تكلا هيمانوت.
إذا لم يكن لديك شيء لتقدمه للمحتاجين (ولو أن العوز والفقر لا يعفي المرء من التصدق) إذ أن السيد المسيح مدح فلسي الأرملة الفقيرة أكثر من العطايا الكبيرة التي قدمها الأغنياء، والسيد المسيح ذاته وعد أنه لن يضيع أجرة من سقى كأس ماء بارد، فإنك تستطيع على الأقل أن تطهر ذاتك عن طريق تغيير حياتك وإصلاحها وتقويمها. وإذا لم تستطع أن تحوز الكمال في الصلاح باستئصال جميع أخطائك، تستطيع أن تظهر الشوق المقدس والاهتمام بالعمل لخير وخلاص الآخرين.
إذا كنت تحتج بأنك لست كفئا للقيام بهذا الأمر تستطيع أن تستر خطاياك بإشعال المحبة في قلبك نحو الآخرين. وإذا كنت بالنسبة لهذا أيضًا نتيجة كسل واسترخاء العقل تكون ضعيفًا، على الأقل ينبغي أن تتضع وتنسحق أمام اللَّه وتسعى لعلاج جراحاتك بالصلوات وبشفاعات القديسين.
أخيرًا من هو الإنسان الذي لا يستطيع أن يعترف قائلاً: "أعترف لك بخطيتي ولا أكتم إثمي"[6]، ثم يردف قائلاً: "وأنت رفعت أَثام خطيتي" (مز5:32). ليته لا يتوقف اعترافك في اتضاع كامل: "أنا عارف بإثمي وخطيتي في كل حين". وأيضًا: "إليك وحدك أخطأْتُ والشرَّ قدام عينيك صنعتُ" (مز4:51).
فضلاً عن ذلك فإنه في مقدرتنا بإرادتنا أن نصفح عن خطايا الآخرين، عندئذ يصفح الرب عن زلاتنا كما نطلب إليه في الصلاة الربانية: "اغفر لنا ذنوبنا كما نغفر نحن أيضًا للمذنبين إلينا"، من أجل ذلك فإن كل من يرغب في مغفرة خطاياه عليه أن يعد نفسه بهذه الوسائط.
ليتنا لا ندع قلوبنا تتقسى وتبتعد عن العلاج الخلاصي وعن مصدر الخيرات. لأنه إن فعلنا كل هذه الأمور فإنها ليست كافية لرسوخ أقدامنا على صخرة التوبة ما لم تُمح خطايانا بواسطة مراحم الرب الذي عندما يرى مجهوداتنا المقدسة التي نقدمها بقلب متضع يسند ضعفاتنا وأتعابنا بجزيل فضله وإنعامه، ويقول: "أنا أنا هو الماحي ذنوبك... وخطاياك لا أذكرها" (إش25:43). إذن كل من يهدف إلى هذه الحالة التي ذكرناها، فإنه سيبحث عن نعمة الصفح مستخدمًا الصوم يوميًا، وقمع شهوة القلب والجسد، لأنه مكتوب "بدون سفك دمٍ لا تحصل مغفرة" (عب22:9). هذا لم يقله بغير سبب لأن "لحمًا ودمًا لا يقدران أن يرثا ملكوت الله" (1كو50:15). فإن الإنسان الذي يصد "سيف الروح الذي هو كلمة اللَّه" (أف17:6) عن سفك الدم بالتأكيد يسقط تحت اللعنة التي أعلنها ارميا قائلاً: "ملعون من يمنع سيفهُ (الكتاب المقدس) عن الدم" (إر10:48) إذًا لنفعنا يُسفك الدم الفاسد الذي لمادة خطايانا. هذا هو السلاح الذي يقطع وينقي كل أمر شهواني وأرضي ينمو في نفوسنا. إنه يجعل الناس يموتون عن الخطية ويعيشون لله ويزدهرون بالفضائل الروحية.
من أجل هذا لا يعود أحد يبكي لأجل تذكار الشرور السابقة لكن لأجل الرجاء الذي سيأتي، وإذ لا يفكر في خطاياه الماضية بأقل من ترجي الصالحات التي سوف تأتي فإنه يسكب الدموع ليس من أجل الحزن عن الخطايا، لكن من أجل الفرح في السعادة الأبدية المرتقبة، وينسى ما هو وراء، أي الخطايا الشهوانية، كما يقول بولس الرسول: "أنسى ما هو وراءُ وأمتدُّ إلى ما هو قدَّام" (في13:3)، أي إلى المواهب والفضائل الروحية.
_____
[6] بالاعتراف أمام اللَّه وأمام الكاهن.
الكتاب المقدس: بحث، تفاسير | القراءات اليومية | الأجبية | أسئلة | طقس | عقيدة | تاريخ | كتب | شخصيات | كنائس | أديرة | كلمات ترانيم | ميديا | صور | مواقع
https://st-takla.org/books/fr-tadros-malaty/john-cassian/conferences-20-fruits-of-repentance.html
تقصير الرابط:
tak.la/9ht5fas