St-Takla.org  >   books  >   fr-tadros-malaty  >   john-cassian
 

مكتبة الكتب المسيحية | كتب قبطية | المكتبة القبطية الأرثوذكسية

كتاب القديس يوحنا كاسيان: حياته، كتاباته، أفكاره - القمص تادرس يعقوب ملطي

243- مناظرة 14: 12، 13- كيف يمكننا الحصول على "عدم الاهتمام بهذا العالم"؟

 

12- كيف يمكننا الحصول على "عدم الاهتمام بهذا العالم"؟

 

عند ذلك بدأت أتحرك بدافع خفي، ثم تنهدت تنهدا عميقاً وقلت:

هذه الأمور التي أوضحتها لنا أخيرًا ربما تجعلني أسقط في اليأس أكثر من ذي قبل، إذ أنه بجانب تلك الأمور العامة التي تأسر النفس (وتعوقها عن المعرفة الحقيقية)... فإن عائقًا خاصًا يعطلني عن الخلاص وهو معرفتي للأدب. هذه المعرفة التي كما أظن إنني بالفعل نلت منها نصيبًا بسيطًا بفضل جهود معلمي أو بفعل دراستي المستمرة، وقد شُحن ذهني بالشعر حتى إنني أفكر فيه أثناء الصلاة، فأتذكر الأمور التافهة وقصص الملوك والمعارك التي سمعتها في طفولتي المبكرة... وفي أثناء التسبيح بالمزامير أو طلب غفران الخطايا، يتطفل الشعر المحفوظ على ذاكرتي بغير إرادتي، وتستعرض صور الحروب والمعارك المذكورة في الشعر أمام عيني، وتتراقص الخيالات قدامي وتثيرني ولا تسمح لنفسي أن تصفو متأملة في الأمور العليا، حتى إنني لا أستطيع أن أتخلص من هذه الأمور بنحيبي اليومي.

← انظر كتب أخرى للمؤلف هنا في موقع الأنبا تكلا هيمانوت.

St-Takla.org                     Divider فاصل - موقع الأنبا تكلاهيمانوت

St-Takla.org Image: A couple of fathers talking (image 66), conversation, discussion, saints, monks - AI art, idea by Michael Ghaly for St-Takla.org, 30 January 2024. صورة في موقع الأنبا تكلا: اثنان من الآباء يتحدثان (صورة 66)، محادثة، مناقشة، قديسان، رهبان - فن بالذكاء الاصطناعي، فكرة مايكل غالي لموقع الأنبا تكلاهيمانوت، 30 يناير 2024 م.

St-Takla.org Image: A couple of fathers talking (image 66), conversation, discussion, saints, monks - AI art, idea by Michael Ghaly for St-Takla.org, 30 January 2024.

صورة في موقع الأنبا تكلا: اثنان من الآباء يتحدثان (صورة 66)، محادثة، مناقشة، قديسان، رهبان - فن بالذكاء الاصطناعي، فكرة مايكل غالي لموقع الأنبا تكلاهيمانوت، 30 يناير 2024 م.

13- الإجابة:

 

هذه الحقيقة التي تراها ينبوعًا لليأس الشديد من جهة تنقيتك، هي بذاتها تحمل علاجًا سريعًا وفعالاً، وذلك إن وجهت قراءتك وتأملاتك إلي الكتابات الروحية، وذلك بنفس الجهاد والشغف اللذين تقول إنك أظهرتهما في الدراسات الزمنية. لأنه بالتأكيد سيبقي ذهنك منشغلاً بذلك الشعر إلي أن تقتني بنفس الغيرة والمثابرة التأمل في الأمور الأخرى، فتنشغل بالأمور الروحية الإلهية بدلاً من الأمور الأرضية غير النافعة.

 عندما نفهم هذه الأمور الروحية فهمًا كاملاً وتنتعش فينا، تُستبعد عنا الأمور الثانية (الأرضية) بالتدريج إلي أن تُنزع عنا بالتمام. فذهن الإنسان لا يمكن أن يبقى بغير تفكير، وبقدر ما لا ينشغل بالأفكار الروحية، حتماً يمتلئ بالأفكار التي سبق أن تعلمها منذ زمن بعيد. فإذ لا يجد ما يشغله ويتدرب عليه الآن حتمًا يرتد إلي ما قد تعلمه في طفولته، ويعود إلي ما قد سبق أن استخدمه أو تأمل فيه منذ زمن بعيد.

 لكي ما تتقوى فيك المعرفة الروحية بثبات قويم، ولا تتمتع بها فقط إلي حين مثل أولئك الذين يتلمسونها لا بجهادهم إنما يعتمدون على مجرد سماعهم ما يسرده الآخرون... ولكي ما تبقى في قلبك وتدركها بعمق وتعاينها وتمسكها بصورة كاملة يحسن بك أن تتمسك بها بحرصٍ شديدٍ، أي حتى إن فرضنا أنك سمعت في مناظرة ما أمورًا تعرفها معرفة جيدة، لا تتطلع إليها باستخفافٍ وتراخٍ بسبب معرفتك السابقة، بل ضعها في قلبك بنفس الغيرة التي لك نحو كلمات الخلاص التي تتوق إليها، فتنفتح لها آذاننا وننطق بها على شفاهنا.

 لأنه وإن كان كثيرًا ما يتكرر سرد الأمور المقدسة، لكن الذهن الذي يشعر بعطش إلى المعرفة الحقيقية، فإن شبعه لا يخلق قط نوع من الاشمئزاز، بل في كل يوم يتقبل الكلمة كشيءٍ جديدٍ يحتاج إليه. وعلى أي الأحوال غالبًا ما ينصت إليها بشغف شديد ويتحدث بها. والتكرار بالنسبة له يثبته في المعرفة التي له من قبل دون ضجر.

 هذه هي العلامة التي بها يُعرف الذهن أنه بارد ومتعجرف، أنه يتقبل أدوية كلمات الخلاص بازدراء واستهتار، بالرغم من أنها مُقدمة بغيرة ولجاجة زائدة، وذلك لأن "النفس الشبعانة تدوس العسل، وللنفس الجائعة كل مرٍّ حلو" (أم 7:27).

هكذا أن أُخذت هذه الأمور بعناية، وخُزنت في داخل النفس وختمت بخاتم السكون، فإنها تصير مثل الخمر حلوة المذاق، تُبهج قلب الإنسان، وتُعتَق بتخزينها كثيرًا في الفكر مع الصبر الثابت، فتخرج من آنية القلب رائحة لذيذة، ويصير ينبوعًا دائمًا يفيض أعماق الخبرة بغزارة، وتكون كمجارى مروية. تسكب الفضيلة تيارات غزيرة كما من بئر قلبك العميق.

 يصف سفر الأمثال من ينفذ هذا، فيقول: "اشرب مياهًا من جبَّك، ومياهًا جارية من بئْرك" (أم 15:5). ويقول النبي إشعياء: "ويقودك الرب على الدوام ويشبع في الجدوب نفسك، وينشط عظامك، فتصير كجنَّة ريَّا، وكنبع مياهٍ لا تنقطع مياههُ. ومنك تُبنَى الخِرَب القديمة. تقيم أساسات دور فدور فيسمونك مرمم الثغرة، مرجع المسالك للسكنى" (إش58: 11، 12). ويحل بك التطويب الذي وعد به النبي نفسه قائلاً: "ويعطيكم السيد خبزًا في الضيق، وماءً في الشدَّة. لا يختبئُ معلموك بعدُ، بل تكون عيناك ترَيان معلميك. وأذناك تسمعان كلمةً خلفك قائلةً: هذه هي الطريق اسلكوا فيها حينما تميلون إلي اليمين وحينما تميلون إلي اليسار" (إش20:30، 21). ولا يكون هذا كل غرض قلبك، إنما تصير كل الأفكار التي تدور في مخيلتك مقدسة، متأملاً في الشريعة الإلهية بغير انقطاع.


الكتاب المقدس: بحث، تفاسير | القراءات اليومية | الأجبية | أسئلة | طقس | عقيدة | تاريخ | كتب | شخصيات | كنائس | أديرة | كلمات ترانيم | ميديا | صور | مواقع

https://st-takla.org/books/fr-tadros-malaty/john-cassian/conferences-14-this-world.html

تقصير الرابط:
tak.la/jaw2qrs