11- فهم الكتاب المقدس بصور متعددة
إذ تنمو نفوسنا بواسطة هذه الطرق الخاصة بالدراسة، يلبس الكتاب المقدس وجهًا جديدًا بالنسبة لنا. وبنمونا نحن نجد نموًا في تذوق جمال معانيه المقدسة، لأن الإنسان يطبق معانيه حسب قدرة فهمه، فبالنسبة للجسدانيين تظهر لهم معانيه أرضية، ويجدونها الروحانيون إلهية.
لكي ما نوضح قصدنا هذا بأكثر جلاء بمثال، نكتفي بأن نأخذ عبارة واحدة من الشريعة كمثال نبرهن به على أن جميع الوصايا يطبقها البشر حسب قياس حالهم. فقد جاء في الشريعة "لا تزنِ" (خر14:20).
(أ) هذه يمكن أن تُلاحظ بحق حسب المعنى الحرفي للعبارة، وذلك بالنسبة للذين لا يزالون في عبودية الشهوات الدنسة.
(ب) أما الإنسان الذي ترك بالفعل مثل هذه الأفعال القذرة والانفعالات الدنسة، فإنه ينظر إلي الوصية في الروح. يراها تطالبه بترك العبادة الوثنية وشكوك الأوثان وخرافتها، رافضًا العرافة والتفاؤل والتشاؤم... على أي الأحوال لا يرتبك بأي خزعبلات تفسد بساطة الإيمان... فنحن نقرأ عن أورشليم أنها قد تدنست بزنا من هذا النوع على الجبال العالية وتحت كل شجرة خضراء (إر6:3)، ويوبخها الرب بالنبي قائلاً: "قد ضعفتِ من كثرة مشوراتكِ. ليقفْ قاسموا السماءِ الراصدون النجوم المعرّفون عند رؤُوس الشهور ويخلصوكِ مما يأتي عليكِ" (إش13:47). وتحدث عن هذا الزنا في موضع آخر موبخًا إياهم قائلاً: "شعبي يسأَل خشبهُ وعصاهُ تخبرهُ، لأن روح الزنى قد أضلَّهم فزنوا من تحت إلههم" (هو12:4).
← انظر كتب أخرى للمؤلف هنا في موقع الأنبا تكلا هيمانوت.
(ج) أما من ترك مثل هذين النوعين من الزنا، فسيجد نوعًا ثالثًا من الزنا يجب تجنبه، وهو الارتداد إلي الأمور اليهودية[2] التي يقول عنها الرسول: "أَتحفظون أيامًا وشهورًا وأوقاتًا وسنين" و"لا تمسَّ ولا تَذُقْ ولا تجسَّ؟!" (غل10:4، كو21:2) وبلا شك من يسقط في هذا يزني وراء السيد المسيح (مرتدًا إلي اليهودية مرة أخرى في شكلها الخارجي، رافضًا الدخول إلي العمق الذي أعلنه الرب يسوع)، فلا يستحق أن يسمع من الرسول القول التالي: "فإني أغار عليكم غيرة الله، لأني خطبتكم لرجلٍ واحدٍ لأُقدّم عذراءَ عفيفةً للمسيح" (2كو2:11)، وإنما توجه إليه هذه الكلمات: "ولكنني أخاف أنهُ كما خدعت الحيَّة حوَّاءَ بمكرها هكذا تُفسَد أذهانكم عن البساطة التي في المسيح" (2كو3:11).
(د) ومتى هرب الإنسان من دنس مثل هذا الزنا، يبقى نوع رابع، هذا الذي يُرتكب خلال الاتصالات الشريرة الناجمة عن التعليم الهرطوقي. ويتحدث الرسول المبارك عن هذا قائلاً: "لأني أعلم هذا أنهُ بعد ذهابي سيدخل بينكم ذئَاب خاطفْة لا تشفق على الرعيَّة. ومنكم أنتم سيقوم رجال يتكلَّمون بأمور ملتوية ليجتذبوا التلاميذ وراءَهم" (أع20: 29، 30).
(ه) لكن إن نجح الإنسان في تجنب مثل هذا النوع أيضًا، فليحذر لئلا يسقط في خطية معثرة وهي الزنا. أقصد بذلك الأفكار الهائمة، لأن كل فكر باطل (خامل) يفصلنا عن الله -ولو إلي درجة بسيطة- هذا ينظر إليه الإنسان الكامل أنه في غاية الدنس.
_____
[2] ظهر منذ بدء المسيحية بدعة قام بها اليهود الذين صاروا مسيحيين، وهي المناداة بكل طقوس اليهودية وأعيادها كما هي بحرفيتها.
الكتاب المقدس: بحث، تفاسير | القراءات اليومية | الأجبية | أسئلة | طقس | عقيدة | تاريخ | كتب | شخصيات | كنائس | أديرة | كلمات ترانيم | ميديا | صور | مواقع
https://st-takla.org/books/fr-tadros-malaty/john-cassian/conferences-14-bible.html
تقصير الرابط:
tak.la/4vxafdz