2- سؤال: لماذا لا ننسب الطهارة إلى جهاد الإنسان؟
جرمانيوس: إذ نحن صامتون من جهة عظمة تلك الفضيلة التي وصفتها لنا الليلة الماضية، مؤمنين بفاعليتها، لكني أستسمحك القول بأنه يبدو لي أنه من العبث أن نقول عن الطهارة الكاملة التي تُقتنى بغيرة الإنسان المجاهد كمكافأة للجهاد، أنها لا تنسب رئيسيًا إلى جهاده. لأنه من الغباوة أن نرى مثلاً مزارعًا يحتمل آلامًا كثيرة في زراعة أرضه ولا تنسب الثمار إلى جهاده!
3- شيريمون: يمكننا بنفس المثال الذي قدمته أن نبرهن بالأكثر أن جهود الإنسان العامل لا تفيد شيئًا بغير معونة الله. لأن الزارع حين يحتمل أتعابًا كثيرة في زراعة الأرض لا يقدر أن ينسب كثرة المحصول ووفرة الثمار إلى مجهوده الذاتي. فقد يضيع كل تعبه هباء لو لم تأته الأمطار أو يساعده الجو. وقد نرى الثمار ناضجة فعلاً بل ويحصدها الفلاح ويجنيها ومع هذا فإن مجهود العاملين يمكن أن يكون بلا نفع ما لم تسنده عناية الله. كذلك الصلاح الإلهي لا يأتي بالإنتاج الوفير للمزارعين الكسالى الذين لا يحرثون حقولهم على الدوام، كما أنهم قد يتعبون الليل كله بلا جدوى ما لم تُنجح مراحم الرب أعمالهم.
لكن كبرياء البشرية يجعلها ترفض أن تضع نعمة الله مع جهادها على قدم المساواة ولا أن يختلطا معًا، إنما تظن أنه بمجهودها الذاتي تنال جود الله وكرمه، أو أن الثمار هي ثمرة جهادها وحده.
ليتأمل الإنسان جيدًا وليتفحص بعناية فائقة وازنًا هذه الحقيقة كما ينبغي، وهي أنه لا يقدر الإنسان حتى أن يستخدم نفس تلك الجهود التي له بغيرة ما لم تهبه عناية الله وترافقه قوة لتنفيذها، وإن إرادته ذاتها وقوته يخوران ما لم يمده الحنو الإلهي بالوسائل لأجل تتميمهما. فقد يفشل الإنسان بسبب كثرة المطر الزائد أو لانعدامه.
فعندما يهب الرب للثور نشاطًا وقوة جسدية للعمل ونجاحًا في مشروعه، يجدر بالإنسان أن يصلي لئلا يسقط عليه ما قيل في الكتاب المقدس: "وتكون سماؤك التي فوق رأسك نحاسًا والأرض التي تحتك حديدًا"، و"فضلة القَمَص أكلها الزحَّاف، وفضلة الزحَّاف أكلها الغَوغَاءُ، وفضلة الغوغاءِ أكلها الطيَّار[3]" (يؤ4:1).
← انظر كتب أخرى للمؤلف هنا في موقع الأنبا تكلا هيمانوت.
ولا يحتاج المزارع إلى عناية الله لتعينه في مجهوداته أثناء عمله فحسب، بل وأيضًا لكي يتفادى الكوارث غير المنظورة التي يمكن أن تحل به، والتي أحيانًا تصيب الحقل وهو غني بالمحصول المتوقع... بل وأحيانًا يفقد ما قد جمعه فعلاً وخزنه في البيدر للدرس أو في المخزن.
من هذا نخلص بوضوح إلى أن البداية لا تتأتى من جهة أعمالنا نحن بل حتى أفكارنا الصالحة تأتي من الله، الذي يوحي إلينا بإرادة صالحة نبدأ بها العمل ويمدنا بفرص لتنفيذ هذه الإرادة الصالحة "كلُّ عطيَّةٍ صالحةٍ وكل موهبةٍ تامة هي من فوق نازلةً من عند أبي الأنوار" (يع17:1).
إنه يبدأ معنا بما هو صالح ويستمر معنا فيه ويكمله معنا، وذلك كقول الرسول: "والذي يقدّم بذارًا للزارع وخبزًا للأَكل سيقدّم ويكثّر بذاركم وينمي غلاَّت برّكم" (2كو10:9). هذا كله من أجلنا نحن، لكن باتضاع نتبع يومًا فيوما نعمة الله التي تجذبنا، أما إذا قاومنا نعمته برقبة غليظة وآذان غير مختونة (أع51:7) فإننا نستحق كلمات النبي ارميا القائل: "هل يسقطون ولا يقومون؟! أو يرتدُّ أحد ولا يرجع؟! فلماذا ارتد هذا الشعب في أورشليم ارتدادًا دائمًا. تمسكوا بالمكر. أبوا أن يرجعوا؟!" (إر8: 4، 5).
_____
[3] القَمَص هو الجراد في أول خروجه من البيضة، وبعدما يبدأ يزحف يسمى "الزحَّاف"، وبعد ما ينبت له أجنحة يسمى "الغوغاء"، وإذ يصير في كامل نضجه يسمى "الطيار".
الكتاب المقدس: بحث، تفاسير | القراءات اليومية | الأجبية | أسئلة | طقس | عقيدة | تاريخ | كتب | شخصيات | كنائس | أديرة | كلمات ترانيم | ميديا | صور | مواقع
https://st-takla.org/books/fr-tadros-malaty/john-cassian/conferences-13-human-striving.html
تقصير الرابط:
tak.la/nzjh6xg