11- سؤال: كيف تقول أن المحبة كاملة، والخوف من الله والرجاء في الجزاء المقبل غير كاملين؟
جرمانيوس: إنك تحدثت بوضوح عن محبة الله الكاملة، ولكن هذه الحقيقة لازالت تؤرقنا، وهي أنك إذ مدحتها قلت بأن الخوف من الله والرجاء في الجزاء السماوي أمران غير كاملين، مع أن النبي يقول: "خافوا الربَّ يا قديسيهِ لأنهُ ليس عوز لخائفيهِ" (مز9:34). وأيضًا يعلن لنا أن نصنع أعمال الله الصالحة من أجل رجاء المكافأة، إذ يقول: "عطفت قلبي لأصنع فرائضك إلى الدهر لأجل المجازاة" (مز112:119). ويقول الرسول: "بالإيمان موسى لمَّا كبر أَبَى أن يُدعَى ابن ابنة فرعون، مفضّلاً بالأحرى أن يُذلَّ مع شعب الله على أن يكون لهُ تمتُّع وقتيّ بالخطيَّة، حاسبًا عار المسيح غنًى أعظم من خزائن مصر لأنهُ كان ينظر إلى المجازاة" (يقول الشعب24:11-26).
إذن كيف يمكننا أن نفكر فيهما أنهما غير كاملين، بينما يفتخر داود بأنه يعمل أعمال الله الصالحة من أجل المجازاة، وقيل عن مستلم الشريعة أنه كان ينظر إلى المجازاة المقبلة، مستغنياً عن شرف التبني الملوكي مفضلاً الذل المريع عن كنوز المصريين؟![7]
← انظر كتب أخرى للمؤلف هنا في موقع الأنبا تكلا هيمانوت.
12- شيريمون: يلخص لنا الكتاب المقدس رغباتنا الحرة في درجات مختلفة من الكمال، حسب حالة كل ذهن وقياسه، لأنه لا يُتوج كل البشر بتاج موحد من الكمال، إذ ليس للكل نفس الفضيلة ولا نفس الهدف أو الغيرة. هكذا أشارت الكلمة الإلهية بطريق ما إلى درجات الكمال المختلفة وقياساته المتنوعة.
الدليل على هذا تنوع التطويبات (مت 5). فقد طوب الذين سيرثون ملكوت السماوات، وطوبى الوارثين الأرض (طوبى للودعاء لأنهم يرثون الأرض)، كذلك الذين يرحمون، والذين يشبعون... ومع هذا فإننا نؤمن بأن هناك فارق شاسع بين وارثي ملكوت السماوات ووارثي الأرض، وبين الذين يرحمون والذين يشبعون من البر وبين الذين يعاينون الله (طوبى للأنقياء القلب لأنهم يعاينون الله). و"مجد الشمس شيء ومجد القمر آخر ومجد النجوم آخر، لأن نجمًا يمتاز عن نجمٍ في المجد، هكذا أيضًا قيامة الأموات" (1 كو 41:15، 42).
طبقًا لهذا المبدأ يمدح الكتاب المقدس من يخاف الله قائلاً: "طوبى لكل مَن يتَّقى (يخاف) الرب، ويسلك في طرقهِ" (مز 1:128)، واعدًا إياهم بسعادة سماوية. ومع هذا يرجع فيقول: "لا خوفَ في المحبَّة، بل المحبَّة الكاملة تطرح الخوف إلى خارج، لأن الخوف له عذاب، وأما من خاف فلم يتكمَّل في المحبَّة" (1 يو 18:4).
مرة أخرى بالرغم من أن عبادة الله بخوف شيء عظيم وقد قيل: "اعبدوا الربَّ بخوفٍ" مز11:2، و"طوبى لذلك العبد الذي إذا جاءَ سيّدهُ يجدهُ يفعل هكذا" (مت46:24)، إلا أنه قيل للرسل: "لا أعود أسمّيكم عبيدًا، لأن العبد لا يعلم ما يعمل سيدهُ، لكني قد سمَّيتكم أحبَّاءَ، لأني أَعلمتكم بكلّ ما سمعتهُ من أبى" (يو15:15). مرة أخرى يقول: "أنتم أحبَّائي إن فعلتم ما أوصيكم بهِ" (يو14:15).
ترون إذن أن هناك درجات مختلفة من الكمال، وأن الرب يدعونا من الأشياء السامية إلى الأسمى بطريقة تجعل ذاك الذي صار مطوبًا وكاملاً في مخافة الله يسير كما هو مكتوب من قوَّة إلى قوَّة (مز7:84)، أي من كمال إلى آخر. بمعنى أن يصعد بغيرة الروح من الخوف إلى الرجاء، وأخيرًا إلى المحبة التي هي آخر مرحلة. فهذا الذي كان "العبد الأمين الحكيم" (مت45:24)، يبلغ إلى مرحلة الصداقة ثم التبني كابن.
من ثم يمكن فهم كلامنا بالمعنى التالي: إننا لا نقول أن الخوف من العقوبة المنتظرة أو رجاء الجزاء المبارك الذي وعد به القديسين ليس بذي قيمة، لكن وإن كان هذا نافعاً، إذ يدفع أولئك الذين يتبعونها للتقدم خطوة مباركة، إلا أنه في المحبة ثقة كاملة وفرح دائم، تبعدهم عن خوف العبيد ورجاء الأجير إلى محبة الله، وتجعلهم أبناء وتنقلهم من كمال إلى كمال أعظم.
يقول المخلص إن في بيت أبيه منازل كثيرة (يو2:14) ومع أن الكواكب تظهر في السماء، لكن مجد الشمس شيء ومجد القمر شيء آخر، وهكذا بقية الكواكب. لهذا لا يفضل الرسول المبارك المحبة عن الخوف والرجاء فحسب بل وفوق كل العطايا التي تحسب عظيمة ومدهشة... فبعد ما عدد مواهب الروح من الفضائل أراد أن يصف عناصرها فبدأ يقول "وأيضًا أريكم طريقًا أفضل. إن كنت أتكلَّم بأَلسنة الناس والملائكة ولكن ليس لي محبَّة فقد صرت نحاسًا يطنُّ أو صنجًا يرن. وإن كانت لي نبَّوة وأعلم جميع الأسرار وكلَّ علمٍ وإن كان لي كل الإيمان حتى أنقل الجبال ولكن ليس لي محبة فلست شيئًا. وإن أطعمت كلَّ أموالي وإن سلَّمت جسدي حتى أحترق ولكن ليس لي محبة فلا أنتفع شيئًا" (1كو31:12، 1:13-3). أترون إذن كيف أنه لا يوجد شيء أقيم أو أكمل أو أشرف منها!!
إن أمكنني أن أقول، إنه لا يوجد شيء أبقى من المحبة. لأنه "أما النبوات فستبطل، والألسنة فستنتهي، والعلم فسيبطل" ولكن "المحبَّة لا تسقط أبدًا" (1 كو 8:13). بدونها لا تنجح معظم أنواع المواهب الثمينة بل ويفقد الاستشهاد عظمته.
_____
[7] هنا إشارة إلى رفض الإنسان لغنى العالم وكراماته الزمنية حاملاً عار الصليب لأجل الأبدية.
الكتاب المقدس: بحث، تفاسير | القراءات اليومية | الأجبية | أسئلة | طقس | عقيدة | تاريخ | كتب | شخصيات | كنائس | أديرة | كلمات ترانيم | ميديا | صور | مواقع
https://st-takla.org/books/fr-tadros-malaty/john-cassian/conferences-11-question.html
تقصير الرابط:
tak.la/2cc6ddc