يلزمنا أن نراعى بكل حرص هذا الأمر المثلث الجوانب، فلنختبر الأفكار التي تهاجمنا ببصيرة وحكمة، لندرك ما هو مصدر الفكر وأسبابه منذ بدايته. وبهذا يمكننا أن نأخذ في اعتبارنا هل نخضع له وذلك حسب نوع مقترحه، فنكون كالصيارفة الحكماء كما يعلمنا بذلك الرب. إذ هم بمهارتهم وخبرتهم يميزون الذهب النقي الخالص الذي تنقى بالنار كما ينبغي، وبمهارتهم لا ينخدعون بقِطع النحاس المغشاة بطبقة خفيفة من الذهب والتي تبدو ذات قيمة عظيمة... إنهم بذكائهم ومهارتهم يدركون تمامًا العملات المزيفة التي يصكها كبار المخادعون...
هكذا يلزمنا أولاً أن نختبر بكل حرص كل فكر يدخل إلى قلوبنا وكل تعليم نتلقنه لنرى ما إذا كان قد تنقى بنار الروح القدس الإلهي السماوي، أو ينتمي إلى ضلال الهراطقة، أو هو ثمرة كبرياء الفلسفة البشرية التي ليس لها إلا سطحيات التديّن.
نستطيع أن نعمل هذا إن سلكنا بنصيحة الرسول القائل "أيها الأحباءُ لا تصدّقوا كلَّ روحٍ بل امتحنوا الأرواح هل هي من الله..." (1 يو1:4). ينخدع البعض بهذا النوع، فيغويهم حُسن التنسيق، والتعاليم الفلسفية التي تخدع لأول وهلة بما فيها من بعض المعاني الورعة التي تتفق مع الدين، وذلك كما يخدع بريق الذهب ناظريه. هؤلاء تجذبهم المظاهر، لكن سرعان ما يشعرون أنهم في الواقع قد خرجوا فارغي اليد، ويسقطون في اليأس ويكونون كمن قد انخدعوا بالنقود النحاسية المغشوشة.
هذه الأفكار أو التعاليم، إما أن تجذبهم إلى الانهماك في العالم، أو تسقطهم في أخطاء الهراطقة، وتنحدر بهم إلى الكبرياء الباطل...
← انظر كتب أخرى للمؤلف هنا في موقع الأنبا تكلا هيمانوت.
ومن جهة أخرى يلزمنا أن نحرص لئلا يوضع أمامنا تفسير خاطئ للذهب النقي الذي هو الكتاب المقدس فننخدع... وقد استخدم الشيطان هذه الوسيلة لكي يخدع بها سيدنا ومخلصنا الذي بدا ربنا كأنه إنسان عادي، إذ بتفسيره (الشيطان) المضلل حاول أن يفسد ما يفهمه الصالحون (مت4). لقد حاول أن يثبت تفسيره... فلفت أنظارنا إلى الأقوال القيِّمة التي للكتاب المقدس محرفًا تفسيرها لنفهمها فهمًا خاطئًا يختلف كليةً عن المعنى الحقيقي...
كذلك يحاول أن يخدعنا بالتزييف، كأن يحثنا على الانشغال ببعض أعمال الرحمة (بطريقة غير سليمة). وهو بهذا يظهر كأنه يتكلم بفكر الآباء الحقيقي، فيقودنا إلى الرذيلة في شكل الفضيلة، فيخدعنا بالأصوام أو الأسهار الطويلة، أو الصلوات الزائدة عن الحد، أو القراءات الغير مناسبة، وبهذا يجذبنا إلى نهاية سيئة.
وأيضًا يغوينا بأن نسلم أنفسنا إلى الاعتناء بالآخرين والافتقاد الروحي، وهو بهذا ينتزعنا عن وجودنا الروحي في الدير، ولينزع عنا سر الهدوء الملازم لنا، ويقترح علينا أن نأخذ على عاتقنا الاهتمام بضيقات النساء المتدينات اللواتي في عوز وإشباع احتياجهن. فإذا ما ارتبك الراهب وسقط في أمر كهذا يجعله قلقًا بهذه الأعمال والاهتمامات الضارة.
كذلك عندما يحرص الراهب أن يشتاق إلى وظيفة كهنوتية مقدسة، بحجة تعليم الناس وحبه لربح النفوس، وهو بهذا يجذبنا بعيدًا عن التواضع والتدقيق في حياتنا.
هكذا يقدم لنا كل الأمور التي تعترض خلاصنا ولا تتناسب مع عملنا، غير أنه يخفيها بغطاء، أو يحجبها بحجاب من الشفقة والدين، لكي يخدع بسهولة من تنقصهم المهارة والحرص.
إنهم يقلدون عُملة الملك الحقيقي، إذ يظهرون هذه الأعمال مملوءة شفقة، لكن لم يصكها الذين لهم هذا الحق، أي لا تتفق مع فكر آباء الكنيسة الجامعة، ولا يحصلون عليها من المكتب العام المخصص بتسليمها، إنما تصك خلسة بخداع شيطاني ويدسونها لغير الماهرين والجهلاء...
وإذ تبدو في البداية نافعة ولازمة، إلا أنه بعد ذلك تبدأ تتغلغل داخل سلامة عملنا وتضعف كل كيان هدفنا بعدة أساليب. لذلك حسنٌ أن تقطع هذه الأفكار وتبعد عنا، وذلك كما لو كانت عضوًا فاسدًا، الذي وإن بدا لازمًا لكنه مضر لنا. فإنه من الأفضل أن نكون بدون هذا العضو من وصية ما، أي أننا لا ننفذها ونبقى في سلام وأمان وندخل ملكوت السماوات هكذا عن أن نخطئ في كل الوصايا عن طريق خداع الشيطان الذي يقدم لنا أن ننفذ وصية ما، وبواسطتها يحرمنا من نظامنا الدقيق وترتيبنا، وهكذا تصير لنا خسارة تفوق في أهميتها أي ضرر لاحق، وتدفع بكل جهادنا السابق وكل جسد أعمالنا إلى الحرق في نار جهنم (مت 8:18).
قيل عن هذه الأنواع من الخداع "تُوجَد طريق تظهر للإنسان مستقيمة وعاقبتها طرق الموت" (أم 25:16). وأيضًا "ضررًا يُضَرُّ من يضمن غريبًا.." (أم 15:11). فالشيطان يخدعنا بأخذه مظهر القداسة...
الكتاب المقدس: بحث، تفاسير | القراءات اليومية | الأجبية | أسئلة | طقس | عقيدة | تاريخ | كتب | شخصيات | كنائس | أديرة | كلمات ترانيم | ميديا | صور | مواقع
https://st-takla.org/books/fr-tadros-malaty/john-cassian/conferences-1-discerning-ideas.html
تقصير الرابط:
tak.la/5ab2czx