مكتبة الكتب المسيحية | كتب قبطية | المكتبة القبطية الأرثوذكسية

كتاب المسيح في سر الإفخارستيا - القمص تادرس يعقوب ملطي

12- الليتورچيا والعهد القديم

 

الإفخارستيا كلمة الله

"كلمة" الإنسان، في معناها الواسع منفصلة عن "كيانه"، لكنها تعبر عن آرائه، وتفضح حياته الداخلية، فيمتد أثرها على حياة السامعين إذ تحمل إليهم شخصية المتكلم.

"الكلمة" في المعنى الواسع تضم الكلمة المنطوقة والكلمة المكتوبة والإيماءات بما تحمله من غنى للتعبير عما يود الإنسان أن يقوله لكن اللغة تعجز عن التعبير عنه، كأن يهز الإنسان كتفيه بغير مبالاة، أو يبتسم لآخر. كذلك الرموز تدخل تحت "الكلمة"، لأن يشارك الإنسان غيره طعامه علامة الصداقة العميقة...

على أي الأمور، تكشف "الكلمة" أعماق الإنسان الداخلية، ومن خلالها يقدم الإنسان نفسه للغير، ويقيم معهم صداقة، وينشئ وحدة. هي وسيلة لعطاء الإنسان نفسه للآخرين، بدونها نبقى جميعًا في عزلة عن بعضنا البعض، عاجزين عن الدخول في أي نوع من العلاقات[163].

هذا عن فاعلية "كلمة الإنسان" وأثرها على حياة الغير، أما "كلمة الله" الخالق، فيحمل حضور الله نفسه، غير منفصل عنه، عمل ويعمل ويبقى عاملًا فينا... هو خلقنا وخلصنا ويهبنا الحياة الأبدية!

لقد حدثنا الله على طوال تاريخ خلاصنا بأنواعٍ وطرق متنوعة، تارة بخلقته العالم من أجلنا، وأخرى بإعلان عنايته بنا. تارة بالرؤى وأخرى خلال الأحداث وثالثة عن طريق الأنبياء. وفي ملء الزمان حدثنا في ابنه[164] حديثًا عمليًا، بالبذل عن حياة العالم.

على الصليب، لم يقدم لنا كلمته منقوشة على ألواح حجرية، إنما قدم لنا كلمته الأبدي الحيّ، ذبيحة قادرة على خلاصنا، تهبنا البنوة لله، وتدخل بنا إلى السموات.

في سرّ الإفخارستيا، الذي هو سرّ الصليب، يهبنا الله كلمته حاضرًا في الكنيسة، مكملًا كل تاريخ خلاصنا المقدس، محققًا كل كلمة نبوية واهبًا إيانا الإتحاد مع الله أبيه.

St-Takla.org Image: Eucharist and the Church, used with permission - by Mina Anton صورة في موقع الأنبا تكلا: الإفخارستيا والكنيسة، موضوعة بإذن - رسم الفنان مينا أنطون

هكذا نرى كلمة الله الأبدي منطوقًا في حقيقته الكاملة، عاملًا في حياة الناس عبر كل الأجيال، فلا نسمع الكلمة الإلهي بآذاننا فحسب إنما نقبله عاملًا في حياتنا، نتحد به، ونصير واحدًا معه.

عند المذبح الإلهي، نعبر العالم كله ونرتفع مع موسى النبي على جبل محبة الله ونستلم الكلمة ذاته، وندخل معه السماء، ونقف قدام مجد الله السماوي.

باختصار إن سرّ الإفخارستيا هو رحلة، فيها ينزل الكلمة الإلهي إلينا ويرفعنا نحن فيه.

الإفخارستيا والعهد القديم

حدثنا الله قديمًا، وهو لا يزال يحدثنا إلى اليوم، ويعمل فينا خلال جسد ابنه، أي خلال الكنيسة، فيقدم لنا "جسد كلمته ودمه" المبذولين لنا شركة مع المسيح في الحياة المقامة.

حديثه الحالي هو امتداد وتحقيق لما تحدث به قديمًا مع البشرية.

كمثال، في صلوات الليتورچيا الواردة في النظام الرسولي [165] Apostolic Constitution يشكر الخديم الله من أجل خلقته العالم، وعنايته بالبشرية، من أجل ذبيحة هابيل، وانتقال أخنوخ، وخلاص نوح، وإقامة عهد مع إبراهيم، وذبيحة ملكي صادق... فقد صنع عجائبًا في الماضي، هي رموز لعمله العجيب الذي تممه بواسطة المسيا في ملء الأزمنة.

فاليتورچيا الإفخارستيا هي تكميل وامتداد للعمل الكهنوتي في العهدين القديم والجديد، كما ذكرنا أيضًا هنا في موقع الأنبا تكلا هيمانوت في مواضِع أخرى. تتمم الماضي إذ هي الذبيحة الوحيدة المقدمة عن البشرية لله الآب، منذ آدم إلى آخر الدهور، والتي  حققت كل رموز العهد القديم. وهي أيضًا بعينها ذات ذبيحة العهد الجديد التي قُدمت على الصليب دفعة واحدة بغير تكرار.

يقول القديس أغسطينوس[166] أن السيد المسيح قد جاء ليهب العالم "حياته" معلنا لنا في ملء الأزمنة ما قد خفي في العهد القديم.

يقول القديس إيريناؤس[167] أن الآباء الأولين "البطاركة" والأنبياء قد زرعوا الكلمة الخاصة بالمسيا، والكنيسة تحصدها.

_____

الحواشي والمراجع لهذه الصفحة هنا في موقع الأنبا تكلاهيمانوت:

[163] Cooke: Christian Sacraments, Christian Personality, chg.

[164] Heb. 1 : 1, 2.

[165] Against Contt.8 : 12, 20 : 27.

[166] Against Palag. 3 : 7.

[167]. Against Heris 4 : 25 : 3.

رموز الإفخارستيا في العهد القديم

المسيح في سر الإفخارستيا كتب القمص تادرس يعقوب ملطي

إنجيل عملي

---