محتويات
أهم أعماله رسالة وجّهها إلى أهل فيلبّي، وأخبار محاورة جرت بينه وبين Anicetos أنيكيتس أسقف روما. فقد توجّه إلى روما سنة 154 م.، وجادل أسقفها أنيكيتس الحمصي في قضية عيد الفصح. فأصر هذا على الاحتفال بالعيد يوم الأحد وتشبث بوليكاربوس بالربع عشر من نيسان، مهما كان اليوم الذي يوافق هذا التاريخ [262] حسب التقليد الرسولي في آسيا، فبقي كل منهما على عادة بلاده، واشتركا في خدمة الأسرار الإلهيّة [263]، فقد حافظ الاثنان على وحدة الكنيسة بالرغم من اختلافهما في تحديد موعد العيد.
هذه الرسالة لها علاقة وثيقة برسائل القدّيس أغناطيوس؛ فهي إن لم تكن كلّها فجزء منها كان معاصرًا لرسائل القدّيس أغناطيوس.
يخبرنا القديس إيريناؤس [264] أن القدّيس بوليكاربوس بعث عدة رسائل إلى الكنائس المسيحيّة المجاورة وإلى بعض الأساقفة زملائه. لم يصلنا من هذه الرسائل سوى رسالته إلى أهل فيلبّي، وصلتنا بالكامل في ترجمة لاتينيّة أمّا المخطوطات اليونانيّة فلم تحو سوى الفصول 1-9: 2.
طلب أهل فيلبّي من القدّيس بوليكاربوس نسخة من رسائل القدّيس أغناطيوس، فأرسلها ومعها رسالة وجّهها إليهم، هذه الرسالة مدعّمة بحجج قويّة على صحتّها، شهد بذلك القديس إيريناؤس [265]، وكثير من الآباء.
اتفق أغلب علماء العصر الحديث على صحة هذه الرسالة.
ويصعب أن يوجد ما يبرّر تزوير هذه الرسالة، وإن كان البعض يرى بأن الاصحاح الثالث عشر منها دخيل عليها.
طور P. N. Harrison النظريّة القائلة بأن الوثيقة المدعوة "رسالة بوليكاربوس" في حقيقتها تحوي رسالتين كتبهما إلى أهل فيلبّي في زمنين مختلفين نُسخا في مخطوطة واحدة امتزجا إلى رسالة واحدة. الأولى هي فصل 13 وربّما أيضًا فصل 14، كانت رسالة قصيرة كرسالة مرافقة لصور رسائل القدّيس أغناطيوس، أُرسلت في سبتمبر من السنة التي استشهد فيها القدّيس أغناطيوس، أمّا الرسالة الثانية وتحوي فصول 1-12 كتبها القدّيس بعد 20 عامًا من الرسالة الأولى أو أكثر [266]، ما بين سنة 135، 137م.
رسالة القدّيس بوليكاربوس إلى أهل فيلبّي لها أهميّة كبرى، فهي تكشف لنا عن حالة الكنيسة البكر في أوربا، والتي كانت عزيزة على القديس بولس الرسول.
تمتاز بأنّها غزيرة في جهة الحكمة العمليّة، مقتبسًا الكثير عن نصوص الكتاب المقدس.
إنّها تعكس لنا روح القدّيس يوحنا في وداعته كالحمل وملامح الهدوء. فقد كان محبًا كما كان يوحنا، وقد انعكس صوت "ابن الرعد" على بوليكاربوس في توبيخاته.
تكشف هذه الرسالة التي ترجع إلى القرن الثاني عن بنود الإيمان المسيحي قبل ظهور الهرطقات الخاصة بلاهوت السيد المسيح... فالرسالة تعلن عن الإيمان الثالوثي: الآب والابن والروح القدس؛ وتجسّد الكلمة وصلبه وموته؛ والقيامة من الأموات؛ والدينونة.
تدافع الرسالة عن التعليم الخاص بالتجسّد وموت السيّد المسيح على الصليب للرد على المعلّمين الكذبة:
[كل روح لا يعترف بيسوع المسيح أنّه قد جاء في الجسد هو ضدّ المسيح؛ وَمَنْ لا يعترف بشهادة الصليب هو من الشيطان؛ ومن يحرف كلمات الرب لأجل شهواته قائلًا إن ليس قيامة ولا دينونة، فهو بكر إبليس [267].]
جاءت الرسالة عمليّة، فالإيمان يجب أن يكون بلا انحراف وفي نفس الوقت يلزم أن يترجم عمليًا في حياة الإكليروس والشعب:
1. من جهة الإكليروس تحدّث عن واجبات الشمامسة [268] والقسوس [269].
2. من جهة الشعب، حثهم على الفضيلة [270]، المثابرة في الجهاد [271]، وصنع الخير [272].
يتحدّث عن الإيمان الحيّ بالسيد المسيح الواهب الثمر مع الاقتداء به والطاعة لوصاياه:
[لنركّز أنظارنا دومًا على رجائنا وعربون برّنا، يسوع المسيح، الذي حمل خطايانا في جسده على الخشبة، والذي لم يوجد في فمه غش (1بط2: 24، 22)، والذي لأجلنا احتمل كل شيء لكي نحيا فيه.
[اتبعوا مثال الرب، ثابتين غير متزعزعين في الإيمان، محبّين الأخوة... [274]]
إذ يتحدّث عن القس فالنز وزوجته اللذين بسبب الطمع انحرفا عن الإيمان، قائلًا: [إنني حزين جدًا يا اخوة من أجل فالنز ومن أجل زوجته أيضًا، يا ليت الرب يمنحمها توبة صادقّة! عالجوا هذا الأمر بالذات باعتدال، ولا تحسبوهما أعداء، بل حاولوا أعادتهما كعضوين مريضين تائهين، ومتى عادا يصبح جسدكم كاملًا، إذا فعلتم هذا فإنكم تبنون أنفسكم [275].]
هكذا يحسب البحث عن النفس المنحرفة ليس خيرًا نقدّمه للغير بل لأنفسنا، لأنّه ما دامت توجد نفس ضائعة فنحن غير كاملين، كما ذكرنا أيضًا هنا في موقع الأنبا تكلا هيمانوت في أقسام أخرى. بعودة النفس المنحرفة يحل السلام على الكنيسة ويكمّل البنيان.
لم يشر القدّيس بوليكاربوس إلى أسقف فيلبّي، إنّما تحدّث عن الطاعة الواجب تقديمها للقسوس والشمامسة، لعلّه لسببٍ أو آخر لم يكن بفيلبّي أسقف، وإنّما كان يدير أمورها مجمع القساوسة [276].
تصور الرسالة الكاهن المثالي في العبارات التالية:
[ينبغي أن يكون القسوس عطوفين ورحماء على الجميع، فيردون الذين ضلوا، ويزورون المرضى، ولا يهملون الأرملة واليتيم والفقير، بل دائمًا يكونون "معتنين بأمورٍ حسنة قدام الرب والناس" (راجع رو12: 17؛ 2كو8: 21)، ممتنعين عن كل غضب، ومحاباة الناس، أو إصدار حكم ٍظالمٍ، هاربين من كل محبّة للمال، غير متعجلين في الحكم ضدّ أحد، غير قاسين في الحكم، عالمين إنّنا جميعًا مدينون بالخطيّة [277].]
جدير بالملاحظة أن الكنيسة في بدء انطلاقها لم تدخل في التيار السياسي وبقيت هكذا بالنسبة لبعض الكنائس كالكنيسة القبطية الأرثوذكسيّة، لكنها تشعر بالمسئوليّة نحو رجال السياسة كقادة لهم دورهم في حياة البشر، وأيضًا في حياة الكنائس المحليّة، خاصة إن كان القادة يضطهدون الكنيسة ويقاومون الإيمان.
[صلّوا لأجل الملوك (والرؤساء) (1تي2: 2)، والسلاطين والأمراء، صلّوا من أجل كل الذين يضطهدونكم ويبغضونكم، ومن أجل أعداء الصليب، حتى تكون ثمرتكم واضحة للجميع، وتكونوا كاملين فيه (المسيح)... [278].]
[262] F. E. Brightman: The Quartodecimen Question, Journ. Theol. Stud. 1923-1924, 254-270.
[263] Source Chrietienne, t. 10: 192; G. Bardy: L’Eglise Romaine sous le pontificat de S. Anicet, Rech, Sc, Rel. 1927, 496-501.
الدكتور أسد رستم: آباء الكنيسة - القرون الثلاثة الأولى، ص 39.
[264] Eusebius, H. E. 5: 20: 8.
[265] Adv. Haer. 3: 3.
[266] J. Quasten: Patrology, vol. 1, p. 79-80; P. N. Harrison: Polycarp’s Two Epistels to the Philippans, Cambridge, 1936.
[267] 7: 1.
[268] Ch. 5.
[269] Ch. 6.
[270] Ch. 2.
[271] Ch. 8.
[272] Ch. 10.
[273] Ch. 8: 1, 2.
[274] Ch. 10: 1.
[275] Ch. 11: 4.
[276] Quasten: Patrology, vol. 1, p. 80.
[277] Ch. 6:1.
[278] Ch. 12.
الكتاب المقدس: بحث، تفاسير | القراءات اليومية | الأجبية | أسئلة | طقس | عقيدة | تاريخ | كتب | شخصيات | كنائس | أديرة | كلمات ترانيم | ميديا | صور | مواقع
https://st-takla.org/books/fr-tadros-malaty/apostolic/works.html
تقصير الرابط:
tak.la/cp2hy65