محتويات:
(إظهار/إخفاء) لقد قنن
الله القداسة لشعبه من خلال تشريعه للزواج ورسمِ
حدوده. لأنه إذا كان من البدء قد خلق الإنسان ذكرًا وأنثي وكانت وصيته له
"أكثروا واملأوا الأرض" (تك1: 28). فكان لا بُد له أن ينظم العلاقة بين
الرجل والمرأة ويضع قوانين تزويجهما.
الله يُشَرِّع للزواج لحفظ طهارة الإنسان
الله يدعو أبناءه لحياة القداسة
القداسة بالمسيح
وموضوع الطهارة يهم أيضًا الجماعة البشرية من حيث أنها مرتبطة بضبط وتنظيم العلاقة الجنسية بين الرجل والمرأة، هذه العلاقة التي تكمن أهميتها في أنها الطريق الطبيعي لتوالد أنسال لأجيال جديدة ينضم كل جيل منها إلى هذه الجماعة ويرتبط كل جيل بانتمائه لوالديه وللمجتمع الذي ينشأ فيه. وعلى والديه واجبات نحو رعايته وتربيته، وعلى المجتمع واجبات نحو توفير سبل العيش له.
لذلك من أجل نقاوة الإنسان وسلامة مجتمعه أعطاه الله وصايا لحفظ طهارته، ووضع له حدود العلاقة الجنسية بين الرجل والمرأة وشرَّع له قوانين هذه العلاقة في إطار ما يسمى بالزواج.
ونلاحظ أنه لا يوجد مجتمع أو عقيدة إلا ولها شريعة للزواج. إما مكتوبة كنصوص دينية أو قوانين أقرها المجتمع المدني فيما يسمى بقوانين الأحوال الشخصية. إما محفوظة فيما يسمى بالتقاليد والعادات والأعراف أقرتها الجماعة البشرية كما هو في المجتمعات البدائية. وتشريعات الزواج هي التي تشير إلى مستوى حياة الطهارة والقداسة عند أصحاب هذه العقيدة أو تلك.
وسنتناول في هذا الباب تقنين الطهارة من خلال التشريع الذي وضعه الله للزواج في الكتاب المقدس والوصايا الخاصة بنقاوة الإنسان في حياته الزيجية من أجل بلوغه حياة القداسة التي تليق بأبناء الله.
ونلاحظ أن الله في دعوته لطهارة شعبه كان يخصصها في مقولة القداسة كأمر يخصه هو في علاقته مع شعبه، كما ذكرنا أيضًا هنا في موقع الأنبا تكلا هيمانوت في مواضِع أخرى. لأن الطهارة أمر قليل على الله. إذ ليس في طبيعته اللاهوتية ما ينجسه. لأنه بلاهوته هو قدوس. وإذ اختار شعبه من بين الأمم وقطع معهم عهدًا ودعا اسمه عليهم وأصبح هو ينتسب إليهم وهم ينتسبون إليه فلابد أن يكونوا صورة له حتى يليق بهم أن يحملوا اسمه بين الأمم. لذلك طالبهم بحياة القداسة وأعطى السبب الرئيسي لهذا الطلب أنه هو نفسه قدوس. فقال لهم "تكونون قديسين لأني أنا قدوس" (لا11: 45). ولكي يخصصهم له شعبًا مقدسًا قال لهم "تكونون لي أمة مقدسة" (خر19: 6). وإذ صارت القداسة مطلبًا إلهيًا وفي نفس الوقت يجد الإنسان نفسه عاجزًا بذاته عن بلوغها بسبب الخطية التي أصبحت من طبعه منذ أن زرع فيه إبليس بذور الشهوات؛ شهوة العيون وشهوة الجسد وتعظم المعيشة في أول خطية ارتكبها. فلكي يحقق الإنسان دعوة الله له لحياة القداسة أعطاه الله وصايا وشرائع وأحكامًا مُعينة له وذلك على مرحلتين؛ مرحلة العهد القديم وهو المستوى الابتدائي لتعليم الإنسان وفيه أعطاه وصايا للطهارة والنقاوة بغسلات جسدية ثم فريضة تقديس بوسيلة خارجة عن ذاته هي دم الذبائح الحيوانية المتعددة. ثم مرحلة العهد الجديد وهو المستوى الأعلى لتعليم الإنسان وفيه لم يذكر له شيئًا عن غسلات الجسد التي أصبحت أمرًا مسلمًا به من العهد القديم وأمرًا مفروغًا منه لدى إنسان حضارة الخمسة آلاف عام وقت تجسد المسيح، إنسان الأهرامات والمعابد وفن النحت والتصوير وعلوم الطب والرياضة والفلك والتحنيط، إنسان الفلسفة والمنطق. وارتقى به بوصاياه وتعاليمه. أما أمر تقديسه فقد جعله بوسيلة خارجة أيضًا عنه. ولكن ليس بدم حيوانات. بل بدم حمل الله الكلمة المتجسد دم ذبيحة صليبه التي تقدس إلى التمام روحًا وجسدًا، حتى يكون تقديس الإنسان وتبريره ليس منه بل بعمل نعمة الله بيسوع المسيح.
إذًا ليس لنا نحن حكمة ولا بر ولا قداسة بأنفسنا بل بالمسيح وحده الذي دعانا إليه لكي يهبها لنا. حتى إذا أراد أحد أن يفتخر فليفتخر بالرب الذي منه كل هذه.
وتقديسنا بالمسيح يتم بالاعتماد من الماء والكلمة كما يقول معلمنا بولس "أحب المسيح الكنيسة وأسلم نفسه لأجلها لكي يقدسها مطهرًا إياها بغسل الماء بالكلمة لكي يحضرها لنفسه كنيسة مجيدة مقدسة وبلا عيب" (أف5: 25-27).
والماء في حد ذاته ليس له قوة لتقديسنا وتبريرنا ولكنه يأخذ قوته في المعمودية من كلمة الله التي تقرأ عليه ومن اتحاده بزيت الميرون المأخوذ من الحنوط الذي ضُمدت به جراحات جسد المسيح القدوس وبحلول الروح القدس عليه بفعل الصلاة التي هي أيضًا من كلمة الله.
وإن كنا نلنا التقديس بالمعمودية مرة واحدة في حياتنا إلا أننا نستعيد تقديسنا وتبريرنا كلما مارسنا عمل المعمودية من خلال توبتنا وتناولنا من جسد المسيح ودمه. لأنه كما يقول معملنا يوحنا "ودم يسوع المسيح ابنه يطهرنا من كل خطية" (1يو1: 7). لذلك مهما اجتهدنا في تنفيذ الوصايا بقوتنا الذاتية فلا قداسة لنا بعيدًا عن نعمة المسيح ومساندته وعن الوسائل التي رسمها لنا لنوال عطايا تقديسنا. وهو قد وهبها لنا من محبته لنا، إذ اختارنا له لكي يحضرنا أمامه مقدسين وبلا عيب.
إذًا وصايا الطهارة والنقاوة الروحية والجسدية لا تقدس بذاتها ولكن تلتزم بها النفس لتؤهل ذاتها لنوال التقديس بدم المسيح وتحقق دعوتها إلى حياة القداسة التي دعاها الله إليها. وموضوعنا كله ينصب على هذه الوصايا كتشريع وتقنين لقداستنا التي ننالها بعمل ذبيحة الصليب. ونبدأ بتشريع العهد القديم أولًا.
الكتاب المقدس: بحث، تفاسير | القراءات اليومية | الأجبية | أسئلة | طقس | عقيدة | تاريخ | كتب | شخصيات | كنائس | أديرة | كلمات ترانيم | ميديا | صور | مواقع
https://st-takla.org/books/fr-salaib-hakim/sanctity-married/codification.html
تقصير الرابط:
tak.la/3ak7m54