13- الفصل الرابع: فتاة عاملة أم غير عاملة

ولكن مقابل هذه الميزات توجد نقط ضعف ومتاعب للزوجة العاملة. فلاشك أن الزوجة العاملة يستنفد العمل جزءًا ليس بقليل من طاقتها النفسية والعصبية والجسمية بسبب مسئوليات العمل ومضايقاته، ومتاعب المواصلات ومشاكل الطريق، بل وأحيانًا زيادة ضغط العمل مما يستوجب أحيانًا استكمال ما نقص منه بعد العودة إلى البيت.

وهذا يجعل الزوجة مستهلكة مما يؤثر على تصرفاتها في البيت، فيجعلها عصبية وسريعة الانفعال مع زوجها ومع أولادها ويسود التوتر الحياة اليومية. وإن كان ليس جميع الزوجات العاملات هكذا ولكن الغالبية منهن كذلك.

وكثيرًا ما تشكو الزوجة العاملة من التعب والإرهاق لذلك تلجأ للشغالات في تنظيف البيت أو مراعاة الأطفال، وهذا له أحيانًا مشاكله.

كما أنه بسبب ضيق الوقت قد تلجأ للمعلبات والأكياس المعبأة ووجبات الطعام الجاهزة. وهذه الأغذية لا تعادل بطبيعة الحال الطعام المطهي في البيت أمانًا ونظافة وتغذية صحية وسليمة.

وفي هذا كله تبدو الزوجة العاملة ليست في مستوى الزوجة غير العاملة في خدمة زوجها وأولادها وتوفير الراحة لهم ورحابة الصدر في احتواء مشاكلهم.

الزوجة غير العاملة متفرغة لتربية أبنائها ونظافتهم وحل مشاكلهم، وإرشادهم ومساعدتهم في مذاكرتهم، ومنحهم عواطفها ومحبتها، ومتأهبة في كل وقت للرعاية والسهر بمن يمرض أو يتوعك. تحمل في داخلها نفسًا هادئة وأعصابًا مستريحة تساعدها على أن تستقبل أولادها وزوجها باستمرار بالبشاشة والترحاب، وتجتهد في خدمتهم وفي عمل الصالح لهم، وتصلي بلا انقطاع من أجلهم ومن أجل سلام البيت.

وبصفة عامة الزوجة غير العاملة المتفرغة لبيتها - تُعتبر عاملًا مُلطفًا للمتاعب ومشيعًا للسلام، مُبددًا للقلاقل، مُخففًا لحدة التوتر، تضفي بمرحها وبهجتها وهدوئها جوًا من السعادة والراحة على كل أفراد الأسرة. هي بركة بفضيلتها وخدمتها وعبادتها.

من جهة أخرى فإن ذوق الأم في تهيئة وترتيب بيتها أفضل من عمل الشغالات وذوقهن. كذلك اهتمام الأم بأطفالها هو أكثر من اهتمام وعطف دور الحضانة أو جليسات الأطفال. والطعام الذي تعده في البيت أفضل من أطعمة المحلات والمطاعم.

إلاَّ أنه قد تكون هناك سلبيات للمرأة غير العاملة مثل سوء استخدام ما يتوفر لها من وقت فراغ في النميمة والأحاديث المطولة في التليفون وعدم الارتكاز في بيتها بالتنقل من بيت إلى بيت، وأحيانًا في خلق مشاكل مع الجيران وأحيانًا في الخطية، وذلك عند التي تنقصها الحكمة في استثمار وقت فراغها استثمارًا حسنًا.

والذين يميلون إلى أن المرأة غير العاملة هي الأفضل كزوجة وكأم وكربة بيت، فإنهم يرون أن الوضع الطبيعي للمرأة هو العمل المتعلق بالبيت. أما إحساسها بحقها في العمل الخارجي فليس إحساسًا أصيلًا، بل هو طارئ عليها، ووليد عوامل نفسية وحضارية واقتصادية أوجدتها ظروف المجتمع الحاضرة.

وهذا الرأي قد يبعد كثيرًا عن الاتجاه السائد اليوم الذي تتطلع فيه المرأة إلى تقلد أعلى مناصب الدولة، حيث أن تعليمها وانفتاح مجال العمل أمامها خلق عندها انجذابًا نحو كرامات الوظيفة التي تعمل على تأكيد ذاتيتها وتدعيمها المادي وإشباع رغبتها في الشعور بالمساواة بالرجل، وتطلعها إلى تقلد مختلف المناصب والوظائف.

وهذا الانجذاب لا غبار عليه للمرأة التي تسمح لها به كفاءتها العلمية وقدراتها الذهنية وصحتها الجسدية وظروفها العائلية وحاجة المجتمع لها، كما ذكرنا أيضًا هنا في موقع الأنبا تكلا هيمانوت في مواضِع أخرى. فليس هناك ما يمنع من ممارستها للعمل الذي تجيده.

لكن الملاحظ أن هناك نوعين من المرأة العاملة:

النوع الأول: هو المرأة العاملة من الطبقة المتوسطة وهى امرأة كادحة تعاني مشقة كبيرة لكي توفق بين القيام بواجباتها الوظيفية كامرأة عاملة وبين مسئوليتها المنزلية كربة بيت. وتدور بها عجلة الحياة كترس في آلة لا تفيق من الدوران فيها ولا تستريح من ضغط جهدها إلا بعد إحالتها على المعاش حيث تكون قد استهلكت، ويصبح لا هم لها في الباقي من عمرها إلا متابعة تناول الأدوية التي تلازم سن الشيخوخة.

النوع الثاني: هو المرأة العاملة من الطبقة الأرستقراطية التي تتوفر لها كل وسائل المعيشة المريحة، فإنها تعود من العمل لتجد راحتها ومن يخدمها من خدم وحشم. وهى تمارس عملًا لكي تشبع تقديرها لذاتها بمنصبها الوظيفي، أو أنها تعمل في مجال الأنشطة الاجتماعية كسيدة مجتمع، أو من وازع حب عمل الخير والرحمة الذي قد تبذل فيه وتعطي أكثر مما تأخذ وهى سعيدة بذلك.

هذه نظرة أو مقارنة عامة بين الزوجة العاملة وغير العاملة، ولكننا لا ننكر أن الوضع يختلف من بيت إلى بيت حسب طبيعة كل امرأة وحيويتها وإمكانياتها بغض النظر عن كونها عاملة أو غير عاملة. فقد توجد المرأة غير العاملة والمتفرغة لبيتها، ولكنها لا تسعد أفراده. كما قد توجد المرأة العاملة التي ترتفع بالكفاءة والقدرة في إسعاد بيتها أكثر من غير العاملة.

والنموذج الأمثل الذي يراه البعض من جهة عمل المرأة من الطبقة المتوسطة هو أن تعمل فترة مناسبة من اليوم تساعدها على التوفيق بين القيام بعملها الوظيفي وبين قيامها بمسئوليتها المنزلية بحيث تكون كل امرأة عاملة في المجتمع، وفي هذا فائدة عظيمة للمرأة وللمجتمع معًا.