إن تساوي السن يحقق غالبًا التكافؤ في التقارب الفكري وفي المزاج، وهذا نافع بين مجموعة من الزملاء والأصدقاء الذين تجمعهم علاقة الزمالة أو الصداقة وفي النهاية هم أفراد يستقل كل واحد منهم بحياته الخاصة. ولكن الأمر يختلف عن ذلك في الزواج، لأن الزواج من الوجهة الاجتماعية هو تكوين جماعة بشرية لها قائد مثل أي جماعة يجمع أفرادها حياة مشتركة. فإنها تحتاج بالضرورة إلى قيادة.
والقيادة دائمًا تكون لفرد واحد حتى تسهل مسيرة الجماعة، وإن كان حسن القيادة هو ما نبع من أخذ الرأي والمشورة ممن نقودهم لكن هذا لا يلغي وجود القائد الذي يقوم ببلورة الآراء واستبعاد الضار والأخذ بالصالح وتنفيذه لأجل خير الجماعة.
ولئن شاركت المرأة الرجل في تدبير الأسرة وإبداء الرأي إلا أن الرجل مسئول عن القيادة لأنه العقل فهو "رأس المرأة" (أف5: 23)، لذلك كان تفوق الرجل في السن على المرأة صالحًا له لكي يستطيع أن يكون مدبرًا لبيته، ويفيد بيته بخبراته وتجاربه، كما ذكرنا أيضًا هنا في موقع الأنبا تكلا هيمانوت في مواضِع أخرى. ويشهد الكتاب المقدس لهذه القاعدة عندما ذكر أن أبانا إبراهيم كان يكبر سارة بعشر سنوات. وذلك في قول الكتاب "فسقَطَ إبراهيم على وجهه وضحك، وقال في قلبه هل يُولَدُ لابن مئة سنةٍ؟ وهل تَلِدُ سارةُ وهى بنتُ تسعين سنةً" (تك17: 17). لأنه إن ساوى الرجل المرأة سنًا أو صغر عنها لكان تفكيره أقل خبرة وأقل نضجًا ولو في نظر المرأة ذاتها إلا في حالة واحدة وهى إذا كان عمر الشاب العقلي أكبر من عمره الزمني فهذا يعوضه صغر سنه عن فتاته في أمر التدبير.
قد يستطيب بعض الشباب أن يختار فتاة تكبره سنًا عندما يدرك أنها ستعوضه شيئًا معينًا أو حاجة مفقودة، أو بسبب وجود محبة سابقة، كذلك تقاليد بعض العائلات من ضرورة الزواج من الأقارب مهما كانت ظروف السن مثل ما يحدث في تزويج شاب لفتاة تكبره بعدة سنوات. كذلك عندما يخجل الشاب من أن يتراجع عن فتاة تقدم لاختيارها بعد أن اكتشف أنها تكبره سنًا.
هذه الزيجات التي فيها تكبر الزوجة الزوج إن كان لها أحيانًا بعض السلبيات إلا أننا لا ننكر أن هناك حالات زواج فيها الزوجة أكبر من الزوج سنًا ولكن أصحابها يعيشون في سعادة بسبب المحبة القوية بين الزوجين وبسبب حكمة الزوجة التي تحاول أن تبدو دائمًا حية ونشيطة وبشوشة متفائلة كما أنها تعتني دائما بمظهرها وبصحتها فتبدو وكأنها شابة دائمًا. ولكن هذه الحالات ليست كثيرة لذلك يجب على كل من الطرفين أن يراعى عند الاختيار مبدأ وجوب كبر سن الشاب عن الفتاة بفارق مناسب. مع ملاحظة ألا يكبر الزوج عن الزوجة بفارق كبير من السنين يؤدي إلى اضطراب في نفسية الزوجة في المستقبل أو تعب للزوج أو خلل في ميزان الحياة العائلية.
والقول بأفضلية تفوق الزوج على الزوجة في السن يقودنا إلى سؤال أكثر شمولًا هو:
نقول إنه من الأفضل أن يكون واضحًا عند الاختيار أنه كقاعدة عامة جرت العادة على افتراض تفوق الرجل وإن لم يكن في كل شيء فعلى الأقل في أمر أو أكثر، لأن هذا ما يشجع الفتاة على إبداء الموافقة على من يتقدم لها، لأنها تتوق إلى الشاب الذي يتفوق عليها مما يتماشى مع مسئولية الزوج في الحياة العائلية، تلك المسئولية التي تختلف في طبيعتها وفي حجمها عن مسئولية الزوجة، لأن الزوج مطالب بالقيادة والحماية والدفاع والإعالة وضبط الحياة العائلية وحزم الأمور، وليس من المستساغ تكوين عائلة فيها الزوجة أكثر علمًا وأكبر سنًا وأكثر مالًا وأقوى شخصية من الرجل.
ونقصد بالطبع هنا ما يؤثر على أسلوب الحياة والتفكير والتعامل، لأن طبع الإنسان يظهر في طريقة تفكيره وفي أسلوب حياته اليومية وفي طريقة تعامله مع الآخرين وفي عاداته السلوكية. ومن جهة هذا نقول إنه كلما كان الطرفان متقاربين في طباعهما كلما ساد الهدوء والتوافق بينهما، أما إذا كان الاختلاف كبيرًا فإن هذا يسبب مضايقات ومتاعب لأحد الطرفين أو لكليهما.
وعلى سبيل المثال إذا وُجد طرف مادي دنيوي متطرف في ماديته، يهوي الحياة الحسية والمباهج العالمية ولا يهدف إلى شيء في حياته سوى إشباع نفسه من كل اللذات الجسدية والمتع الدنيوية مع طرف آخر روحي يرغب عن العالم ويحب الكنيسة والأديرة والجو الروحي أكثر من دور السينما واللهو والرقص، فإن هذين الطرفين متضادان وإذا اجتمعا في حياة مشتركة قد يتعبان كثيرًا.
كذلك إذا وُجد طرف بخيل مقتر مع طرف كريم سخي. أو طرف يميل إلى الهدوء والخلود إلى النفس وعدم كثرة الصداقات مع طرف منبسط شغوف بالمجالس والزيارات، أصدقاؤه وزملاؤه كثيرون ومتنوعون، لا يفرغ بيته من الداخلين والخارجين منهم، كثير الاختلاط، محب للكلام، محب للهرج والمرج. أو طرف حليم وديع هادئ الصوت مع طرف آخر عالي الصوت قوي النبرات. أو طرف حار سريع متحرك مع طرف بارد بطيء شبه متجمد. أو أحدهما يحب النظافة والنظام وترتيب كل شيء في مكانه مع طرف فوضوي يلقي كل شيء هنا وهناك لا تهمه النظافة ولا النظام. أو طرف طموح مجتهد مع طرف كسول متواكل. أو طرف يحب الألوان الصارخة والأنوار المتلألئة وآخر يحب الألوان الهادئة والأنوار الخافتة. فإن مثل هذه الطباع والميول المتضادة يجب أن يفطن لها المرء عند الاختيار حتى يتجنب أحد أسباب منغصات الحياة الأسرية. ونحن لا نفترض أن الطرفين لابد أن يتساويا في الطباع والميول ولكن إذا لم يتيسر ذلك فعلى الأقل لا يكونان على طرفي نقيض.
وعمومًا لابد أن نشير إلى صعوبة اكتشاف الطباع الحقيقية قبل الزواج ولكن كما سبق وذكرنا أن الصراحة وعدم التكلف بين الطرفين عند الاختيار وسلوك الإنسان على سجيته في فترة الاختيار من أهم الأسس التي يقوم عليها الزواج الناجح. وإخفاء أي طرف لحقيقة طباعه عن الطرف الآخر فيه ضرر على الحياة المشتركة المستقبلية بينهما.
هناك أمر أيضًا على جانب كبير من الأهمية، وهو نسبة الذكاء لدى الطرفين. فإن تنوعت تعاريف الذكاء من القدرة على الفهم إلى القدرة على التعلم والتحصيل أو القدرة على إدراك العلاقات أو سرعة البديهة فعكس الذكاء هو الغباء الذي يتضمن بطء الفهم وصعوبة التعلم والتحصيل وسوء التقدير وسوء التصرف وضيق الأفق، مما يتسبب عنه العناد والمعارضة وعدم الاقتناع وصعوبة التفاهم نتيجة تحجر الفكر وعدم إعمال العقل وعدم القدرة على الإقناع والاقتناع.
وإذا اجتمع طرفا الذكاء والغباء معًا في معيشة واحدة فإنها تجربة قاسية ومرة. ويؤكد لنا هذه المرارة توصيف الكتاب المقدس لهذين الطرفين تحت مسمى العاقل والجاهل أو الحكيم والأحمق.
فيقول عن الجاهل إنه يسلك في الظلام (جا2: 14). وينشر حمقًا (أم13: 16). وكما يعود الكلب إلى قيئه هكذا الجاهل يعيد حماقته (أم26: 11). وفعل الرذيلة عنده كالضحك (أم10: 23). وابتداء كلام فمه جهالة وآخر فمه جنون رديء (جا10: 13). وطريقه مستقيم في عينيه (أم12: 15). وإن كان الحجر والرمل ثقيلان فغضب الجاهل أثقل منهما كليهما (أم27: 3). لذلك يقول "ليُصادف الإنسان دُبَّةٌ ثكولٌ ولا جاهلٌ في حماقتِهِ" (أم17: 12). ثم يوصينا بقوله "اذهب من قُدَّام رجل جاهل" (أم14: 7). ولا تجاوب الجاهل حسب حماقته (أم26: 10). وفي أذنيه لا تتكلم لأنه يحتقر حكمة كلامك (أم23: 9). كذلك عن المرأة الجاهلة يقول إنها "صخّابةٍ حمقاء ولا تدري شيئًا" (أم9: 13). وإن كان هذا حال الجاهل والجاهلة فحملهما على الطرف العاقل ثقيل جدًا ويكونان سبب معاناة له لا تهدأ ليلًا ونهارًا.
لذلك يُرجع علماء الاجتماع المتخصصون في علم الأسرة أغلب المشاكل بين الزوجين إلى ضعف ذكاء أحدهما أو الاثنين معًا أو التفاوت الكبير في نسبته بين الطرفين، لأن جميع المشاكل يمكن إيجاد حل لها سلبًا أو إيجابًا، وقتيًا أو بالخضوع لعامل الزمن، والعقل قادر على عبورها باستخدامه شتى الوسائل العلمية والثقافية والدينية. لذلك فقيام المشاكل واستمرارها في أي أسرة دليل على عدم تمتع الزوجين أو أحدهما بنسبة كافية من الذكاء أو رجاحة العقل التي تساعدهما على عبور المشاكل والخلافات. لذلك يجب التنبه لهذا الجانب من بداية التعامل بين الطرفين.
أما إذا حدث وارتبط طرف عاقل بطرف جاهل فليس على العاقل سوى العمل بقول معلمنا بولس: "فإنكم بسرور تحتملون الأغبياء، إذ أنتم عُقَلاءُ" (2كو11: 19).
الكتاب المقدس: بحث، تفاسير | القراءات اليومية | الأجبية | أسئلة | طقس | عقيدة | تاريخ | كتب | شخصيات | كنائس | أديرة | كلمات ترانيم | ميديا | صور | مواقع
https://st-takla.org/books/fr-salaib-hakim/engagement/age-temper.html
تقصير الرابط:
tak.la/3mqh227