35- الخاتمة: العودة إلى التحذير من إهمال الأساس الروحي

إن الحقائق الواردة في هذا الكتاب والتوجيهات المتعلقة بها هي ضرورية لكل شاب وفتاة، وضرورتها تنبع من حاجة الإنسان إلى المعرفة في نواحي الحياة المختلفة، ومنها الزواج كمشروع لقيام أسرة.

وإن كان كل مشروع يحتاج صاحبه لدراسته من جميع النواحي، لكي يتفادى أي ثغرات فيه أو أي نوع من الخسارة يمكن أن يتعرض لها. هكذا مشروع الزواج يجب أن ينال من كل شاب وفتاة قسطًا من الدراسة والتثقيف الذاتي بقراءة كتب في سر الزيجة والصحة العامة والتربية وعلم النفس وعلم التغذية والاقتصاد والتدبير المنزلي. هذا بجوار الكتب الروحية والإيمانية من منطلق مسئولية الوالدين عن التنشئة الدينية لأبنائهم.

وبقدر ما يتثقَّف كل من الشاب والفتاة في هذه المجالات بقدر ما يكون ناجحًا في مسئولياته الأسرية كزوج وزوجة أو كأب وأم.

ولابد أن يعي كل من الشاب والفتاة أن الزواج مسئولية كبيرة يتخطى العامل الحسي الذي حسب ما دبرته إرادة الله في خلقة الإنسان يُعتبر الدافع الفطري والمحرك في معظم حالات الارتباط الزيجي. إن الزواج يتخطى هذا العامل إلى جوانب أخرى هي عماد الحياة العائلية ولا يمكن أن تقوم بدونها. يجب أن يعيها الخطيبان ويتفهماها بعقلهما.

ولا نغالي إذا قلنا إن معظم المشاكل الأسرية ترجع إلى نقص المعرفة في جوانب الحياة الأسرية المختلفة. تمامًا مثل من يقيم مشروعًا ما دون دراية أو دراسة ومعرفة كافية فينتهي المشروع بالفشل، ويتكبد خسارة كل ما كان لديه. ولربما الخسارة في المشروعات المادية أخف وطأة من خسارة مشروع الزواج، لأنه مشروع رحلة الحياة كلها لكثيرين.

لذلك يجب أن يبعد كل من الشاب والفتاة عن الأسلوب الارتجالي المبني على اللامعرفة في حياته عمومًا وفي حياته الأسرية بوجه خاص، كما ذكرنا أيضًا هنا في موقع الأنبا تكلا هيمانوت في مواضِع أخرى. بدءًا من التفكير في الزواج حتى إنجاب الأطفال وتربيتهم. ولا يصح أن يسير المرء في تيار المثل الشائع إن (الزواج حظ). لأن الذي يؤمن بعناية الله وتدبيره لا يأخذ بالحظ والصدفة. وإن كانت التوجيهات هنا لها طابع عملي فهى للتنفيذ الفعلي حتى يمكن الإفادة منها.

ولعل التغيرات المتلاحقة في الثقافة والفكر، والقفزات السريعة المتتابعة في الاتصالات والمعلومات، والتطور الحضاري والتكنولوجي وتأثيره على البيئة وعلى ظهور كثير من الأمراض النفسية والجسدية، كل هذه انعكس تأثيرها على طريقة تفكير الفرد وبالتالي على علاقاته الأسرية، وعلى نظام الحياة في داخل الأسرة وعلى استقرارها الذي كانت تتمتع به من قبل. وهذا ما يستوجب بالأكثر ما أشرنا إليه من ضرورة القراءة والاطلاع في مجالات الحياة الأسرية من أجل إقامة أسرة سعيدة مستقرة تتمتع بسلام الله وكمال الصحة النفسية والجسدية والروحية لجميع أفرادها.

ونعود فنؤكد على ضرورة جعل الأساس الروحي دعامة لقيام الزواج حتى يكون صادقًا صحيحًا ولا يكون زواجًا مزيفًا مضروبًا يجني الزوجان مرارة زيفه طيلة حياتهما ويفقدان سعادتهما وسلامهما. وسبب هذا التأكيد هو واقع الحياة الأسرية الذي يثبت أن إهمال الأساس الروحي في تتميم الزواج يُعرّض الأسرة للانهيار أمام أي خلافات أو مصادمات، فتشبه حسب كلام السيد المسيح البيت الذي بني على الرمل فنزل المطر وجاءت الأنهار وهبت الرياح وصدمت ذلك البيت فسقط وكان سقوطه عظيمًا (مت7: 26، 27).

نسأل الله أن يعطينا حكمة لكي نستثمر فترة الخطوبة في وضع وترسيخ الأساس الروحي الذي نبني عليه زواجنا لكي يبارك حياتنا الأسرية ويملؤها بالسلام والسعادة ويصونها من التفكك والانحلال.