محتويات: (إظهار/إخفاء) |
1 - قرار الزواج 2 - مفهوم الزواج |
الاختيار يسبقه أمران هامان، أولهما أخذ قرار في أسلوب قضاء رحلة العمر على الأرض؛ إن لم يكن البتولية أو حياة البرية فسيكون بالطبع الزواج وما يتبعه من الارتباط بالعالم والإقامة فيه. وإذا استقر الرأي على الزواج فيكون الأمر الثاني هو الوعي بمفهوم الزواج ومقوماته ومسئولياته. وهذان الأمران هما ما سنوضحهما فيما يلي:
إن كان الزواج هو طريق الغالبية لكنه ليس طريق الكل. فبعض الذين عاشوا في حضن الكنيسة وتتلمذوا على خدامها ورعاتها، واغترفوا من تعاليم قديسيها وأبرارها وتشربوا من سيرهم العطرة وروائح فضائلهم، وارتسمت أمام عيونهم الصورة الفضلى للبتولية، والتمتع بالسلام في هدوء البرية، والنموذج المثالي للقداسة في نساكها وعبادها، وسمو مركز هؤلاء في الملكوت الأبدي. ترسخ في نفوسهم أشواق عظيمة لمعايشة حياة هؤلاء الروحانيين، والسير في دربهم والنهج على منوالهم.
ولكن الواقع يقرر أن هناك فارقًا بين الاشتياق إلى شيء والتعلق به من جهة، وبين إمكانية الحصول على هذا الشيء من جهة أخرى. فليس كل من يشتاق إلى حياة الرهبنة ينال نعمتها. لأن الرهبنة لها أعباؤها، ومن يفكر فيها لابد أن يعي أركانها الأساسية الأربعة وهى:
البتولية - الوحدة - الفقر الاختياري - الطاعة العمياء
أ - البتولية: التي تبُنى على غياب فكر الزواج وموت الرغبة فيه تشبهًا بالحياة الملائكية. وتدريبها الروحي المساعد عليها ضبط شهوة البطن بالأصوام والتقشف والزهد في المأكل والملبس وإذلال الجسد بالمطانيات والخدمة.
ب - الوحدة: وهى محبة الانفراد بالله والحديث معه وتنبني على الزهد في حياة العالم ووجود الاستعداد للاستغناء عن عشرة الناس وتبادل الأحاديث معهم. وتدريبها الروحي الصلاة المتواترة بالمزامير والتسابيح والتأمل ويلزمها حفظ المزامير وتسبحة باكر وعشية ونصف الليل وترديد الصلوات التأملية المدونة لآبائنا القديسين.
ومن الوسائل المساعدة على تداريب الصلاة محاولة ممارستها في البيت وفي الكنيسة وكثرة التردد على الدير لقضاء الخلوات الروحية.
حـ - الفقر الاختياري: ويعني التجرد من كل قنية للإنسان، والأصل فيه أن يكون للإنسان أصلًا ما يملكه من مال أو مجوهرات أو عقارات أو أطيان أو مصادر كسب من وظيفة أو عمل حر. والغرض هو قطع ارتباطه بكل ما هو أرضي. والتدريب العملي له هو الموت عن حب الملكية لأي شيء مهما كان بسيطًا، واعتبار كل ما للإنسان أنه ملك للجميع وتوزيع كل ما له أولًا بأول لكل من هو محتاج أو من هو مستحق، والاكتفاء بالقليل في كل شيء.
د - الطاعة العمياء: وتعني الخضوع الكامل وعدم المعارضة للمرشد الروحي فيما يتعلق ببناء الإنسان الروحي وبما يحفظ نظام الدير وقوانين الرهبنة. والقصد منها الموت عن الذات وعدم اعتداد الإنسان بعمله أو معرفته أو حكمته.. والتدريب العملي لها يبدأ بطاعة وصايا المسيح والالتزام بالتسليم الرسولي والآبائي وطاعة الوالدين وأب الاعتراف ورؤساء العمل في العالم.
هذه هي الأركان الرئيسية الأربعة للرهبنة وتتركز كلها في الموت عن الجسد وعن الذات وعن العالم وعن علاقات البشر، هذه التي تعتبر الطريق الطبيعي لحياة البتولية المقننة أي التي تخضع لقوانين الرهبنة. والغاية الأخيرة لها هو الاستغناء عن الكل من أجل الارتباط بالواحد أو الموت عن الكل من أجل الحياة بالواحد. وهناك من تسمح إمكانياتهم واستعداداتهم الطبيعية لشق طريقهم إليها فيثبتون أنظارهم نحو البرية ويتوجهون إليها في هدوء وصمت. ولا يشكل الأمر مشكلة لهم.
وهناك من يدخلون في صراع شديد بين الرغبة في الرهبنة والاشتياق إليها وبين عدم توفر الإمكانيات للانخراط فيها، كما ذكرنا أيضًا هنا في موقع الأنبا تكلا هيمانوت في مواضِع أخرى. وجيد للإنسان أن يعرف قدر نفسه حتى لا يرتئي فوق ما ينبغي أن يرتئي. إلاَّ أن هذه المعرفة لا تتأتى إلا عندما يكتشف الإنسان حقيقة إمكانياته. أما إذا صعب عليه ذلك فعليه أن يلجأ لأحد الآباء المختبرين في البرية ويسترشد برأيه لكي يقوده بحكمته إلى الطريق الذي يمكن أن يسلكه؛ لربما برؤية مباشرة ولربما بعد اللجوء إلى بعض التداريب الروحية التي تأخذ بعض الوقت حتى تتبلور الرؤية لينبني التوجيه على واقع حقيقي من الإمكانيات لهذا الطريق أو ذاك.
لذلك كثيرًا ما ننصح أبناءنا وبناتنا حتى الذين تظهر رغبتهم في الرهبنة في سن مبكر بأن تكون نية الرهبنة أو الرغبة فيها سرًا بين الإنسان وأب اعترافه فقط. لأن البعض تردد كثيرًا على الأديرة ولم يكن لهم نصيب في الرهبنة لأنهم لم يُقبلوا فيها لسبب أو لآخر. ومن ثم كان من الطبيعي أن يتجهوا بعد ذلك للزواج والحياة في العالم. وهذا ما قصدنا به أخذ القرار.
أما تنفيذ القرار فيتوقف على مدى توفر الإمكانيات التي تسمح بالقيام بالزواج كمشروع له متطلباته ومسئولياته. لذلك لا يصح أن يبدأ الشاب في الكلام مع أي طرف من أجل الارتباط، بل لا يصح لأهل الفتاة أن يقبلوا الكلام معه إلا إذا كانت قد توفرت له إمكانياته التي تؤهله أن يكون زوجًا ورب بيت وعائلًا لأسرة.
ومن أهم هذه الإمكانيات هي استيعاب مفهوم الزواج. فالذين يقدمون على الزواج لابد أن يعوا مفهوم الزواج على أنه ارتباط بين رجل وامرأة لحياة مشتركة مستقرة من أجل أن يكون كل منهما معينًا للآخر في مسئوليات الحياة والمعيشة. ومن خلال تعاونهما معًا في حياة مشتركة تمتلئ حياتهما بالحب ثمرة عطاء كل منهما للآخر. ومن هنا يحصلان على سعادتهما. وهذا هو الهدف الأول للزواج.
وارتباط رجل وامرأة في عيشة مشتركة تحت سقف واحد من أجل التزاوج إنما ينجم عنه عادة إنجاب نسل لهما يحمل اسمهما ويحفظ ذكرهما. وهذا هو الهدف الثاني للزواج.
ومن هذين الهدفين يتضح أن إشباع الميل الجنسي ليس هدفًا رئيسيًا للزواج إنما هو دافع له ومحفز عليه، وضعه الله في كل من الرجل والمرأة بغرض الإنسال من أجل تعمير الكون واستمرار بقاء الجنس البشري.
لكن بالإنسال تظهر مسئولية جديدة على كل من الزوجين هي تعهدهما للنسل الذي وهبه الله لهما بتنشئته وتكوينه بالتغذية والتربية الجسدية والعقلية والنفسية والروحية، لكي ينمو إنسانًا سويًا. وهذا هو الهدف الثالث للزواج. وهذه المسئولية تحتاج إلى دراية أولًا. كما تحتاج إلى توفر الإمكانيات والوسائل المعينة ثانيًا. ثم التطبيق السليم للأسلوب والطريقة التي تتم بها التربية والتنشئة ثالثًا.
وبقدر ما يقوم به الزوجان من جهد في تنشئة وتكوين أبنائهما شخصيات سوية متكاملة بقدر ما يسهمان في تكوين مجتمع سوى ناهض، يعتبر مصدرًا لتموين المجتمع السماوي؛ مجتمع الملكوت الأبدي. وهذه المسئولية يجب أن يعيها كل شاب وكل فتاة يقدمان على الزواج بصفة عامة. هذا من جهة رسالتهما نحو نسلهما، أما من جهة ارتباطهما بشخصيهما فيضاف إلى رسالتهما هذه أمور تخص طبيعة الزواج المسيحي يجب أن يكونا على علم بها وأهمها:
1 - ديمومة الرابطة الزوجية واستمرارها مدى الحياة حيث أنها لا تبطل إلا بالموت. وهذا يتطلب مراعاة حُسن الاختيار لشريك الحياة والتدقيق فيه من قبل الارتباط.
2 - الأساس الروحي لكل من الشاب والفتاة يعتبر الخرسانة المسلحة التي يقوم عليها بناء حياتهما الزوجية. لأنه حيث أن الغاية العليا من الزواج هي تكوين مجتمع كنسي صغير لكي يكون حجرًا حيًا في بناء الكنيسة الجامعة التي هي شبه السماء على الأرض، أعضاؤها أقوياء باذلون خادمون مملوؤون بالحب متطلعون إلى وطن سماوي أفضل، فهذا يتطلب من الخطيبين أن ينبني زواجهما على أساس روحي إنجيلي.
وإزاء هدف الزواج ومسئولياته والأمور التي تخص طبيعته المسيحية يجب أن ينفرد كل من الشاب والفتاة بنفسه لكي يرسخ هذه المبادئ في ذهنه ويستعرض إمكانياته وقدراته حتى يتوثق من أنها تؤهله للمضي في مشروع الزواج وتحمل أعبائه كما لو كان قد شرع في بناء برج حسب قول المسيح له المجد "من منكم وهو يُريد أن يبني بُرجًا لا يجلس أولًا ويَحسب النفقة، هل عندهُ ما يلزم لكماله؟ لئلا يضع الأساس ولا يقدر أن يُكمِّل، فيبتدئ جميع الناظرين يهزأون به" (لو14: 28، 29). وواضح من أن النفقة المطلوبة هنا هي الإمكانيات المادية والنفسية والروحية والثقافة الأسرية لكل من الشاب والفتاة المقبلين على الزواج. وبعد أن يستشعر الواحد منهما أن الله قد هيأ له ما يمكنه من شق طريقه إلى الزواج فبداية ما يواجهه بعد ذلك هو مسألة اختيار شريك الحياة.
الكتاب المقدس: بحث، تفاسير | القراءات اليومية | الأجبية | أسئلة | طقس | عقيدة | تاريخ | كتب | شخصيات | كنائس | أديرة | كلمات ترانيم | ميديا | صور | مواقع
https://st-takla.org/books/fr-salaib-hakim/engagement/choice-two.html
تقصير الرابط:
tak.la/bh77ava