هناك رواسب أو عُقد تتكون في النفس ونماذج محددة وتصورات
ترسخ في الذهن والفهم، يساعد في تكوينها بيئة الإنسان أو ظروف عائلته أو
صداقاته أو قراءاته الخاصة أو مشاهداته المتكررة في الحياة أو في وسائل الترفيه
والإعلام أو حوادث تمر به في حياته، كما
ذكرنا أيضًا هنا في
موقع الأنبا تكلا هيمانوت في مواضِع أخرى. هذه الرواسب والتصورات السابقة تؤثر فيه
تأثيرًا كبيرًا عند الاختيار للزواج فتبعده أحيانًا عن واقع الحياة أو عن حقيقة
نفسه. مثال ذلك عُقدة أو مركب الاستعلاء كأن يظن الإنسان أنه شيء
مع أنه أقل بكثير مما يظن عن نفسه فتنبني تصرفاته في الاختيار على الشعور
بالتعالي أو الإحساس بالعظمة(1). وهناك
عُقدة النقص بأن يسيطر على الإنسان شعور بأنه أقل من الناس لسبب أو لآخر. فإما
أن يميل إلى الحياة الانطوائية الانعزالية ويخاف من التقدم لأي أحد للاختيار،
وإما أن يتجه إلى الأسلوب العنيف أو إلى السلوك المتعالي في الاختيار، وذلك
ليس بسبب الإحساس بالعظمة كما في مركب الاستعلاء ولكن لتعويض النقص
الذي يشعر به. وطبعًا التصرف في كلا العقدتين غالبًا تلقائي لا شعوري(2). ويؤثر على الفرد في معاملاته وعند الاختيار
أيضًا. وهناك أيضًا عُقدة الطول والقصر أو السمانة والنحافة أو
السمرة والبياض وغيرها كأن يكون عند الإنسان كراهية خاصة أو عدم قبول لشيء من
هذه الصفات الجسدية في الطرف الآخر. وغالبًا ما تنشأ هذه الكراهية من كون تلك
الصفات غير ما ألفه الإنسان في ملامح أفراد أسرته أو تنبني على أساس فكري غير
سليم نتيجة الأفكار الشائعة المتداولة على سبيل المزاح والتسلية، أو على سبيل
النظرة الخاطئة للعلاقات الحسية، أو المقاييس الخاطئة عن الجمال الجسدي. وهذه
أيضًا لها تأثيرها على الشخص عند الاختيار. وهناك عُقدة الخوف من الجنس الآخر كأن تخاف الفتاة من أي
رجل عمومًا نتيجة غرس الأم في فتاتها شعور النفور والاشمئزاز من الرجال قاصدة
بذلك أن تصون ابنتها من السقوط(3).
أو نتيجة سلوك الأب الشاذ في البيت وهو أقرب عينة أو مثال للرجال أمامها، أو
خوف الشاب من أي بنت لسبب سماعه لحادثة عن فتاة شاذة مستهترة تركت أثرًا كبيرًا
في نفسه. وهناك العقدة الأسطورية الناشئة من الاستماع للإذاعة
ومشاهدة السينما أو التليفزيون والروايات والمسرحيات التي تصور الزواج على أنه
السكن الفاخر والنزهات الممتعة بين أحضان الطبيعة والجلوس في الكازينوهات،
وقضاء الساعات الطويلة في استماع كلمات الإطراء والمديح، كل هذا مع البُعد عن
إدراك المفهوم الحقيقي للزواج. وما يتضمنه من تعب ومسئولية وخدمة وأنه عطاء
أكثر منه أخذًا. وهناك أمثلة كثيرة
في عالم الواقع تلقي ضوءًا على هذه الاتجاهات السلوكية المتأثرة بالعُقد
والرواسب. من هذه الأمثلة: - شاب من عائلة من مستوى معين يتردد للاختيار من بعض
العائلات التي تتفوق على عائلته في المستوى الاجتماعي فترفضه أكثر من عائلة،
وعندما يتكرر الموقف يحس بحقيقة نفسه فيبدأ يتجه إلى الواقع ويبحث عن شريكة
حياته من عائلات تناسب عائلته. هذا بعكس شاب مثله من عائلة من مستوى أعلى
ولكنه أكثر حكمة، عندما يفكر في الزواج يبعد عن العائلات الكبيرة هربًا من
الآمال التي تعيش فيها تلك العائلات ويبحث عن فتاة متواضعة من عائلة طيبة حتى
يسعد بقناعتها وبساطتها وهدوئها. -
فتاة تشاهد أفلامًا كثيرة وتبهرها مظاهر الحياة
ووسائل المعيشة المترفة للأبطال الممثلين الذين يفوزون بالزواج وعندما يتقدم
إليها خطاب كثيرون ترفضهم جميعًا لأنها تبحث عن تلك المظاهر قبل أن تنظر إلى
الشخص نفسه المتقدم لها. هذه عكس فتاة أكثر تعقلًا من عائلة تملك الكثير لكنها
ترفض أكثر من خاطب لها من أصحاب العمارات والسيارات إذ تنظر نظرة عاقلة سوية
وتفضل إنسانًا فاضلًا عاقلًا أكثر من كونه غنيًا. -
فتاة أخرى غير متعقلة تقبل خطوبة أكثر من شخص
ولكنها تفك خطوبتها بعد ذلك منهم جميعًا، والسبب في ذلك أنهم
لا يشبعون رغبتها المفضلة التي تطمح أن يحققها لها زوجها المرتقب
في خيالها ألا وهى أن من يختارها للزواج لكي يسعدها حقيقة عليه
أن يذهب بها كل يوم إلى مكان للنزهة. خاصة إذا كانت من النوع الذي لا يفكر إلا
في نفسه ولا يشغل ذهنه بأي مسئوليات منزلية
ولا يحتمل البقاء بالبيت طويلًا، ولا تعي أنها ستصطدم بواقع الحياة ومتطلباتها
عندما تتزوج، حيث ستجد الزوج مشغولًا بعمله والبيت يحتاج إلى خدمة، وأنها
ستصبح فريسة شهوة الخروج الدائم من
البيت. هذا بعكس فتاة
عاقلة لا تطلب كثرة الخروج مع الطرف الآخر بل وتتمنع أحيانًا وتفكيرها كله منصب
على ترتيب أمورها واستكمال ما يساعد استقرارها العتيد في بيتها. -
فتاة أخرى تعيش في أسرة فيها الأب يضطهد الأم
باستمرار ويقسو عليها في حين تكون تلك الأم مظلومة وغير مستحقة لهذه المعاملة.
وكرد فعل فإن هذه الفتاة تعامل كل خاطب يتقدم لها بالعنف وتحاول السيطرة عليه
وإخضاعه لها في كل الأمور حتى لا يعاملها في المستقبل -حسب ظنها- معاملة والدها لوالدتها في حياتها. والنتيجة أن يتركها كل الذين
يتقدمون إليها لأنها تسيء معاملتهم ولا تفهم أنه ليس كل الرجال مثل والدها. -
شاب آخر يمتلئ خياله بصورة معينة لفتاة مستقبله
ويضع لها عددًا من الشروط وإذ لا يعثر على الفتاة التي تكتمل فيها كل شروط
خياله ينقم على الحياة ويمتنع عن الزواج كلية بحجة أن الحياة عاكسته في الحصول
على مراده غير عالم أن التركيبات الخيالية التي يصطنعها تصبح صعبة التحقيق إذا
بعدت عن الواقع. -
فتاة أخرى من عائلة كبيرة ولكنها ليست على قدر من
العلم أو الجمال ترفض شخصًا أو أكثر ممن يتقدمون لها وتبرز في كل واحد منهم
عيبًا وهى لا تدري ما بها من عيوب أو لا تحاول أن تعرف قدر نفسها والسر في ذلك
هو عُقدة العائلة الكبيرة أو مركب الاستعلاء. مثل هذه الخلفيات
من الرواسب والعُقد يجب أن ينتبه إليها شبابنا ويكتشفها في ذاته وينقي نفسه
منها حتى لا يقع فريسة لها وحتى لا تعوق مسيرته في الاختيار وهو نقطة البدء في
مستقبله العائلي.
_____
(1) د. عزت راجح. أصول علم النفس، ص144.
(2) د. عزت راجح - أصول علم النفس ص144.
(3) د. وليم الخولي - الشخصية المتكاملة - ص172.
الحواشي والمراجع
لهذه الصفحة هنا في
موقع الأنبا تكلاهيمانوت:
الكتاب المقدس: بحث، تفاسير | القراءات اليومية | الأجبية | أسئلة | طقس | عقيدة | تاريخ | كتب | شخصيات | كنائس | أديرة | كلمات ترانيم | ميديا | صور | مواقع
https://st-takla.org/books/fr-salaib-hakim/engagement/choice-backgrounds.html
تقصير الرابط:
tak.la/2tn2a3m