حسد أولاد يعقوب أخاهم يوسف ورموه في البئر ثم باعوه لقافلة الإسماعيليين ولكن الله صانع الخيرات حوّل مؤامرتهم الشريرة للخير وأنقذ يعقوب إسرائيل وبنيه وسط المجاعة. وهكذا دخل بنو إسرائيل مصر كنتيجة لمؤامرتهم ولكن الله أحياهم وحماهم بحسب وعده لإبراهيم جدهم.
ثم استعبدهم فرعون جديد لم يكن يعرف ما صنعه يوسف لمصر والعالم، فصرخوا لله، وهكذا سمع الله كثير الرأفة صراخهم ونزل لينقذهم بيد موسى العظيم. ولكن حين أرسل موسى لهم، بدأوا يقاومونه منذ ظهوره، فاحتاج إلى المعجزات لكي يقنعهم أن الله أرسله. بالطبع كان طبيعي جدًا أن تكون هناك مقاومة من فرعون، ولكن الأمر الغريب هو مقاومة بنو إسرائيل أنفسهم لموسى حتى بعد رؤيتهم لبعض المعجزات التي ثَبَّتَت دعوة موسى أمامهم (راجع خر 5: 21)، لدرجة أنهم دفعوا موسى الحليم لليأس من إرساليته أكثر من مرة.
وهكذا رأى بنو إسرائيل اللهَ وهو يصنع الأعاجيب واحدة تلو الأخرى، فتصيب الضربات المصريين ولا تقترب منهم. وفي آخر ضربة أعطاهم الله الحرية من مصر، بل وأخذوا معهم ذهب وفضة ومواشي كثيرة تُعوضهم عن سنين العبودية. حوّط الله عليهم في سيرهم بعمود من سحاب نهارًا وعمود من نار ليلًا. وساروا باتجاه البحر ولكن عند ظهور فرعون وجنوده، عاند بنو إسرائيل موسى مجددًا واستهزأوا بخلاص الله لهم متهكمين قائلين: "هَلْ لأَنَّهُ لَيْسَتْ قُبُورٌ فِي مِصْرَ أَخَذْتَنَا لِنَمُوتَ فِي الْبَرِّيَّةِ؟" وهكذا حدثت معهم أعظم أعجوبة في تاريخ بني إسرائيل كله وانفتح البحر أمامهم واجتازوه، ورأوا بأعينهم جثث المصريين فهللوا وسبحوا وفرحوا.
← انظر كتب أخرى للمؤلف هنا في موقع الأنبا تكلا هيمانوت.
لم يمض شهرين حتى تذّمر الشعب على الله وعلى موسى بسبب الطعام، ولكن الله طويل الأناة أعطاهم المَنّ خبز السماء ليأكلوا. وبالرغم من أن الله أعطاهم الأكل بمعجزة، إلا أنهم لم يصدقوا أن الله سيعطيهم كل يوم، وبالرغم من تحذيرات الله أن ما سيتبقى من هذا الطعام سيفسد، إلا أنهم عاندوا أيضًا وأبقوا فائض في بيوتهم خوفًا من أن الله يكسر وعده لهم. وكذلك بخصوص وعد الله لهم في طعام اليوم السادس، فلقد قال لهم موسى أن يجمعوا ما يكفي يومين ولا يخافوا لأنه لن يفسد ولكن يبقوه لليوم السابع لأنه لن ينزل لهم فيه طعام. هكذا أيضًا عاند البعض وخرجوا ليجمعوا في اليوم السابع ولم يجدوا. وهكذا عاند بنو إسرائيل الله في كل أمر، حتى في الطعام والشراب، ولكن الله المُربي كان يعتني بهم حتى بأبسط الأمور، حتى بأحذية أقدامهم. وهكذا قد وصلنا في قصة بني إسرائيل للإصحاح العشرين من سفر الخروج، حيث تكلم الله مع موسى لكي يعطيه الشريعة التي سيتبعها هذا الشعب.
كان هناك حاجة لذكر كل ما سبق، لكي نضع ترتيبًا للأحداث قبل أن نذكر الآية، فتأخذ مكانها في الكتاب المقدس. فمن الواضح جدًا أن هذا الشعب كان غليظ الرقبة، عنيد ومتذمر إلى أقصى درجة، ويتضح أيضًا جليًا أمامنا طول أناة الله ومحبته وصبره على أولاده إلى أقصى درجة. ولكي يحميهم الله ويحوط عليهم ويبقيهم في معرفته لكي يحيوا حياة مُفرحة، أراد الله تحذيرهم. فلقد أدخلت راحيل قديمًا الأصنام إلى بيت يعقوب، وكذلك رأى أولاد يعقوب المصريين يتعبدون للتماثيل. ولذلك كان إليهم تحذير الله من أن يقعوا في نفس الفخ وأن يسجدوا لصنعة أيديهم، فأوصاهم: "لا تَصْنَعْ لَكَ تِمْثَالًا مَنْحُوتًا، وَلاَ صُورَةً مَا مِمَّا فِي السَّمَاءِ مِنْ فَوْقُ، وَمَا فِي الأَرْضِ مِنْ تَحْتُ، وَمَا فِي الْمَاءِ مِنْ تَحْتِ الأَرْضِ. لاَ تَسْجُدْ لَهُنَّ وَلاَ تَعْبُدْهُنَّ، لأَنِّي أَنَا الرَّبَّ إِلهَكَ إِلهٌ غَيُورٌ، أَفْتَقِدُ ذُنُوبَ الآبَاءِ فِي الأَبْنَاءِ فِي الْجِيلِ الثَّالِثِ وَالرَّابعِ مِنْ مُبْغِضِيَّ، وَأَصْنَعُ إِحْسَانًا إِلَى أُلُوفٍ مِنْ مُحِبِّيَّ وَحَافِظِي وَصَايَايَ."
ولا يخفى علينا أن بني إسرائيل سقطوا في هذه الخطية -خطية السجود للأصنام- بينما كان الله يتكلم مع موسى، وعبدوا العجل وأنكروا إلههم الذي خلصهم. فبينما كان هناك حوار بين الله ونبيه، كان الشعب يسجد لعِجل أسفل الجبل ويمجده بقوله: "هذِهِ آلِهَتُكَ يَا إِسْرَائِيلُ الَّتِي أَصْعَدَتْكَ مِنْ أَرْضِ مِصْرَ." (خر 32: 4) وبقية أسفار العهد القديم تشهد على استمرار هذه الخطية البغيضة حتى سبي بابل. فالأب الذي يُدخل هذه العبادة في بيته، والأم التي تسجد لتمثال، إنما تُربي جيلًا لا يعرف الله ولا يحبه، بل وينسب لهذا التمثال كل الفضل في حياته. أما الله، فقد كان يريد أن يربي له ابن (راجع خر4: 22) يحفظ كلمته في الأرض، حتى يأتي الكلمة بنفسه من نسله. ولكن إسرائيل الابن فَشَل في أن يحافظ على كلام الله بالتمام جيلًا واحدًا.
الكتاب المقدس: بحث، تفاسير | القراءات اليومية | الأجبية | أسئلة | طقس | عقيدة | تاريخ | كتب | شخصيات | كنائس | أديرة | كلمات ترانيم | ميديا | صور | مواقع
https://st-takla.org/books/fr-pakhomius-marcos/visiting-iniquity/verse.html
تقصير الرابط:
tak.la/xs3vh6f