كلم اللهُ موسى مُعلمًا إياه بعض الوصايا والشرائع التي ستحكم العلاقة بين الله وشعب بني إسرائيل، وبين أبناء الشعب بعضهم البعض، وبين الشعب والشعوب الأخرى. وواحدة من هذه الوصايا تنص على الآتي: "أَنَا الرَّبُّ إِلهُكَ الَّذِي أَخْرَجَكَ مِنْ أَرْضِ مِصْرَ مِنْ بَيْتِ الْعُبُودِيَّةِ. لاَ يَكُنْ لَكَ آلِهَةٌ أُخْرَى أَمَامِي. لاَ تَصْنَعْ لَكَ تِمْثَالًا مَنْحُوتًا، وَلاَ صُورَةً مَا مِمَّا فِي السَّمَاءِ مِنْ فَوْقُ، وَمَا فِي الأَرْضِ مِنْ تَحْتُ، وَمَا فِي الْمَاءِ مِنْ تَحْتِ الأَرْضِ. لاَ تَسْجُدْ لَهُنَّ وَلاَ تَعْبُدْهُنَّ، لأَنِّي أَنَا الرَّبَّ إِلهَكَ إِلهٌ غَيُورٌ، أَفْتَقِدُ ذُنُوبَ الآبَاءِ فِي الأَبْنَاءِ فِي الْجِيلِ الثَّالِثِ وَالرَّابعِ مِنْ مُبْغِضِيَّ، وَأَصْنَعُ إِحْسَانًا إِلَى أُلُوفٍ مِنْ مُحِبِّيَّ وَحَافِظِي وَصَايَايَ."(خر 20: 5)
ولعل جملة "أَفْتَقِدُ ذُنُوبَ الآبَاءِ فِي الأَبْنَاءِ فِي الْجِيلِ الثَّالِثِ وَالرَّابعِ مِنْ مُبْغِضِيَّ" تكررت في توراة موسى أكثر من مرة كما يلي:
1. أَفْتَقِدُ ذُنُوبَ الآبَاءِ فِي الأَبْنَاءِ فِي الْجِيلِ الثَّالِثِ وَالرَّابعِ مِنْ مُبْغِضِيَّ، (خر 20: 5) و(تث 5: 9)
2. مُفْتَقِدٌ إِثْمَ الآبَاءِ فِي الأَبْنَاءِ، وَفِي أَبْنَاءِ الأَبْنَاءِ، فِي الْجِيلِ الثَّالِثِ وَالرَّابعِ (خر 34: 7)
3. يَجْعَلُ ذَنْبَ الآبَاءِ عَلَى الأَبْنَاءِ إِلَى الْجِيلِ الثَّالِثِ وَالرَّابعِ. (عدد 14: 18)
وبالطبع فإن القراءة الأولية أو السطحية لهذه الآية يمكن أن تصيب بالذهول، ولا سيما قارئ القرن الواحد والعشرين الذي يقرأ هذا النص المنادي بأن الله يُعاقب الابن بسبب خطية الأب أو الجد، بينما في أغلب دول العالم لا نجد صدى لهذا المفهوم في القوانين المتحضرة. فبعضنا يقبل العكس بسهولة، أي أن خطأ الابن يمكن أن يُعزى إلى فشل الأب وإهماله في التربية. وبالرغم من أن قوانين الدول لا تُنفِذ عمليًا عقوبة على الأب بسبب جريمة الابن، إلا أن الضمير البشري يُمكن أن يُشير في بعض الأحيان بأصابع الاتهام إلى والد المجرم الذي لم يُحسن تربيته أو أذاه نفسيًا في طفولته. ولعل أشهر مثال كتابي على ذلك هو عالي الكاهن الذي لم يُحسِن تربية أولاده فمات ميتة رديئة ونُزِعَ الكهنوت من هذه العائلة (راجع 1صم 2؛ 1مل2: 27).
← انظر كتب أخرى للمؤلف هنا في موقع الأنبا تكلا هيمانوت.
إلا أننا بكل تأكيد لا نرى في تعاملات الله في الكتاب المقدس ما يُشير إلى أن الله تذكر إثم شخص في أولاده وأحفاده، إلا إذا اشتركوا هم أيضًا أنفسهم في نفس الإثم. بل نرى العكس تمامًا في مواقف كتابية أخرى مثل:
1.فِي تِلْكَ الأَيَّامِ لاَ يَقُولُونَ بَعْدُ: الآبَاءُ أَكَلُوا حِصْرِمًا، وَأَسْنَانُ الأَبْنَاءِ ضَرِسَتْ[1]. بَلْ كُلُّ وَاحِدٍ يَمُوتُ بِذَنْبِهِ. كُلُّ إِنْسَانٍ يَأْكُلُ الْحِصْرِمَ تَضْرَسُ أَسْنَانُهُ. (إر 31: 29-30)
2.مَا لَكُمْ أَنْتُمْ تَضْرِبُونَ هذَا الْمَثَلَ عَلَى أَرْضِ إِسْرَائِيلَ، قَائِلِينَ: الآبَاءُ أَكَلُوا الْحِصْرِمَ وَأَسْنَانُ الأَبْنَاءِ ضَرِسَتْ؟ حَيٌّ أَنَا، يَقُولُ السَّيِّدُ الرَّبُّ، لاَ يَكُونُ لَكُمْ مِنْ بَعْدُ أَنْ تَضْرِبُوا هذَا الْمَثَلَ فِي إِسْرَائِيلَ. هَا كُلُّ النُّفُوسِ هِيَ لِي. نَفْسُ الأَبِ كَنَفْسِ الابْنِ، كِلاَهُمَا لِي. اَلنَّفْسُ الَّتِي تُخْطِئُ هِيَ تَمُوتُ. (حز 18: 2-4)
3.لاَ يُقْتَلُ الآبَاءُ عَنِ الأَوْلاَدِ، وَلاَ يُقْتَلُ الأَوْلاَدُ عَنِ الآبَاءِ. كُلُّ إِنْسَانٍ بِخَطِيَّتِهِ يُقْتَلُ. (تث 24: 16)
وهذه الآيات هي المنطقية والمقبولة للعقل في ظل مفاهيم العدالة السائدة. أما افتقاد الله لذنوب الآباء في الأبناء فهو أمر يحتاج لمزيد من الدراسة. فلأجل فهم أعمق لهذه الآية، جَمَعَ هذا الكُتيب بين دراسة حول الآية، وفِهم اليهود للآية من خلال تقليدهم، وبالطبع فهم الآباء أعمدة الكنيسة لها.
_____
[1] المعنى الحرفي لهذه الآية أن الآباء أكلوا عنبًا أخضر مُرّ ولم يستوِ، ولكن الذين تعبوا هم الأبناء وكَلَّت أسنانهم.
الكتاب المقدس: بحث، تفاسير | القراءات اليومية | الأجبية | أسئلة | طقس | عقيدة | تاريخ | كتب | شخصيات | كنائس | أديرة | كلمات ترانيم | ميديا | صور | مواقع
https://st-takla.org/books/fr-pakhomius-marcos/visiting-iniquity/preface.html
تقصير الرابط:
tak.la/8xhrvdg