الفصل الثالث والأربعون: 1 | 2 | 3 | 4 | 5 | 6 | 7
لقد جاء في شكل بشري وليس في شكل اسمي لأنه:
جاء لِيُخَلِّص لا لِيُبْهِر الأنظار ويؤثِر الألباب،
لأن الإنسان وحده هو الذي أخطأ دون سائر المخلوقات.
البشر لم يريدوا أن يروا أعماله في الكون، ولذا جاء وعمل بينهم كإنسان في الدائرة التي حصروا أنفسهم فيها.
1- والآن إذا سألوا قائلين: لماذا لم يظهر بواسطة أجزاء أخرى من الخليقة أشرف وأسمَى، ويستخدم أداة أشرف كالشمس أو القمر أو الكواكب أو النار أو الهواء، بدلًا من مجرد الإنسان؟ فليعلموا أن الرب لم يأت لكي يتظاهر ويتباهى بل لكي يشفي أولئك الواقعين تحت الآلام ويعلمهم.
2- فالطريق لمن يريد أن يتظاهر هو أن يظهر ويبهر الناظرين ويذهل عقولهم. أما من يطلب أن يشفي ويعلم الطريق، فعليه أن لا يكتفي بمجرد حلوله هنا، بل يقدم نفسه لمساعدة المحتاجين، وأن يظهر في الشكل الذي يحتمله من هم في حاجة إليه، لئلا -إذا أفرط في سد حاجة المتألمين- يزعج المحتاجين إليه، وبذلك يجعل ظهور الله عديم الجدوى لهم.
3- والواقع أنه لم يصل أحد من الخليقة عن الله إلا الإنسان وحده. فلا الشمس ولا القمر ولا السماء ولا الكواكب ولا الماء ولا الهواء انحرفت عن نظامها، ولكنها إذ عرفت صانعها وضابطها -“الكلمة”- فهي باقية كما صنعت. أما البشر وحدهم، فإذ رفضوا ما هو صالح، اخترعوا أشياء من العدم عوض الحق، ونسبوا الكرامة المستحقة لله، ومعرفتهم له، إلى الجن والبشر في شكل حجارة.
4- وإذ لم يكن لائقًا بصلاح الله أن يتغاضى عن أمر خطير كهذا، ولأن البشر كانوا لا يزالون عاجزين عن أن يدركوا أنه هو ضابط ومدبر الكل، لذلك أن صوابًا أن يتخذ لنفسه جزءًا من الكل كأداة، أي جسده البشري، ويتحد به(131) حتى لا يعجز البشر عن أن يدركوه في الجزء، وبعد أن عجزوا عن أن يتطلعوا إلى سلطانه غير المنظور يستطيعون على أي حال أن يدركوه ويتأملوه فيه فيما يشبههم.
5- لأنهم، وهم بشر، يستطيعون أن يعرفوا أباه مباشرة وبأوفر سرعة في جسد مماثل لهم، وبالأفعال الإلهية التي تتم به، إذ يحكمون بالمقارنة أن هذه الأعمال التي يعملها ليست أعمالًا بشرية، بل هي أعمال الله.
6- ولو كانت سخافة، كما يدعون، أن يعرف “الكلمة” بأعمال الجسد، لكان سخافة أيضًا أن يعرف بأعمال الكون، لأنه موجود في الخليقة ومع ذلك لا يشترك في طبيعتها بأي حال من الأحوال، بل بالحري أن كل الأشياء تشترك في سلطانه، كذلك عندما اتخذ الجسد أداة له لم يشترك في خواصه الجسدية، بل هو بالعكس قدس الجسد.
7- وحتى “أفلاطون” -الذائع الصيت بين اليونانيين بهذا المقدار- يقول أن منشئ الكون إذ رآه مضطربًا كاضطراب السفينة وسط البحر، وفي خطر أن يغرق في الهاوية السحيقة، جلس على دفة النفس، وأتى لينجيها من كل مصائبها. فأي شيء لا يصدق فيما نقول أن البشرية إذ أخطأت استقر عليها(132) “الكلمة”، وظهر كإنسان حتى يخلصها -بإرشاده(133) وصلاحه- من العواصف والاضطرابات.
← انظر كتب أخرى للمترجم هنا في موقع الأنبا تكلا هيمانوت.
_____
(131) أو “ويسكن فيه”.
(132) أو “جلس عليها” أو “جلس على دفتها” حسب الترجمة الحرفية.
(133) “بتدبيره” كبعض الترجمات.
الكتاب المقدس: بحث، تفاسير | القراءات اليومية | الأجبية | أسئلة | طقس | عقيدة | تاريخ | كتب | شخصيات | كنائس | أديرة | كلمات ترانيم | ميديا | صور | مواقع
https://st-takla.org/books/fr-morcos-dawoud/incarnation-of-the-word/human-form.html
تقصير الرابط:
tak.la/xfyra68