St-Takla.org  >   books  >   fr-botros-elbaramosy  >   great-lent-readings
 

مكتبة الكتب المسيحية | كتب قبطية | المكتبة القبطية الأرثوذكسية

كتاب عُمْق قِراءات جُمَع وآحاد الصوم الكبير - إعداد: الراهب القمص بطرس البراموسي

3- الجمعة الثانية من الصوم الكبير: ثبات الجهاد

 

ارتباط فصول القراءات:

 ثبات الجهاد

تدور فصول هذا اليوم جميعها حول موضوع واحد هو "ثبات الجهاد" أي ثبات الذين يعملون بكلامه وهو الإنجيل، فالنبوة الأولى تتكلم عن ميراث الله للمتمسكين بشريعته كما وعد إسرائيل بأرض الموعد، والثانية عن انتصارهم على أعدائهم كما انتصر داود على جليات، والثالثة عن طمأنينتهم كما اطمأن آحاز من جهة محاربيه، والرابعة عن نعمة الله لهم كما بين صوفر النعماتي لأيوب ذلك.

ويتكلم إنجيل العشية عن تحذير المخلص لهم من التعاليم المخالفة للإنجيل كما حذر من تعاليم الفريسيين، وإنجيل القداس عن تقويته للعاملين به حتى يصيروا ثابتين ثبات البيت المؤسس على الصخر.

ويهيب بهم الرسول في البولس أن يثبتوا في نعمته، ويوصيهم يعقوب في الكاثوليكون باحتمال آلامه، ويحثهم الإبركسيس على مراعاة قيوده كما أوصى الرسل المؤمنين بأن يحفظوا أنفسهم مما ذبح للأوثان ومن المخنوق والزنا والدم.

St-Takla.org                     Divider of Saint TaklaHaymanot's website فاصل - موقع الأنبا تكلاهيمانوت

النبوات.. صموئيل الأول 17، 18

الأصحاح السابع عشر

داود وجليات

اشتاق الشعب إلى ملك طويل القامة قوى البنية جميل المظهر كسائر ملوك الأمم، والآن يقف هذا الملك مع رجاله في خوف ورعدة أمام جليات الجبار، ليتمجد الله بداود القصير القامة الذي لا يعرف كيف يستخدم العدة الحربية بل مقلاع الكلاب.. لقد غلب لا بسيف ورمح وإنما باسم رب الجنود..

 

جليات يرعب شاول

وقف الفلسطينيون على جبل للحرب، بينما وقف شاول ورجاله على جبل آخر للحرب يفصل بينهم وادي البطم (1 صم 17: 1 – 3). وكان جليات الجبار يخرج كمبارز يعير شاول ورجاله طالبًا واحدًا منهم يبارزه.

وقف الفريقان على جبال (أشبه بتلال) بينهما واد فيه مزروعات وأشجار السنط، حيث كان جليات البالغ طوله 6 أذرع (الذراع العبري نحو قدم ونصف والقدم حوالي 60 سم)، يلبس على رأسه خوذة من نحاس، وكان يرتدى درعًا حرشفيًا أي قميصًا عليه قطعًا نحاسية كحراشيف السمك، وزنه حوالي 33 رطلًا ؛ وجرموقًا (درعين لحماية الساقين) من النحاس. وكان معه مزراق نحاس (رمح قصير) بين كتفيه.. اعتاد أن يقف مطالبًا من يبارزه قائلًا:

 " اختاروا لأنفسكم رجلا ولينزل إلى. فإن قدر أن يحاربني ويقتلني نصير لكم عبيدًا، وإن قدرت أنا عليه وقتلته تصيرون أنتم لنا عبيدًا وتخدموننا " كما كان يهزأ بهم قائلا:

" أنا عيرت صفوف إسرائيل هذا اليوم ؛ أعطوني رجلا فنتحارب معًا ".. وكان ذلك مصدر رعب شديد وخوف بالنسبة لشاول ورجاله.

+ وهذه القصة ترمز في مجملها للحرب بين الشيطان وأولاد الله المستمرة، والتحدي الصارخ بين قوات الشر وأبناء النور.

بقى الحال هكذا لمدة أربعين يوما يمارس جليات هذا التصرف صباحا ومساء حتى جاء داود بن يسى يفتقد إخوته الثلاثة الكبار اليآت وأبيناداب وشمه الذين تبعوا شاول ليحاربوا معه.

وهكذا بقي الحال منذ طرد أدم من الجنة حتى جاء الابن الوحيد ليتجسد ويفتقد البشرية الضعيفة الهالكة وسحق العدو المشتكي المعير لها علي الصليب كما غلب داود الصغير جليات الجبار.

+ لقد جاء داود يفتقد إخوته من أبيه وأمه بالفريك والخبز والجبن، لكنه إذ رأى إخوته -شعب الله- في مأزق يعيرهم رجل أغلف بدأ يتساءل: " ماذا يفعل للرجل الذي يقتل ذلك الفلسطيني ويزيل العار عن إسرائيل ؟! لأنه من هو هذا الفلسطيني الأغلف حتى يعير صفوف الله الحي ؟! 17: 26. وإذ سمع أخوه الأكبر اليآب حمى غضبه عليه قائلًا له: " لماذا نزلت ؟ وعلى من تركت تلك الغنيمات القليلة في البرية ؟ أنا علمت كبرياءك وشر قلبك، لأنك إنما نزلت لكي ترى الحرب " 17: 28. وجاءت إجابة داود بسيطة ومملوءة حنكة: " ماذا عملت ؟ أما هو كلام ؟! " لم يدخل معه في جدال، لأنه رجل إيمان لا يحب كثرة الجدال بل العمل، إنه وقت العمل!

St-Takla.org Image: David marble statue, by Michelangelo (1501-1504), 5.17 meter (details 48). The masterpiece of Renaissance sculpture depicts young David after he has made the decision to fight Goliath. - David's Room: Galleria dell'Accademia: Gallery of the Academy of Florence, Florence (Firenze), Italy. Established in 1784. - Photograph by Michael Ghaly for St-Takla.org, September 30, 2014. صورة في موقع الأنبا تكلا: داود، تمثال رخامي يصور داود النبي بعد قراره محاربة جليات الجبار، عمل الفنان مايكل أنجلو (1501-1504)، بطول 5,17 مترًا (تفاصيل 48) - صور حجرة تمثال داود في متحف الأكاديميا، فلورنسا (فيرينزي)، إيطاليا. أُنشئ عام 1784 م. - تصوير مايكل غالي لموقع الأنبا تكلاهيمانوت، 30 سبتمبر 2014

St-Takla.org Image: David marble statue, by Michelangelo (1501-1504), 5.17 meter (details 48). The masterpiece of Renaissance sculpture depicts young David after he has made the decision to fight Goliath. - David's Room: Galleria dell'Accademia: Gallery of the Academy of Florence, Florence (Firenze), Italy. Established in 1784. - Photograph by Michael Ghaly for St-Takla.org, September 30, 2014.

صورة في موقع الأنبا تكلا: داود، تمثال رخامي يصور داود النبي بعد قراره محاربة جليات الجبار، عمل الفنان مايكل أنجلو (1501-1504)، بطول 5,17 مترًا (تفاصيل 48) - صور حجرة تمثال داود في متحف الأكاديميا، فلورنسا (فيرينزي)، إيطاليا. أُنشئ عام 1784 م. - تصوير مايكل غالي لموقع الأنبا تكلاهيمانوت، 30 سبتمبر 2014

ويعلق القديس أغسطينوس علي ذلك ويقول:

وبخ هذا الأخ الأكبر داود رمز ربنًا، متمثلًا بالشعب اليهودي الذي افترى على المسيح الرب، مع أنه جاء لخلاص الجنس البشرى، إذ أهانوه باتهامات كثيرة..

جاء داود ووجد الشعب يحارب ضد الفلسطينيين، لم يوجد من يجسر أن يدخل إلى المعركة بمفرده، ذهب رمز المسيح (داود) إلى المعركة يحمل عصا في يده ضد جليات. بهذا أشار بالتأكيد إلى ما قد تحقق في ربنا يسوع المسيح -داود الحقيقي- إذ جاء وحمل صليبه ليحارب جليات الروحي، أي الشيطان.

لاحظوا يا إخوة أين ضرب داود الطوباوي جليات: في جبهته (17: 49) حيث لم توجد عليها علامة الصليب. كما أن العصا رمزت إلى الصليب هكذا الحجر الذي ضرب به جليات يرمز إلى ربنا يسوع، لأنه هو الحجر الحي الذي كُتب عنه:

 "الحجر الذي رفضه البناؤون هذا صار رأسا للزاوية " (مز 117: 22).

فسر هزيمة جليات أنه لم يدرك أن به نقطة ضعف لم يكن ممكنًا له أن يتلافاها، وهي أن جبهته مكشوفة، وكأن كل إمكانية بشرية مهما أحكم تدبيرها تجد فيها ثغرة تؤدى إلى فشلها.

لم يعرف جليات أن لكبريائه نهاية، فقد وقف 40 يومًا يعير رب الجنود، لكن الله أعد فتى صغيرًا ينهى كبرياء هذا الجبار ويذله، هذا ما يتكرر عبر الأجيال، كل متشامخ ظن أنه قادر أن يحطم الكنيسة ويمحوها من الوجود تحطم هو وزال وتبقى الكنيسة حية قوية.

أما سر قوة داود فهو اختفائه في رب الجنود، فلا يكون طرفًا في المعركة بل مجرد أداة في يد الله. المعركة هي بين الله والشيطان، لذا فالنصرة تصدر عن الله نفسه، إذ يقول: "أنت تأتى إلى بسيف وبرمح وبترس، وأنا آتى إليك باسم رب الجنود ؛ إله صفوف إسرائيل الذين عيرتهم.. وتعلم هذه الجماعة كلها أنه ليس بسيف ولا برمح يخلص الرب، لأن الحرب للرب، وهو يدفعكم لنا " (1 صم 17: 45 – 47).

St-Takla.org                     Divider of Saint TaklaHaymanot's website فاصل - موقع الأنبا تكلاهيمانوت

مزمور إنجيل القداس.. (مز 29: 10، 11)

المزمور التاسع والعشرون

عاصفة رعدية

أو صوت الرب

يسيطر على هذا المزمور الشعور بسيادة الرب وسلطانه، فيفتتح بمشهد سماوي، حيث تقدم الكائنات العلوية المجد منسجمًا مع صوت الرعد العنيف الصادر عن الكائنات الطبيعية.

فقد جاء في الترجمة السبعينية أن هذا المزمور ينشد بمناسبة عيد المظال القدسي، ذلك العيد الذي كانوا يبتهجون فيه بنهاية الحصاد (خاصة العنب والزيتون)، كما يصلى به لكي يرسل الرب مطرًا ليكسر أثر فصل الجفاف (زك 14: 16 – 18). ويربط التلمود مزمور 29 بعيد الخمسين أو عيد الأسابيع.

 

صوت الرب الفعال

في هذا المزمور نجد "صوت الرب" يتكرر سبع مرات، أشبه بسبع موجات متعاقبة من الرعود، مصورًا قوة الكلمة وفاعليتها في حياة بنى البشر. صوت الرب هو الكلمة المتجسد الذي نزل إلى العالم ليقيم من تلاميذه أبناء الرعد أداة فعالة للتمتع بالحياة الإنجيلية الجديدة، حيث تتزلزل طبيعتهم القديمة وتنهار وتقوم الطبيعة الجديدة الحاملة صورة المسيح الكلمة، تنعم بالبركة والعز والمجد.

"الله في العاصفة"، لا في الطبيعة فقط وإنما في عاصفة النفس الداخلية أيضًا، إنه في أعماقنا يعلن عن ذاته خلال العواصف التي تجتاح طبيعتنا الداخلية. كلمة الله جاء ليدخل النفس ويثير فيها ثورة داخلية ضد الشر ليحطم فينا الإنسان العتيق ويهبنا الإنسان الجديد.

 

1- دعوة إلى العبادة

"قدموا للرب أبناء الكباش، قدموا للرب مجدا وكرامة،

قدموا للرب مجدا لأسمه. اسجدوا للرب في دار قدسه " [1، 2]

فسر داود النبي كل قصفة رعد كدعوة موجهة إليه كما إلى الآخرين أن يقدموا مجدًا وكرامة لله.

يقدم أولاد الله مجدًا وكرامة لله، ما هو هذا المجد إلا التمتع بجمال الله الفريد الذي هو قداسته، وإعلان نصرتنا على الخطية بقوة نعمته. فإن كان الله كلى القداسة، فإننا لا نقدر أن نمجده إلا بالحياة المقدسة وشركة الطبيعة الإلهية وخبرة عمل نعمته الفائقة.

+ "قدموا للرب أبناء الله، قدموا للرب تقدمة كباش" أي (تقدمة) الرسل و(تقدمة) المؤمنين. لنقتد بمخلصنا الذي دعى هو نفسه بالراعي والحمل والكبش، الذي ذبح لأجلنا في مصر (خر 12: 6)، وأمسك بقرنيه في العليقة (تك 22: 13) فدية عن إسحق.

ماذا يعنى بقوله: " قدموا للرب أبناء الكباش " ؟

هذه العبارة أيضا لا يمكن تفسيرها حرفيًا إنما تحمل نبوة عن الإيمان المسيحي، فإننا إذ ولدنا من آباء كانوا يعبدون الأصنام، أصنام الكباش والحيوانات الأخرى، صرنا بالإيمان -نحن أبناء الكباش- أبناء لله، إذ تركنا عبادة الكباش وآمنا بالله الحقيقي الحي.

نحن أبناء الأمم صرنا أبناء لله، كقول المرتل: "عوض آبائك صار بنوك" (مز 45: 16).

 

2 - العاصفة وصلاح الله

إن كانت العاصفة تشير إلى نبوات العهد القديم، فإن صوت الرب يسمع خلال نبواتهم. وقد تكررت عبارة " صوت الرب " هنا سبع مرات.

 

3 - الرب الملك الأبدي

"وفي هيكله المقدس كل واحد ينطق بالمجد،الرب يسكن في الطوفان، الرب يجلس ملكًا إلى الأبد" [10]

الآن قد حل كلمة الله المتجسد في برية هذا العالم ليقيم من أبناء الكباش أبناء لله، محولًا المياه الصالحة الكثيرة إلى نهر عذب، أي جماعة الأمم الوثنية إلى كنيسة الله المقدسة، محطمًا تشامخ الإنسان (الأرز)، قاطعًا لهيب نار الشهوات الزمنية، مزلزلًا البرية القاحلة ليعطينا روح الاتضاع بنار روحه القدوس فنتحول من قفر البرية إلى فردوس مثمر [8]، يرتب أيائلنا الهائجة وكاشفًا أعماقنا المضطربة ليهبنا سلامه ويعطينا فهم أسراره الإلهية [9].. يحول حياتنا إلى هيكله المقدس الذي ينطق بأمجاده الفائقة: " وفي هيكله المقدس كل واحد ينطق بالمجد ". ما هو هذا الهيكل إلا كنيسة المسيح المقدسة التي تجمعت من كل الأمم المملوءة عارا لتصير في المجد ؟! هناك يملك الرب على نفوس مؤمنيه، " يسكن في الطوفان "، أي يسكن في مياه المعمودية، ليحل في قلوب من ينالوا العماد بكونهم هيكل الله المقدس.

 

4 – نعم الله على كنيسته

" الرب يعطى شعبه قوة، الرب يبارك شعبه بالسلام " [11]

لأنه يليق بالرب أن يمنح شعبه الشجاعة في صراعهم ضد عواصف هذه الحياة وبراكينها. إنه لم يعدهم بالهدوء في هذا العالم السفلى!

الرب يمنح شعبه السلام " سلامي أنا أعطيكم، سلامي أنا أترك لكم " (يو 14: 27).

ختام هذا المزمور يؤكد لنا أن العاصفة لا بد أن تعبر ليتمجد الله الملك الذي يؤكد حبه لكنيسته وقت الضيقة، واهبًا إياها قوة وبركة وسلامًا، إن سلمت حياتها بين يديه واستعانت بصوت الرب ومواعيده كسند وخلاص لها

St-Takla.org                     Divider of Saint TaklaHaymanot's website فاصل - موقع الأنبا تكلاهيمانوت

إنجيل القداس.. لو 6: 39 – 49

39 وضرب لهم مثلا هل يقدر اعمى ان يقود اعمى اما يسقط الإثنان في حفرة
40 ليس التلميذ افضل من معلمه بل كل من صار كاملًا يكون مثل معلمه
41 لماذا تنظر القذى الذي في عين أخيك واما الخشبة التي في عينك فلا تفطن لها
42 او كيف تقدر أن تقول لأخيك يا أخي دعني أخرج القذى الذي في عينك وأنت لا تنظر الخشبة التي في عينك يا مرائي أخرج اولًا الخشبة من عينك وحينئذ تبصر جيدًا ان تخرج القذى الذي في عين أخيك
43 لأنه ما من شجرة جيدة تثمر ثمرًا رديًا ولا شجرة ردية تثمر ثمرًا جيدًا
44 لأن كل شجرة تعرف من ثمرها فإنهم لا يجتنون من الشوك تينًا ولا يقطفون من العليق عنبًا
45 الانسان الصالح من كنز قلبه الصالح يخرج الصلاح والإنسان الشرير من كنز قلبه الشرير يخرج الشر فإنه من فضلة القلب يتكلم فمه
46 ولماذا تدعونني يا رب يا رب وأنتم لا تفعلون ما اقوله
47 كل من ياتي إلى ويسمع كلامي ويعمل به اريكم من يشبه
48 يشبه إنسانًا بنى بيتًا وحفر وعمق ووضع الأساس على الصخر فلما حدث سيل صدم النهر ذلك البيت فلم يقدر أن يزعزعه لأنه كان مؤسسًا على الصخر
49 واما الذي يسمع ولا يعمل فيشبه إنسانًا بنى بيته على الأرض من دون أساس فصدمه النهر فسقط حالًا وكان خراب ذلك البيت عظيمًا

+ اهتم الآباء -خاصة آباء البريّة- بالتدقيق في عدم الإدانة، فحسبوا أنه ليس شيء يغضب الله مثلها، إذ تنزع نعمته عمَّن يرتكبها ويرفع رحمته عنه حتى إذا ما ترفَّق بأخيه ينال هو النعمة الإلهيّة ومراحم الله.. لماذا بالحري لا ندين أنفسنا ونحكم على شرِّنا الذي نعرفه تمامًا وبدقة والذي نعطي عنه حسابًا أمام الله! لماذا نغتصب حق الله في الإدانة؟! الله وحده يدين، له أن يبرِّر وله أن يدين. هو يعرف حال كل واحد منَّا وإمكانيَّاتنا وانحرافاتنا ومواهبنا وأحوالنا واستعداداتنا. فله وحده أن يدين حسب معرفته الفريدة. أنه يدين أعمال الأسقف بطريقة، وأعمال الرئيس بطريقة أخرى. يحكم على أب دير، أو تلميذ له بطريقة مغايرة، الشخص القديم (له خبراته ومعرفته) غير طالب الرهبنة، المريض غير ذي الصحَّة السليمة. ومن يقدر أن يفهم كل هذه الأحكام سوى خالق كل شيء ومكوِّن الكل والعارف بكل الأمور.

 

ويعلّق القدِّيس كيرلس الكبير على كلمات السيِّد عن عدم الإدانة، قائلًا:

[بينما يطلب منَّا التعمق في فحص أنفسنا حتى ينطبق سلوكنا على أوامر الله وتعاليمه نجد البعض يشغلون أنفسهم بالتدخُّل في شئون الآخرين وأعمالهم، فإذا وقفوا على خطأ في أخلاق الغير عمدوا إلى نهش أعراضهم بألسنة حدَّاد، ولم يدروا أنهم بذم الآخرين يذمون أنفسهم، لأن بهم مساوئ ليست دون مساوئ الغير في المذلَّة والمهانة. لذلك يقول الحكيم بولس: "لذلك أنت بلا عذر أيها الإنسان كل من يدين، لأنك فيما تدين غيرك تحكم على نفسك، لأنك أنت الذي تدين تفعل تلك الأمور بعينها" (رو 2: 1). فمن الواجب علينا والحالة هذه أن نشفق على الضعيف، ذاك الذي وقع أسيرًا لشهواته الباطلة وضاقت به السُبل، فلا يمكنه التخلُّص من حبائل الشرّ والخطيّة.

فكل من طاب ذهنه لا يتصيَّد معاصي الغير، ولا يشغل ذهنه بزلاَّتهم وعثراتهم، بل عليه فقط أن يتعمَّق في الوقوف على نقائصه وعيوبه. هذا كان حال المرنِّم المغبوط وهو يصف نفسه بالقول الحكيم: "إن كنت تُراقب الآثام يا رب يا سيِّد، فمن يقف" (مز 130: 3)، وفي موضع آخر يكشف المرنِّم عن ضعف الإنسان ويتلمَّس له الصفح والمغفرة إذ ورد قوله: "أذكر أننا تراب نحن" (مز 103: 14).]

"لماذا تنظر القذى الذي في عين أخيك، وأما الخشبة التي في عينك فلا تفطن لها" [41].

يكمل القدِّيس كيرلس الكبير حديثه: [سبق أن بيَّن السيِّد الخطر الذي ينجم عن نهش الآخرين بألسنة حداد فقال: "لا تدينوا لكي لا تدانوا". والآن أتى السيِّد على أمثلة كثيرة وبراهين دافعة تحضّنا على تجنُّب إدانة الآخرين والحكم عليهم بما نشاء ونهوى، والأجدر بنا أن نفحص قلوبنا ونجرِّدها من النزعات التي تضطرم بين ضلوعنا سائلين الله أن يطهِّرنا من آثامنا وزلاَّتنا. فإنَّ السيِّد ينبهنا إلى حقيقة مُرَّة مألوفة، فيخاطبنا بالقول: كيف يمكنك نقد الآخرين والكشف عن سيئاتهم وشرورهم وفحص أسقامهم وأمراضهم وأنت شرِّير أثيم ومريض سقيم؟! وكيف يمكنك رؤيّة القذَى الذي في عين الغير وبعينك خشبَة تحجب عينك فلا ترى شيئًا؟! أنك لجريء إذا قمت بذلك، فالأولي بك أن تنزع عنك مخازيك وتطفئ جذوة عيوبك، فيمكنك الحكم بعد ذلك على الآخرين، وهم كما سترى مذنبين فيما هو دون جرائمك.

إذن يجب أن نعني بفحص أنفسنا قبل الجلوس على منصَّة القضاء للحكم على غيرنا، خصوصًا إن كنَّا في وظيفة المُرشد والمعلِّم، لأنه إذا كان المُربِّي نقي الصفحة طاهر الذيل، تزيِّنه نعمة الوقار والرزانة، وليس على معرفة بالفضائل السامية فحسب بل يعمل بها ويسلك بموجبها، فإنَّ مثل هذا الإنسان يصح له أن يكون نموذجًا صالحًا يُحتذى به، وله عند ذلك حق الحكم على الآخرين إذا حادوا عن جادة الحق والاستقامة، أما إذا كان المُرشد مهمِلًا ومرذولًا فليس له أن يدين غيره، لأن به نفس النقص والضعف الذي يراه في الآخرين. كذلك ينصحنا الرسل المغبوطون بالقول: "لا تكونوا معلِّمين كثيرين يا إخوتي، عالمين أننا نأخذ دينونة أعظم" (يع 3: 1). ويقول المسيح وهو يكلِّل هامات الأبرار بالتيجان المقدَّسة، ويعاقب الخطاة بشتَّى التأديبات: "فمن نقض إحدى هذه الوصايا الصغرى وعلَّم الناس هكذا، يُدعَى أصغر في ملكوت السماوات، وأما من عمِل وعلَّم فهذا يُدعَى عظيمًا في ملكوت السماوات" (مت 5: 19).]

وعن ذلك يقول مار إسحق السرياني: [حينما تمتلئ النفس من ثمار الروح، تقوى تمامًا على الكآبة والضيق.. وتفتح في قلبها باب الحب لسائر الناس.. تطرد كل فكر يوَسْوس لها بأن هذا صالح وذاك شرِّير، هذا بار وذاك خاطئ. تُرتب حواسِها الداخليّة، وتصالحها مع القلب والضمير، لئلا يتحرَّك واحد منها بالغضب أو بالغيرة على واحد من أفراد الخليقة. أما النفس العاقرة الخالية من ثمار الروح، فهي لابسة الحقد على الدوام والغيظ والضيق والكآبة والضجر والاضطراب، وتدين على الدوام قريبها بجيِّد ورديء.]

وقد حدَّثنا السيد المسيح صديقنا السماوي عن الحب، مترجمًا عمليًا خلال العطاء، والستر على ضعفات الآخرين، كما ذكرنا أيضًا هنا في موقع الأنبا تكلا هيمانوت في أقسام أخرى. بهذا يقدِّم لنا مفتاح الدخول إلى حضرة الله للتمتُّع بحبِّه، وكأن هذا يسلِّمنا مفتاح خزانته الإلهيّة، إذ يقول: "اغفروا يُغفر لكم، أعطوا تُعطوا" [37]. وقد دعا القديس أغسطينوس هذين العمليْن: السَتْر على الآخرين، والعطاء جناحي الصلاة، يرفعانها إلى العرش الإلهي بلا عائق. فمن كلماته: [البِرْ الأول يمارس في القلب عندما تغفرون لأخيكم عن أخطائه، والآخر يُمارس في الخارج عندما تعطون الفقير خبزًا. قدِّموا البِرِّين معًا، فبدون أحد هذين الجناحين تبقى صلواتكم بلا حركة]، [إن أردتم أن يُستجاب لكم عندما تطلبون المغفرة: اغفروا يُغفر لكم، أَعطوا تُعطوا.]

أخيرًا أكَّد السيد المسيح أنه في تقديم وصاياه عن المحبَّة يطلب تغيير القلب في الداخل، يطلب في المؤمن أن يكون شجرة صالحة ليأتي بالثمر الصالح، إذ يقول:

"لأنه ما من شجرة جيِّدة تُثمر ثمرًا رديًا، ولا شجرة رديَّة تثمر ثمرًا جيِّدًا.

 

الحاجة إلى البناء على الصخر

يعود فيؤكِّد السيد المسيح غاية وصاياه أن تكون ثمرًا طبيعيًا للقلب الجديد الذي يتأسَّس عليه، إذ شبَّه حياتنا ببناء يليق أن يُقام على السيد المسيح "صخر الدهور" فلا تستطيع زوابع الأحداث أن تهدِمه.

إيماننا بالمسيح هو الصخرة الداخليّة، خلاله نتقبَّل السيد المسيح نفسه كسِرْ قوَّتنا، يعمل فينا بروحه القدِّوس ليرفعنا إلى حضن أبيه. أما من لا يتأسَّس على "الصخرة الحقيقيّة" فيهتز بناؤه يمينًا وشمالًا بتيَّارات عدوْ الخير المتقلِّبة، الذي لا يهدأ حتى يحطِّمه تمامًا.فليعطنا الرب العين البسيطة حتى لا ندين الآخرين ولإلهنا المجد الدائم إلى الأبد أمين.


الكتاب المقدس: بحث، تفاسير | القراءات اليومية | الأجبية | أسئلة | طقس | عقيدة | تاريخ | كتب | شخصيات | كنائس | أديرة | كلمات ترانيم | ميديا | صور | مواقع

https://st-takla.org/books/fr-botros-elbaramosy/great-lent-readings/friday-2.html

تقصير الرابط:
tak.la/93n6p2w