St-Takla.org  >   books  >   fr-botros-elbaramosy  >   ebooks  >   patriotic-copts
 

مكتبة الكتب المسيحية | كتب قبطية | المكتبة القبطية الأرثوذكسية

كتاب الأقباط: وطنية وتسامح ديني عبر العصور - الراهب القمص بطرس البراموسي

16- الأقباط والحركة العرابية

 

(جـ) الأقباط والحركة العرابية:

كانت البداية في مولد صرخة (مصر للمصريين) وهي الصرخة التي كانت حجر الأساس في الوطنية المصرية، وعليها تأسيس الحزب الوطنى الأهلى في 1879م. وقد وضع برنامج هذا الحزب الإمام الشيخ محمد عبده ولويس صابونجى، وكلاهما من زملاء السيد جمال الدين الإفغانى ومؤيديه. وقد نص برنامج الحزب الذي وافق عليه أحمد عرابى وتبناه وجعله ميثاقًا وطنيًا لحركته حتى لقب زعيم الحزب الوطنى، في مادته الخامسة على أن الحزب الوطنى [حزب سياسى لا دينى، فإنه مؤلف من رجال مختلفى العقيدة والمذهب وأغلبه مسلمون لأن تسعة أعشار المصريين من المسلمين، وجميع النصارى واليهود، وكل من يحرث على أرض مصر ويتكلم بلغتها ينضم إليه لأنه لا ينظر إلى اختلاف المعتقدات].

ثم أكد البرنامج بوضوح أن الحزب [يعلم أن الجميع أخوان وأن حقوقهم في السياسة والشرائع متساوية وهذا مُسلَم به عند أخص مشايخ الأزهر الذين يعضدون هذا الحزب ويعتقدون أن الشريعة المصرية الحقة تنهى عن البغضاء وتعتبر الناس في المعاملة سواء من المصريون لا يكرهون الأوربيين المقيمين في مصر من حيث كونهم أجانب أو نصارى وإذا عاشروهم على أنهم مثلهم يخضعون لقوانين البلاد ويدفعون الضرائب كانوا من أحب الناس إليهم(38).

St-Takla.org Image: Ahmed Urabi painting (1841-1911) - from The Military Museum, Saladin Citadel (Salah El Din fortress), Cairo, Egypt - October 2011 - Photograph by Michael Ghaly for St-Takla.org. صورة في موقع الأنبا تكلا: لوحة أحمد عرابي (1841-1911 م.) - من صور المتحف الحربي، قلعة صلاح الدين، القاهرة، مصر - أكتوبر 2011 - تصوير مايكل غالي لـ: موقع الأنبا تكلا هيمانوت.

St-Takla.org Image: Ahmed Urabi painting (1841-1911) - from The Military Museum, Saladin Citadel (Salah El Din fortress), Cairo, Egypt - October 2011 - Photograph by Michael Ghaly for St-Takla.org.

صورة في موقع الأنبا تكلا: لوحة أحمد عرابي (1841-1911 م.) - من صور المتحف الحربي، قلعة صلاح الدين، القاهرة، مصر - أكتوبر 2011 - تصوير مايكل غالي لـ: موقع الأنبا تكلا هيمانوت.

وتعبيرًا عن التمييز في الموقف والنظرة بين (النصارى) الأوربيين - مع تحفظنا الشديد كأقباط على لفظ النصارى هذا الذي يستحسنه إخواتنا المسلمين في كل كتابتهم وحواراتهم.. فنحن مسيحيين أقباط وليس نصارى - وبين (النصارى) المصريين مثلًا، تفرد هذه العبارة نصًا خاصًا لهؤلاء المواطنين المصريين، فالجامعة الوطنية المصرية تضم "المصريين على اختلاف الأديان والمعتقدات" ولم ولن تكون جامعة الدين بين "نصارى" مصر و"نصارى" أوروبا أرضًا مشتركة بين هؤلاء وهؤلاء ترقى إلى جامعة الوطن.

وقد وصف الإمام محمد عبده وطنية الحركة العرابية بقوله [هل يقدر أحد أن يشك في كون جهادنا وطنيًا صرفًا بعد أن آزره رجال من جميع الأجناس والأديان. فكان يتكالب المسلمون والأقباط والإسرائيليون لنجدته بحماس غريب، وبكل ما أوتوه من حول وقوة لإعتقادهم أنها حرب بين المصريين والإنجليز وقد شمل هذا الحماس "في التبرعات والإشتراك في القتال" الأقباط وكان يشجعهم على ذلك رؤساؤهم] (39).

كانت هذه كلها مقدمات الثورة العرابية، مهد لها فكر متحرر حول الوحدة الوطنية وحرية العقيدة ليحل محل فكرة الدولة ذات الدين الواحد. واختفى مع هذا الفكر كثير من مظاهر الكراهية والتعصب الدينى الذي ميز فكر القرن التاسع عشر بشكل جاد. ولذلك فإنه على الرغم من اعتماد عبد الله النديم – خطيب الحركة العرابية – دائماً على القرآن والفكر الدينى عموماً في استثارة الجماهير، فقد شملت حركته دعوة مستمرة إلى الأخوة الوطنية والهجوم على التعصب الدينى وتحيز زميلاً له في المناداه بهذه الدعوة، هو أحد الشبان الأقباط ويدعى مرقص نبيه، وكان الآخر خطيباً فصيحاً قوى الحجة يضرب على هذا النغمة حتى أصبحت الرابطة الوطنية ثابتة الدعائم، بحيث حلت كل أيام الحركة وانقضت ولم يسمع أحد في طول البلاد وعرضها بأن هذا قبطي وذاك مسلم خصوصاً وأن هذه كانت تعليمات ومبادئ جميع زعماء الحركة وأفرادها بلا استثناء، حتى أنهم كانوا يزرون البطريرك كيرلس الخامس بلا انقطاع ويطلبون منه الدعاء.

وقد بلغ من تقدير عرابى لوطنية الأقباط وتشجيعه للتآخى معهم إلى حد أنه عندما قوى مركزه ذهب إلى الخديوى توفيق يطلب منه الموافقة على منح رتبة الباشوية للأقباط وبناء على ذلك منح الخديوى رتبة الباشوية لبطرس غالى في 1880 م والرتب وقتذاك غزيرة.

وخلال حوادث الحركة كان البابا كيرلس الخامس في مقدمة المؤيدين لعرابى -كما ذكرنا أيضًا هنا في موقع الأنبا تكلا هيمانوت في مواضِع أخرى- وتدلنا وثائق الثورة العرابية على أنه عندما سقطت الإسكندرية وقرر عرابى المقاومة، عزلة الخديوى، فدعا عرابى جمعية وطنية ضخمة يوم 17 يوليو 1882م ضمت أعيان البلاد ووجهائها، بلغ عددهم أربعمائه عضوًا، وكان من بين المدعوين البابا كيرلس الخامس - ولعل هذا الحدث يذكرنا بما حدث مثله تمامًا في ثورة يونيو 2013م - إلى جانب كثير من الأمراء الموجودين بالعاصمة، وشيخ الإسلام، وقاضى قضاة مصر، ومفتى الديار المصرية، وكبار العلماء والرؤساء الروحانيون، والنواب، ووكلاء الدواوين، والمديرين، والقضاة والتجار(40). ووقع البابا مع الحاضرين على القرار الشهير الذي صدر عن هذه الجمعية والذى ينص على الإستمرار في الحرب ضد الإحتلال الإنجليزى وإبقاء عرابى في منصبة كوزير للحربية ليتولى شئون الدفاع عن البلاد ضد الإحتلال، وأن الإنجليز خرجوا عن تعاليم المسيحية الحقة التي تدعو إلى السلام وعدم الإعتداء. وقد رضخ الخديو لهذا المطلب وقرر إبقاء عرابى في نظارة الجهادية والبحرية خوفًا على حياته من ناحية ومنعًا لإراقة الدماء من ناحية أخرى.

وعندما إدلهمت الأمور، اشترك الفلاحون من الأقباط في تزويد الجيش بما احتاجه من مختلف المؤن. فكان تادرس شنوده المنقبادى الذي عمل معاونًا لوابورات النيل في أسيوط، يقوم بتشغيل جميع القطارات لنقل الجنود والمهمات الحربية من الوجه البحرى إلى أسيوط التي كانت نهاية الخط الحديدى.. كما انهالت على عرابى التبرعات من أعيان البلاد،وكان بينهم عدد كبير من أقباط الصعيد الذين كانوا يتمنون لو ينجح عرابى في طرح سلطة كل من الخديوى والسلطان العثمانى. وحاول أعداء الحركة أن يشوهوا جلالها، فأشاعوا، الغرض الحقيقى لعرابى هو دفع المسلمين إلى الإستيلاء على أموال النصارى، فكان من أثر ذلك أن اندفع بعض الغوغاء يحاولون الإستفادة من هذه الفرصة إلا أن عرابى بادر بمقاومة هذه الفتنة(41). فأرسل الأوامر المشددة إلى المديرين بالمحافظة على أموال الأقباط وحياتهم(42).

وهكذا يعيد التاريخ نفسه بكامل إحداثه عندما تقارن ما حدث بما حدث في حرق ما يقرب من 40 كنيسة في ربوع القطر المصري يوم 14 أغسطس سنة 2013م بعد إنقضاء حكم الأخوان المسلمين والقبض عليهم، كان نصيب الأقباط من هؤلاء الغوغاء ما تم حريقه وتدميره.. ولكن يبقى الأقباط بصلابتهم ووطنيتهم وحبهم لبلادهم كما هم منذ ظهورهم حتى اليوم.. يعشقون تراب مصر، ولا يرتوون إلا من نيلها، ولا يأكلون إلا من أرضها، ولا يسمحون لأى أحد نزع هويتهم القبطية (المصرية القديمة).. حتى يقولوا بملئ فمهم نحن أقباط ولسنا نصارى، نحن مصريين مسيحيين وليس صليبيين، نحن وطنيين ولسنا محالفين للمستعمرين الغربيين. نعيش على أرض مصر ونموت على أرضها وندفن داخل دفئ ترابها.. ففى حياتنا ومماتنا نحن أقباط مصريين ولا يستطيع أي أحد أن ينزع منا هويتنا القبطية وجذورنا المصرية القديمة وحبنا لبلادنا إلى مدى الدهور.

_____

الحواشي والمراجع لهذه الصفحة هنا في موقع الأنبا تكلاهيمانوت:

(38) برنامج الحزب في الطليعة – فبراير سنة 1965 – صـ 148، 149.

(39) أحمد عرابى الزعيم المفترى عليه – محمود الخفيف - القاهرة – مطبعة الرسالة سنه 1947 – صـ 366 – 367.

(40) دليل وثائق الثورة العرابية – دار الوثائق التاريخية والقومية بالقلعة – قسم المجمع والتسجيل – سنة 1966.

(41) نصيب الأقباط في الحومة القومية في العصر الحديث – د. زاهر رياض – بحث غير منشور صـ 78.

(42) الأقباط في أحياء السياسة المصرية- مرجع سابق – صـ 28.


الكتاب المقدس: بحث، تفاسير | القراءات اليومية | الأجبية | أسئلة | طقس | عقيدة | تاريخ | كتب | شخصيات | كنائس | أديرة | كلمات ترانيم | ميديا | صور | مواقع

https://st-takla.org/books/fr-botros-elbaramosy/ebooks/patriotic-copts/urabi.html

تقصير الرابط:
tak.la/kt9anb7