(ب) الأقباط والحملة الفرنسية:
واجهت الوحدة الوطنية مأزقًا جديدًا مشابهًا لما واجهته إبان فترة الحروب الصليبية وذلك بعد قدوم الحملة الفرنسية إلى مصر عام 1789م. ولقد أدعى نابليون بونابرت أنه حامي الإسلام، بل بطل من أبطاله وذلك لرغبته الشديدة في ترضية المسلمين وكسب رضائهم عن وجوده في مصر، وحتى يكون لهذا الوجود مبرر مشروع في مواجهة الدولة العثمانية. وعلى الرغم من كل هذه المظاهر فإن المسلمين قد عادوه ثم كرهوه ونسوا تصريحاته المفعمة بالعطف على الإسلام، وظلوا يتذكرون دخول الفرنسيين ساحة الأزهر، حيث كان يعتصم ثوار القاهرة، ولتحقيق سياسة التودد للأغلبية والتقرب منها، سعى نابليون إلى الإستغناء عن خدمات الأقباط في جباية الضرائب وهي إحدى الوظائف الهامة التي كانوا يمارسونها في المجتمع المصري منذ عهد المماليك. صحيح أنه استعان بهم في جباية الضرائب في البداية، ولكنه اتخذ هذا الإجراء مرغمًا. وكان يأمل من وراء إستغنائة عن خدماتهم مراقبة دخل الضرائب مراقبة فعلية من ناحية، وترضية المسلمين بصفة خاصة من ناحية أخرى. لذلك فعندما ترك نابليون مصر أرسل إلى الجنرال كليبر الذي خلفه في مصر كتابًا مؤرخًا 23 أغسطس 1791 م يقول له فيه بصراحة [كنت مزمعًا إن سارت الأمور سيرها الطبيعى - أن أضع نظامًا جديدًا للضرائب يجعلنا نستغنى عن خدمات الأقباط].
وعندما شعر الأقباط بأن المحتل يقصد تجريدهم من وظائفهم التقليدية -أي وظائف المباشرين- تمنوا عودة رؤسائهم الأتراك، ومما يؤيد ذلك أن المعلم جرجس الجوهري -رئيس المباشرين أثناء الحملة الفرنسية - قبل عرض الصدر الأعظم واستأنف نشاطه الخاص بجباية الضرائب تحت الحكم العثمانى، وذلك لعدم وجود رباط الود بينه وبين الفرنسيين.
بل أنه عندما أُغتيل الجنرال كليبر على يد سليمان الحلبى، تحركت روح الإنتقام في قلوب الجنود الفرنسيين. فألغيت الإجراءات الإستثنائية القليلة التي كانت لصالح الأقباط. ولقد خلف مينو كليبر ولما كان مينو رجلًا إداريًا، فقد أظهر ريبته من المباشر القبطي، لذلك تعرض المباشرون لرقابة شديدة وكان الفرنسيون يعاقبون بقسوة المباشرين الأقباط الذين اختلسوا الأموال، وكانوا يتربصون الفرصة للإستغناء عنهم. وعمل مينو على تحقيق مشروع بونابرت بتجريد الموظفين الأقباط من امتيازاتهم. وقد ألغى فعلا وظائف المباشرين الأقباط في النظام الإدارى الجديد.
وهكذا تساوى في النهاية شعور الأقباط مع شعور المسلمين تجاه الحملة الفرنسية -كما ذكرنا أيضًا هنا في موقع الأنبا تكلا هيمانوت في مواضِع أخرى- وإن اختلفت دوافع كل فريق. فقد تشكك المسلمون في الفرنسيين وفهموا أن محاولات تودد بونابرت لم تكن إلا لكسب رضائهم عن وجودهم في مصر حتى يجدوا سندًا مشروعًا لبقائهم في مواجهة الإمبراطورية العثمانية، أما الأقباط فقد تحفظوا في إبداء شعورهم في البداية أملًا في التخلص من مظالم حكم المماليك والعثمانيين. ثم رأوا أن وجود دولة مسيحية في مصر لم يفدهم، بل أساء إلى العلاقات بينهم وبين أخوانهم المسلمين (كما حدث في ثورة القاهرة الثانية، فضلًا عن اتجاه المحتل إلى تجريدهم من وظائفهم التقليدية. ثم أن نابليون لم يدع المسيحية كما أدعى الإسلام(37). وبهذا ثبت الأقباط على موقفهم الوطنى ضد المحتل المسيحي، وظهرت وطنيتهم وإنتمائهم لبلادهم ظهورًا واضحًا ضد المحتل الأجنبى.
_____
(37) الأقباط في الحياة السياسية المصرية – مرجع سابق صـ 23.
الكتاب المقدس: بحث، تفاسير | القراءات اليومية | الأجبية | أسئلة | طقس | عقيدة | تاريخ | كتب | شخصيات | كنائس | أديرة | كلمات ترانيم | ميديا | صور | مواقع
https://st-takla.org/books/fr-botros-elbaramosy/ebooks/patriotic-copts/french-campaign.html
تقصير الرابط:
tak.la/m5a4qkf