أتيحت الفرصة للشعب المصرى مرة أخرى لكى يقوم بدور عالمى إبتداءاً من أوائل القرن الرابع، وعلى مدى مائة وخمسين عاماً، كانت كنيسة مصر ورؤسائها ومعلموها يواجهون الإنحرافات العقائدية المسيحية في المجامع المسكونية التي تنعقد خارج مصر على الصعيد الكنسى والعالمى، بعد أن عرفوا تماما قدر كنيستهم في عالم المسيحية، وقدر مدينتهم الإسكندرية في عالم الفكر والحضارة. واستمر الصراع الفكرى واللاهوتى بين كنيسة مصر من ناحية وكنائس روما وأنطاكية والقسطنطينية من ناحية أخرى، إلى حد أن أعلنت مصر تخليها عن استخدام اللغة اليونانية – لسان الفكر والثقافة والعقيدة في الشرق – والتحول عنها إلى اللغة القبطية. وكان هذا الإجراء في ذاته تحدياً صريحاً لكل الخصوم، وأعطى لمصر في عصرها المسيحي صبغة وطنية، كان لها أكبر الآثار فيما بعد على العلاقات السياسية بين مصر والإمبراطورية في أوائل القرن السابع الميلادى.
وبدأت مصر منذ ذلك الحين تشق لنفسها طريقاً مستقلاً عقيدة ولساناً، طريقاً يقوم على الفصل بين السلطة الزمنية والسلطة الدينية التي بلغ الرباط بينهما في مصر صورته النموذجية بأن كان حاكم الولاية الرومانية هو نفسه قائد الحامية العسكرية ورئيس الجماعة الدينية التابعة لبيزنطة. لذلك قاطع القبط البطريرك المكانى (أي الذي كان يفرضه الملك وهو الإمبراطور البيزنطى). وأقاموا هم بطريركهم في الأديرة ورفضوا أن يعترفوا بغيره. ولاشك أن حالة الصراع الحاد المستمر الدموى بين القبط وروما قد مهدت لدخول الغرب إلى مصر، وجعلت القبط يرحبون بالعرب الذين وعدوهم بالحرية والأمان، وبخاصة أن الإضطهاد قد وصل مداه على يد الأسقف الجديد الذي قَدم إلى الإسكندرية في خريف 631م وهو قيرس Cyrus الذي عرفه كتاب العرب باسم المقوقس، وهو الذي أغرق القبط في بحر من العذاب كما يصف ذلك ساويرس بن المقفع أسقف الأشمونيين في القرن العاشر من كتابه (تاريخ بطاركة الإسكندرية). وكان أكبر مظهر لهذا الإضطهاد العنيف هروب البابا بنيامين أسقف الإسكندرية إلى مدينة قوس للإحتماء بالرهبان، كما جرت بذلك عادة أساقفة كنيسة الإسكندرية بصفة عامة. ولم تنس الكنيسة المصرية هذه الحقيقة من تاريخها وهي تتذكر أبناءها أثناء اجتماعات الصلاة الدورية بما لاقاه أباؤهم على يد المكانيين، ولا يكاد يمضى شهر أو يوم – إلا وفيه ذكرى أحد شهداء هذه الفترة(16).
* ولذا أردت أيها القارئ والمهتم بذلك معرفته المزيد من هذا الصراع ودور الأقباط المتفانى في الحفاظ على هويتهم القبطية (المصرية) وتحملهم الاستشهاد والاضطهاد من أجل ذلك -كما ذكرنا أيضًا هنا في موقع الأنبا تكلا هيمانوت في مواضِع أخرى- عليك بالرجوع إلى كتاباً شاملاً مؤرخاً لهذه الحقبة كتبة أحد علماء الكنيسة المعاصرين ألا وهو نيافة الأنبا غريغوريوس أسقف عام الدراسات اللاهوتية العليا والثقافة القبطية والبحث العلمي بعنوان [ما بين الإسكندرية وروما وبيزنطة].
_____
(16) الأقباط في الحياة السياسية المصرية – مرجع سابق صـ 16.
الكتاب المقدس: بحث، تفاسير | القراءات اليومية | الأجبية | أسئلة | طقس | عقيدة | تاريخ | كتب | شخصيات | كنائس | أديرة | كلمات ترانيم | ميديا | صور | مواقع
https://st-takla.org/books/fr-botros-elbaramosy/ebooks/patriotic-copts/heresies.html
تقصير الرابط:
tak.la/665h4zy